حظر السينما الهندية في باكستان.. الوجه الناعم للحرب

A worker operates a projector at a cinema house in Peshawar, Pakistan February 21, 2019. REUTERS/Fayaz Aziz
باكستان أكبر الأسواق الخارجية للأفلام الهندية (رويترز)

الجزيرة نت-إسلام آباد

تزامنا مع الحرب التي بدأت نذرها بإسقاط باكستان طائرتين هنديتين، اتسع التوتر ليشمل الأفلام الهندية، مع إعلان وزير الإعلام الباكستاني فؤاد تشودري أنه وجّه الإدارة الرقابية على وسائل الإعلام الإلكتروني (بيمرا) بحظر كافة الأفلام والمسلسلات والدعايات الهندية على الشاشات في باكستان.

وأعلنت رابطة العارضين السينمائيين في باكستان مقاطعة الأفلام الهندية على شاشاتها الكبيرة طوعيا.

خندق من نار ظل يتأجج على الحدود بين البلدين منذ استقلال باكستان عن الهند عام 1947 إلى يومنا هذا، ويجعل بين سياسات البلدين برزخا، لكن ظلت للهند حرية السيطرة الناعمة على العقلية الباكستانية عبر قلعتها السينمائية الضخمة (بوليوود) التي أثبتت نفسها كإحدى أهم مؤسسات الفن السابع في العالم. 

تمكنت السينما الهندية من ترك آثار ضخمة على نمط تفكير الفرد والمجتمع في باكستان بثقافتها وأزيائها ونجومها وفنها، ويرى الدكتور همايون شجاع -المتخصص في الدعاية وبناء الصورة- أن الأفلام الهندية استطاعت أن تفرض أساليبها وتقاليدها على عادات الزواج والطلاق والأفراح في باكستان، حتى أن المواطن الباكستاني ينتظر الفيلم الهندي أكثر من المواطن الهندي، ولا يرغب بأي حماس لمتابعة فيلم باكستاني.

‪عابد ظفر: الفيلم الهندي استطاع أن يرسم صورة قاتمة عن المسلم الباكستاني‬ (الجزيرة)
‪عابد ظفر: الفيلم الهندي استطاع أن يرسم صورة قاتمة عن المسلم الباكستاني‬ (الجزيرة)

وتضم باكستان أكثر من ألف دار للسينما، وتعتبر الأفلام الهندية مادتها الأساسية مما يجعل مؤسسات صناعة الأفلام الهندية تحرص أشد الحرص على رضا هذه الفئة من المشاهدين الذين يمثلون أكبر حاضنة لمنتجاتهم بعد الهند، ومصدرا لمداخيل تقدر بمليارات الروبيات سنويا.

ويشعر الباكستاني بقرب واضح مما يقدم عبر الأفلام الهندية بسبب تشارك بعض العادات والتقاليد، بينما لا يشعر بأي انتماء أو شغف تجاه الثقافات الأخرى المجاورة كالصينية والأفغانية والإيرانية.

ولهذا السبب يرى شجاع أن الأفلام الهندية كانت تحاذر مهاجمة باكستان مباشرة، حتى أن بعض هذه الأفلام حاولت استرضاء الجمهور الباكستاني في السنوات الأخيرة، مثل فيلم "بي كي" وفيلم "حيدر" الذي يتحدث عن مظالم أهل كشمير ويصور القمع الذي يتعرض له هذا الشعب.

ويؤكد شجاع أن أفلام بوليوود لجأت للهجوم المبطن على باكستان في عدد من الأفلام مثل "فيرزاره" و"بجرنغي بهائي جان"، لكن ذلك لم يجعل المواطن الباكستاني يحجم عن متابعة إنتاج السينما الهندية التي لا يكاد يجد عنها بديلا يرضي شغفه. 

وتشدد إدارات تنظيم البث في باكستان عادة على المحتويات التي تتضمن مشاهد غير مقبولة اجتماعيا أو لقطات خادشة للحياء العام، سواء كانت هندية أو حتى من بلد صديق لباكستان كتركيا، حسبما أفاد سيد طاهر، مدير هيئة (بيمرا) للرقابة على وسائل الإعلام.

وأوضح طاهر أن الهيئة كانت تسمح للقنوات ببث 6% من المحتوى الهندي و 4% من المحتوى العالمي من مجموع ساعات البث يوميا، ولكن جرى منع بث أي فيلم أو دعاية أو إعلان هندي بقرار من المحكمة العليا في باكستان بعد ذلك.

مقر هيئة الرقابة على وسائل الإعلام
مقر هيئة الرقابة على وسائل الإعلام "بيمرا" (الجزيرة)

ويؤكد طاهر -للجزيرة نت- أن الأسباب الموضوعية لهذا الحظر هو دعم الصناعة السينمائية المحلية ولا علاقة مباشرة له بالتوترات الحالية، إذ لا تستطيع "بيمرا" منع الناس من مشاهدة الأفلام الهندية على مواقع الإنترنت والتأثر بما تبثه من محتوى.

أكثر من 10 آلاف فيلم هندي عرضت في دور السينما الباكستانية أدرت على الهند مليارات الروبيات وكسرت الحواجز العميقة بين البلدين، وتطرق كثير منها إلى الصراع بين الهند وباكستان وقدم الصورة النمطية للشخصية الباكستانية والمسلمة عامة بشكل فج، كما يقول صاحب مؤلف "تنميط المسلم في أفلام بوليوود" الباحث عابد ظفر في حديث للجزيرة نت.

ويرى ظفر أن الفيلم الهندي استطاع بوصوله العالمي أن يرسم صورة قاتمة عن المسلم الباكستاني وعن الأجهزة الأمنية والعسكرية والمدنية في باكستان، وهي الحرب الناعمة التي تسامحت معها باكستان كثيرا.

ويرى ظفر أن القرار الأخير بحجب هذه المواد والأفلام له تأثير اقتصادي ومعنوي كبير سيجبر الهند -مع عوامل أخرى- على مراجعة سياستها التي وصفها بالعدوانية تجاه باكستان. 

ويستدرك ظفر قائلا، إن النجاح في هذا المسعى لا بد أن يتضافر مع تقديم صورة صحيحة بالمستوى الفني نفسه الذي وصلت إليه صناعة السينما الهندية، وإلا فإن إغماض عينك عن الحقيقة لا يلغي وجودها.

المصدر : الجزيرة