حلمي بكر.. أمين شرطة السلم الموسيقي يتخلى عن هيبته

حلمي بكر
حلمي بكر مع مجدي شطة في إعلان برنامج "واحد من الناس" للإعلامي عمرو الليثي (مواقع التواصل الاجتماعي)

عبد الله غنيم-القاهرة

نشر قبل يومين على موقع يوتيوب حلقة من برنامج "واحد من الناس" للإعلامي المصري عمرو الليثي تمتد لأكثر من ساعة بعنوان "حلقة نارية بين حلمي بكر ومجدي شطة ومطالبة حلمي بكر بالاتصال بالشرطة لمجدي شطة وحمو بيكا!!".

ضمت هذه الحلقة مقومات النجاح والانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد جمع عنوانها الكلمات المفتاحية الأكثر رواجا بين الجمهور، كما أنها تشير لوجود أحد الضيوف الدائمين في الحلقات الحوارية المحتدة في المجال الفني حلمي بكر.

يذكر مواليد الثمانينيات والتسعينيات برنامج المواهب "سمعنا صوتك" (Star Maker) الذي كان يذاع مطلع الألفية، وضمت لجنة تحكيمه الشاعر بهاء الدين محمد والمنتج محسن جابر والملحن حلمي بكر، ويذكر هذا الجيل كيف كان الأخير قاسيا وحادا في أحكامه على المواهب الشابة التي خضعت لتقييمه، لكن أين هذه المواهب التي حازت موافقة ومباركة لجنة التحكيم الآن؟ لم ينجح أحد، ومن حالفهم الحظ مرة لم يتطوروا.

وضع بكر إطارا رئيسيا لما سيكون عليه في وسائل الإعلام بعد هذا البرنامج في الأعوام الخمسة عشر التالية، فأصبح ملحنا سابقا وناقدا موسيقيا غاضبا حاد الطباع، يكره ما يجهله. بل يذهب منتقدوه إلى تشبيهه بأنه "أمين شرطة عجوز" يحرس حرم السلم الموسيقي ويملك منع ومنح الإذن لمن يريد الغناء أو عزف الموسيقى.

يعتبره الإعلاميون فزاعة للمغنين والظواهر الغنائية الجديدة، يواجه الظواهر الغنائية التي تحقق رواجا سريعا وخاصة الشعبية منها، ويؤدي دور المدافع الشرس عن الذوق الموسيقي العام، الأكاديمي العليم والوصيّ الحكيم على آذان الجمهور.

كيف بدأ حلمي بكر؟
في إحدى حفلات أضواء المدينة عام 1960، قدمت المطربة الجزائرية وردة الملحن الشاب الجديد حلمي بكر الذي تخرّج من المعهد العالي للموسيقى العربية، بعد إتمام دراسته الأكاديمية.

كان أصغر أبناء جيله وأقلهم جرأة في التجريب، بموهبة لم تمكنه من منافسة ملحني الصف الأول من أبناء جيله مثل بليغ حمدي وكمال الطويل ومحمد الموجي، فاتجه لوضع موسيقى عدد من المسرحيات والأفلام العربية منها "سيدتي الجميلة" و"فرقة المرح" و"رجل فقد عقله"، ولحن لعديد من المطربين مثل عبد اللطيف التلباني وماهر العطار ووردة وسميرة سعيد وأصالة نصري وعُليّا التونسية التي تزوجها.

يحيط حلمي بكر نفسه بموجات صخب غاضبة، ربما تربطه في ذهن الجمهور بصورة الناقد الغاضب وتشتت كثيرين عن ألحان جميلة أبدعها فيما سبق، منها "مهما الأيام تعمل فينا" لنجاة الصغيرة أو أغنيات "اغضب" و"مابحبش حد إلا إنت" لأصالة نصري.

ربما يعتبرها البعض أغاني ليست مدهشة، وربما كانت ألحانا عادية لكن كثيرا من سائقي الميكروباصات الكهول في مصر يحبونها ويفرضونها داخل بيئتهم الصوتية المتحركة، ألحان لا تدهشك لكنها لا تزعجك أيضا، بها قدر من الاستعراض الموسيقي والتركيبات اللحنية المعقدة لكنها عصبية، مثلما ألمح الملحن محمد الموجي حين سأله مفيد فوزي عن رأيه في زميله حلمي بكر.

