جوليا بطرس.. صوت الثورة الذي سكن بيت الوزير

Singer Julia Boutros performs during a concert in Dubai November 14, 2006 for young victims of the recent conflict between Israel and Hezbollah. REUTER/Ahmed Jadallah (UNITED ARAB EMIRATES)

ياسمين عادل

في الأول من أبريل/شباط 1968 كانت لبنان على موعد مع ميلاد سيدة الأحلام، جوليا بطرس، الفنانة ذات الوعي المبكر وصاحبة الرسالة التي غرست خلالها حب المقاومة في جيل كامل حرصت على مشاركته رحلة البحث عن الهوية والأمل في عالم محموم يخرج من حرب فينغمس في أخرى.

ولدت جوليا في بيروت لأب لبناني وأم فلسطينية، وهي الشقيقة الوسطى، حيث يكبرها الملحن زياد بطرس، وتصغرها المخرجة صوفي بطرس.

التحقت جوليا في صغرها بمدارس الراهبات، وهناك ظهرت موهبتها في الغناء فانضمت لفرقة المدرسة الموسيقية، قبل أن يكتشفها أستاذ الموسيقى فؤاد فاضل فيجعلها "صوليست" الفرقة، ومنحها مساحة للغناء المنفرد.

شهادة ميلاد علي يد الرحباني
تربت جوليا على أصوات مثل فيروز ومارسيل خليفة وزياد الرحباني؛ الأمر الذي جعلها تتأثر بفيروز وتعتبرها قدوة، لذا لم يكن غريبا أن تثمر أولى خطواتها نحو عالم الغناء وعمرها 12 عاما، بعد أن عرفها فؤاد فاضل إلى إلياس الرحباني الذي قدمت معه أغنيتها الأولى الناطقة بالفرنسية "إلى أمي" (A maman).

ووسط تشجيع عائلتها، صدر أول ألبوماتها في سن 14، تحت عنوان "هذه هي الحياة" (C’est La Vie)، الذي جاء من تأليف وتلحين إلياس الرحباني.

من الغناء الأجنبي للغناء الوطني
تزامنت بداية جوليا بطرس مع الغزو الإسرائيلي للبنان، وهو ما وجهها لمسار بدا مختلفا عما بشرت به خطواتها الأولى، فكان التغيير الأول في اختيار لغة الكلمات. فمع أنها بدأت الغناء باللغة الفرنسية وما منحته لها من شعور بالارتياح، إلا أنها سرعان ما اتجهت للغناء باللهجة اللبنانية، مستشعرة خصوصيتها وحميميتها لدى الجمهور، فجاءت أغنية "غابت شمس الحق" من تلحين شقيقها عام 1985.

أسهم الغناء باللغة العربية في بزوغ نجم جوليا بطرس بين سماء الوطن العربي، في حين تسبب محتوى الأغنية الوطني في جعل الجميع ينظرون لها لا باعتبارها مطربة فحسب، بل بوصفها فنانة صاحبة رسالة وقضية أيضا، وهو ما ثبتت صحته مع مرور السنوات.

نشأت جوليا بين أم ذاقت مرارة التهجير من وطنها إثر النكبة، وأب ينتمي للحزب السوري القومي الاجتماعي، مما أسهم في تشكيل الوعي السياسي والحس الثوري لديها؛ فجاءت أغنياتها تنادي بالعدل وتهتف للإنسانية حاملة على عاتقها الحث على الثورة والمقاومة، والدعوة لعدم الانهزام أمام هموم الوطن المنكوب، كما لعبت على وتر الشوق للوحدة العربية، والحاجة للشعور بالانتماء ولو بين أحضان قصيدة.

هكذا حفلت مسيرتها بعشرات الأغنيات التي دافعت عن القضية الفلسطينية وشدت ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأشهرها: "أنا بتنفس حرية"، و"الحق سلاحي"، و"إلى النصر هيا"، و"نحن الثورة والغضب"، و"مقاوم"، و"أيها الصامتون"، و"حكاية وطن"، بالإضافة إلى أغنية "أحبائي" التي استوحتها من خطاب الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، وهي الأغنية التي عرّضتها للعديد من الانتقادات والاتهامات بمساندة الشيعة، وكان ردها في ذلك الوقت إنني "أنتمي لهذا العالم واسع الموسيقى، والشعر، والفكر، وأهلي ووطني، وأرضي، لا أريد أن أنحصر بعقيدة حزب معين".

صدرت هذه الأغنية بعد حرب يوليو/تموز 2006، تزامنا مع إنشاء مشروع "أحبائي" الذي كان عبارة عن مجموعة حفلات أحيتها بطرس بين لبنان وسوريا وقطر والإمارات، وقدمت فيها أغنيات وطنية، وتبرعت بريعها -الذي بلغ ثلاثة ملايين دولار- لعائلات ضحايا الحرب وشهداء المقاومة والجيش اللبناني.

بقدر ما عرفت جوليا بأغانيها الوطنية، فإن ذلك لم يمنعها من طرح الأغنيات الرومانسية بين حين وآخر، وإن كان أشهر ألبوماتها العاطفية الذي استطاع الجمع بين التقدير الفني والنجاح المادي هو ألبوم "لا بأحلامك" عام 2001.  

لكل ما سبق، جاءت مسيرة جوليا بطرس حافلة بالجوائز التقديرية، حيث كرمت من عدة دول عربية، كذلك حصلت على "وسام الأرز" عام 2000، وكان رئيس جمهورية لبنان منحها إياه لدورها الفعال في المقاومة.

أما على المستوى الفني، فقد حققت جوليا نجاحا ملفتا أكثر من غيرها من الفنانات صاحبات القضية والملتزمات بالمضمون، إذ نجحت في تحقيق مبيعات تراوحت بين 150 و250 ألف نسخة لكل ألبوم، وهو رقم ضخم بالنسبة لفنانة اختارت الانتصار للمحتوى، خاصة أنها لم تغن سوى باللهجة اللبنانية.

الظهور الأخير
يذكر أن آخر ألبوم طرحته جوليا بطرس كان قبل ثلاثة أعوام باسم "أنا مين"، أما آخر ظهور لها فكان في يوليو/تموز 2018، خلال حفلتين: الأولى في مدينة صور اللبنانية، حضرها أكثر من 14 ألف شخص، والثانية في عمان. ومع أن الحفلتين حققتا نجاحا جماهيريا كبيرا، حتى أن حفلة صور بيعت تذاكرها كاملة خلال 24 ساعة؛ فإن ذلك لم يمنع تعرض جوليا بطرس للهجوم من بعض المختلفين معها عبر منصات التواصل.

إذ اتهمت بأنها لا تتسق مع مضمون أغنياتها، فمن جهة هي زوجة الوزير اللبناني إلياس بوصعب الذي يعد أحد رموز النظام الذي تدعو بطرس للثورة عليه. ومن جهة أخرى انتقد عديدون أسعار تذاكر حفلاتها التي لا تتناسب مع دفاعها عن الفقراء والمقهورين. كما انتشر وسم (هاشتاغ) #أردنيون-نرفض-وجود-جوليا ردا على حفلها بالأردن، مع إعادة نشر صورها مع رئيس النظام السوري بشار الأسد.

المصدر : الجزيرة