تحية كاريوكا في مئويتها.. نجمة على يسار السلطة

تحية كاريوكا
ولدت كاريوكا في 22 فبراير/شباط 1919 بمدينة الإسماعيلية شرقي القاهرة (مواقع التواصل)

عبد الله غنيم-القاهرة

قبل أسبوعين تقريبًا من اندلاع الاحتجاجات الشعبية العارمة المعروفة بثورة 1919، وتحديدًا في 22 فبراير/شباط بمدينة الإسماعيلية شرق القاهرة- ولدت تحية محمد كُريّم (تحية كاريوكا) التي ستكبر وتنشأ في ظروف سياسية واجتماعية جديدة، إذ اكتسبت المرأة حقها في الخروج من البيت والتعلم وممارسة حياة عامة، وبخاصة كاريوكا التي تنحدر من أسرة تمارس نشاطا سياسيًا ونضاليًا ضد الإنجليز، واعتقل ثلاثة من أسرتها إثر هذا النشاط، وتواصل هي ممارسة العمل السياسي سرا حتى بعد انتقالها إلى القاهرة وحتى مع التصاق اسم "كاريوكا" بها.

تحكي عن ملابسات التصاق اسم "كاريوكا" بها في لقاء مع رسام الكاريكاتير المصري رمسيس في حلقة من برنامجه "يا تلفزيون يا" إذ كانت في الـ 16 من عمرها، حين صمم لها مدربها "إيزاك ديكسون" رقصة استلهمها من رقصات البرازيليين (Cariocas) نسبة لسكان ريو دي جانيرو، وعلقت الرقصة بأذهان الجمهور وأصبحت البنت التي ترقص "كاريوكا" ثم تحية كاريوكا.

مارست الرقص الاحترافي داخل مصر وخارجها لمدة تقارب عشرين عامًا، منذ 1935 حتى اعتزالها في قمة تألقها كامرأة ناضجة في الـ 36 من عمرها عام 1955.

راقصة الربع متر
في مقدمة حواره مع كاريوكا، يقول الكاتب والمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد أنه شاهدها في رقصة واحدة حية حين كان مراهقًا في الـ 15 من عمره، وحول هذه الرقصة كتب "قد تلجأ بعض الراقصات إلى الحركة البهلوانيّة، أو التزلّق على الأرض، أو التعرّي الخفيف، أما تحيّة فلا، فرشاقتها وأناقتها توحيان بما هو كلاسيكي تماما بل ومهيب، والمفارقة أنّها كانت ملموسة وقريبة كما كانت نائية، لا تُطال، ولا تُنال في آنٍ معا، كان رقص تحيّة أشبه بأرابيسك متطاول تُحكم صنعه من حول شريكها الجالس. لم تتنطط، أو تهزهز نهديها، أو تتقدّم من أحد لتدفعه أو تحتكّ به. كان ثمّة تروّ مهيب في كلّ شيء بما في ذلك المقاطع السريعة".

هذه بالتحديد إحدى القدرات الاستثنائية لكاريوكا الراقصة، والتي عبرت عنها رفيقة دربها سامية جمال حين سألها الإعلامي طارق حبيب في برنامج "اثنين على الهوا" عن رأيها في رقص كاريوكا فقالت "اعطها ربع متر وشاهدها ترقص، تستطيع تحية أن تقدم عرضًا راقصًا مدهشًا في مساحة صغيرة لا تتعدى الربع متر، لا أستطيع ذلك فأنا أحب الحركة والجري" حين سُجّل هذا البرنامج كانت عشرون عامًا قد مرت منذ اعتزلت كاريوكا لتحترف التمثيل.

مناضلة على يسار السلطة
اغتيل أمين عثمان وزير المالية مطلع الأربعينيات، ورئيس جمعية الصداقة المصرية البريطانية في يناير/كانون الثاني 1946، ووجهت اتهامات إلى 26 فردًا، من بينهم الضابط محمد أنور السادات، وإثر ذلك كان لابد من إخفائه بعيدًا عن أيدي البوليس السياسي، حينها كانت كاريوكا نجمة الرقص الشهيرة مناضلة سرية وعلى علاقة بالحزب الشيوعي وبعدد من الحركات السياسية السرية، فتكفلت بنقل السادات من القاهرة إلى الإسماعيلية حيث اختبأ لفترة، بحسب روايتها في لقاء أجرته مع النجمة الاستعراضية صفاء أبو السعود.

ليست هذه أولى علاقاتها بالحركة النضالية، إذ شاركت عائلتها في النضال ضد الإنجليز وقُتل عمها واثنان من أقاربها على يد الجنود الإنجليز والبوليس السياسي، كما شاركت بعد هذه العملية في نقل عدد من الخطابات السرية بين الحركات السرية، كما تعرّضت للاعتقال أكثر من مرة في عهد جمال عبد الناصر بسبب خلفيتها الشيوعية وانتسابها لعصبة السلام التي عاداها عبد الناصر في الخمسينيات، إذ كانت على الدوام منتمية لليسار الوطني، حسب تعبيرها لإدوارد سعيد في حوارها معه عام 1989.

بعد عامين تقريبًا من مشاركتها في اعتصام السينمائيين بنقابتهم عام 1987 -المناهض لتعديل المادة 103 من قانون النقابات الذي يسمح للحكومة بالتدخل في شؤون النقابة وتعيين مجلس إدارتها، والذي وثقه المخرج يوسف شاهين بفيلم "إسكندرية كمان وكمان"- لم يقتصر نضالها السياسي على معارضة السلطة داخل مصر فقط، إذ شاركت عام 1988 مع مجموعة من الفنانين والمثقفين المصريّين والعرب الذين عزموا على ركوب "سفينة العودة" في رحلة إياب رمزيّة قادمة من أثينا إلى الأراضي المقدسة، في إطار الصراع العربي الإسرائيلي.

تحية كاريوكا (يمين) وزميلتها الممثلة ليليا برادو لدى حضورهما فعاليات مهرجان كان السينمائي عام 1956
تحية كاريوكا (يمين) وزميلتها الممثلة ليليا برادو لدى حضورهما فعاليات مهرجان كان السينمائي عام 1956

"عالمة" زمن الراقصات
في غالبية لقاءاتها المصورة كانت كاريوكا على قدر كبير من الوعي والإدراك، قالت إن سامية جمال الراقصة المعتزلة يمكنها الرقص، قدمت الأخيرة رقصة جيدة بالنسبة لسيدة خمسينية، وعلى قدر حاد من الصراحة، وتقول ما تريد دون تجميل أو تنميق، تصرح برأيها بحرية قد تثير حفيظة البعض، قالت لزميلة المهنة نجوى فؤاد في وجهها -وأمام جمهور برنامج كانت تقدمة هالة سرحان- إنها لا تحب رقصها، بينما تحب رقص فيفي عبده التي كانت حاضرة كذلك.

تدافع كاريوكا دومًا عن مهنة الرقص والراقصات، كواحدة من مؤسسي ومطوري هذا الفن الذي لا يحظى بسمعة جيدة، تدافع عنه كواحدة من زمن العوالم (لفظة تطلق على من يمتهن الرقص) وتملك آراء في السياسة والفن والثقافة بل ولم يتوقف دورها على الراقصة التي تهز خصرها وتتمايل فقط.

المصدر : الجزيرة