توقف بكر عن صناعة الموسيقى منذ عقود، وربما يرى في تاريخه الموسيقي الحافل بألحان كثيرة، والفقير في الوقت نفسه من حيث التنوع أو التجريب، مبررا لبكر لممارسة دوره الجاهز الجديد كناقد مؤهل وحاد للظواهر والتجارب الجديدة، بالتأكيد تشهد هذه الأعمال أنه صانع جاد يطبق معادلة لا يخرج عنها، لكنه أيضا لا يحب التجارب الجديدة حتى وإن أعجبت ذائقة جمهور ما، إذ يراها دوما انحدارا للذوق، بل وصل حكمه النقدي إلى ما يجب أن يُسمع ومن سيسمح له أن يُسمع ومن ينبغي أن يدخل السجن، إذ طالب بحبس مجدي شطة في جملة انفعالية غاضبة.

وصي على الذوق العام
ربما بسبب رغبته في إظهار قدراته وفرد عضلاته، حسب تعبير الملحن محمد الموجي، حاول بكر خلق شخصية ناقد حاد يهاجم محدودي الموهبة الذين يهددون الذوق الموسيقي الرفيع للجمهور، لكن معاييره لتحديد الموهبة متسرعة وحادة.

لم يكن شطة أول متهم يحاكمه الملحن حلمي بكر بتهمة الغناء، أو إفساد الذوق العام، هذه التهمة وُجّهت للمغني الشعبي شعبان عبد الرحيم وللثنائي أوكا وأورتيغا مصحوبة بسخرية لاذعة من اسميهما، لكنه ترك لهما حق الرد إذ جلس الأربعة ضيوفا على طاولة واحدة مع الإعلامي طوني خليفة في برنامجه "أجرأ الكلام".

وجه حلمي بكر التهمة نفسها "إفساد الذوق العام" أيضا للمطرب الشعبي أحمد شيبة، لكن مصحوبة بتعليقات استعلائية في مؤتمر صحفي عُقد في دار الأوبرا المصرية تحدث فيه الموسيقار بكر عن مشروع لطيف يدعمه متخصص في إحياء التراث العربي الغنائي بأصوات شابة في دار الأوبرا المصرية، ضرب مثلا بالمطرب خالد سليم، ثم تطرق للحديث عن أغنية شيبة "آه لو لعبت يا زهر" مستنكرا كلمات الأغنية.

وبدلا من نقده فنيا أو جماليا استخدم بكر الفوارق الطبقية والاجتماعية لنقد شيبة بأنه "المطرب الأمي" الذي سيقود الغناء العربي حسب تعبيره، ولم يكن بكر حينها في أكتوبر/تشرين الأول 2016 يعلم أنه بعد عام واحد فقط سيمدح صوت أحمد شيبة في حلقة ببرنامج القاهرة والناس واصفا إياه بـ"الرائع المليان مقامات".

بالتأكيد يملك الملحن بكر علما موسيقيا أكاديميا، ومعرفة بعقد الموسيقى وألعابها، تمكنه من النقد الفني بتعريفه اللغوي من إظهار العيوب والمحاسن، لكنه يملك أيضا حسا طبقيا واضحا يمنعه من التعامل مع المنتج الفني والفنان بموضوعية، وطرقا عنيفة للتعبير عن وجهة نظره تظهره كعجوز ضيق الخلق سريع الغضب وقع وسط مجموعة من الأشقياء، أو كرجل شرطة قاس يستخدم بعض الخدع النفسية لاستجواب المتهمين.

لكن حتى رجال الشرطة تصيبهم الشيخوخة ويتقاعدون في مرحلة ما، تجسدت هذه المرحلة في صورة الإعلان عن الحلقة إذ ظهر فيها حلمي بكر رجلا ثمانينيا يقف على الجانب ويستند إلى يد مجدي شطة الموهبة المحدودة، الذي يستقر في منتصف الصورة بابتسامة عريضة وواثقة.

undefined

المصدر : الجزيرة