الرجل العجوز والبندقية.. رحلة روبرت ريدفورد الأخيرة

The old man & The Gun
روبرت ريدفورد أعلن اعتزاله التمثيل بعد مشوار امتد لما يزيد على ستين عاما في هوليود (مواقع التواصل)

حسام فهمي

في أغسطس/آب 2018 أعلن الممثل والمخرج الأميركي الكبير روبرت ريدفورد اعتزاله التمثيل بعد مشوار امتد لما يزيد على ستين عاما في هوليود، وجاء الإعلان تزامنا مع عرض آخر أفلامه وهو "الرجل العجوز والبندقية" (The old man & The Gun) الذي رشح ريدفورد من خلاله لجائزة الغولدن غلوب في فئة أفضل ممثل.

مشوار سينمائي طويل لروبرت ريدفورد نتتبعه معكم اليوم، كما نحلل بشكل خاص نقطة الختام في مسيرته ببطولته لهذا الفيلم المستقل المستوحى من قصة حقيقية للص بنوك عجوز محب للحياة.

ستون عاما من السينما
ستون عاما من الأفلام، العشرات من أدوار البطولة، بالإضافة إلى تجارب إخراجية متميزة، هذه هي الحصيلة السينمائية لريدفورد أحد أهم نجوم السينما الأميركية طوال تاريخها، حصيلة توجت بأربعة ترشيحات لجائزة الأوسكار، في فئة أفضل ممثل عن فيلم "اللدغة" (The Sting) عام 1974، وفي فئتي أفضل فيلم وأفضل مخرج عن فيلم "كويز شو" (Quiz show) عام 1995، بالإضافة إلى الترشيح الرابع الذي فاز من خلاله بجائزة أفضل مخرج في تجربته الإخراجية الأولى عن فيلم "أناس عاديون" (Ordinary people) عام 1981.

هذه المسيرة الحافلة ضمنت لريدفورد مكانا مميزا في تاريخ هوليود باعتباره واحدا من النجوم القلائل الذين حافظوا على رونقهم وتألقهم على مدار سنين طويلة.

بدأ ريدفورد مسيرته ممثلا مسرحيا في برودواي أواخر الخمسينات، ومنذ بدايته السينمائية في فيلم "حكاية طويلة" (Tall story) عام 1960 برفقة النجمة الأميركية جين فوندا وهو أحد نجوم الصف الأول، فنراه بطلا في السبعينيات في عدد من أهم إنتاجات هوليود كفيلم "اللدغة" وفيلم "كل رجال الرئيس" (All the president’s men)، ويستمر على المنوال نفسه في الثمانينيات، بالإضافة إلى بدايته تجربة إخراجية تتميز بالواقعية والإبهار في الوقت نفسه.

في التسعينيات والألفية الجديدة انتقل ريدفورد لدور الأب الروحي الجنرال الملهم وأخيرا الرجل العجوز، لكنه على الرغم من ذلك ظل مجيدا في أدواره التي نذكر منها بطولته لفيلم "القلعة الأخيرة" (The last castle) عام 2001، و"هامس الخيل" ( The Horse Whisperer) عام 1998 الذي رشح من خلاله لجائزة الغولدن غلوب.

العجوز والبندقية.. الرحلة الأخيرة
صرح روبرت ريدفورد في حواره مع موقع "إنترتينمنت ويكلي" (Entertainment weekly) مطلع أغسطس/آب الماضي بأنه قرر أن يعتزل التمثيل بفيلم يحمل مشاعر إيجابية، فيلم يحمل في قلبه حب الحياة، وهذا بالتحديد ما يمكننا أن نصف به فيلم "الرجل العجوز والبندقية".

الفيلم المستوحى من قصة حقيقية للص بنوك يدعى فوريست تاكر، وهو رجل استمر في محاولة سرقة البنوك طوال حياته، كما استمر في الهرب من السجون الأميركية أيضا حتى وهو يبلغ من العمر سبعين عاما.

ألهمت هذه القصة المخرج والكاتب ديفد لوري فحوّلها إلى فيلم، وأحسن في اختيار روبرت ريدفورد للقيام بدور البطولة، ليودع جمهوره بفيلم سيثير الكثير من الحنين والنوستالجيا في نفوس عشاق السينما.

تدور أحداث الفيلم بشغف بين عالمين، عالم اللص العجوز فوريست تاكر، وعالم الشرطي الشاب جون هانت الذي أدى دوره الممثل الفائز بالأوسكار من قبل كاسي أفليك.

يستمر تاكر في سرقة البنوك على الرغم من أنه لا يبدو بحاجة للمال، هو يفعلها فقط لأنها تمنحه دفقات من الأدرينالين، لأنه تذكره بأنه ما زال حيا، يدخل البنوك ويسرقها بابتسامة، يحمل في يده مسدسا قديما لا يطلق منه الرصاص أبدا، يسرق مبالغ صغيرة ثم يغادر في هدوء.

على الجانب الآخر، يعيش الشرطي الشاب جون هانت حياة مملة ورتيبة في عمل لا يحبه حتى توقعه الصدفة في طريق تاكر، فيتواجد الشرطي في أحد البنوك في نفس لحظة سرقة تاكر لها، وهكذا يجد لحياته معنى فيكمل أحداث الفيلم وهو في رحلة بحث عن تاكر ومحاولة إلقاء القبض عليه.

عن الشغف وحب الحياة
أسلوب ديفد لوري الإخراجي يحمل الخصائص نفسها التي شاهدناها في أفلامه السابقة ونذكر منها فيلمه "حكاية شبح" (A ghost story)، حيث يفضل لوري الخروج لأماكن تصوير مفتوحة، نتابع من خلالها الانتقال بين كوادر قريبة لوجوه أبطاله وكوادر واسعة يظهرون فيها وحيدين ومنعزلين وسط مساحات شاسعة، إما وسط الأراضي الخضراء أو على الطرق.

يبدو لوري منشغلا بالبحث عن قيمة الحياة وما يمنحها هذه القيمة، والإجابة في فيلميه الأخيرين تبدو متقاربة، الحب والشغف، ففي "حكاية شبح" نجد أن الحب هو ما يمنح للحياة قيمة، وهو ما يبقى حتى بعد رحيل الجسد، وفي "الرجل العجوز والبندقية" نجد أن الشغف هو ما يبقى اللص لعجوز على الحياة، والحب هو دافعه الوحيد للمخاطرة أيضا.

هكذا إذن تبدو أفكار ديفد لوري متسقة تماما مع رحلة روبرت ريدفورد الرجل الذي عاش حياته بأكملها في عالم الأفلام والذي يبدو الآن أنه يودع هذه الحياة باعتزاله التمثيل، هذا الاعتزال الذي أبدى ريدفورد نفسه ندمه عليه عقب إعلانه عنه بشهر واحد، ليخبر جمهوره بأنه لن يقول أبدا أنه سيعتزل للأبد، فدائما هناك فرصة للعودة، هناك دائما فرصة لرحلة أخيرة وظهور آخر على الشاشة.

المصدر : الجزيرة