بالمواجهة والكوميديا.. هكذا تحارب هوليود العنصرية ضد السود

"The Green Book".. فيلم يهاجم العنصرية أم يُكرّس لها؟
رشح "غرين بوك" لخمس جوائز غولدن غلوب فاز بثلاث منها وأربعة ترشيحات لجوائز بافتا (مواقع التواصل)

علياء طلعت

أنتجت هوليود تبعًا لموقع (IMDb) العام الماضي 21 فيلمًا من بطولة أميركيين ذوي أصول أفريقية، تمجد شخصيات تاريخية، أو تقدم قصصًا عادية لأفراد يكافحون في حياتهم اليومية، أو تتناول موضوعا شائكا للغاية بالمجتمع الأميركي وهو العنصرية.

هوليود تكافح العنصرية السينمائية
منذ أعوام قليلة هاجت هوليود وماجت بسبب ترشيحات الأوسكار التي أطلق عليها "شديدة البياض" وظهر وسم "الأوسكار بيضاء للغاية" (#OscarsSoWhite) فقد كانت كل الجوائز الأساسية مرشح لها ممثلون من أصحاب البشرة البيضاء، لتأتي الأعوام التالية بالعديد من الأفلام التي قام ببطولتها وإخراجها ذوو الأصول الأفريقية، وشاهدنا أفلاما مثل مون لايت، ولوفينغ، وغيرها، وحاز مونلايت على أوسكار أفضل فيلم عام 2017 كذلك.

ومن الطبيعي، مع زيادة عدد الأفلام الجادة والمستهدفة للجوائز، أن نجد مواضيع معينة تتكرر على رأسها بالطبع العنصرية، الهاجس القديم والجديد لعرق اضطهد لعقود طويلة.

العنصرية بأفلام 2018
صدرت عام 2018 ثلاثة أفلام، حظي كل منها باهتمام كبير من النقاد ولجان الجوائز، الأول "غرين بوك" (الكتاب الأخضر) الذي رشح لخمس جوائز غولدن غلوب فاز بثلاث منها، وأربعة ترشيحات لجوائز بافتا، الفيلم الثاني "بلاك كلانسمان" الذي رشح لثلاث جوائز غولدن غلوب وجائزة بافتا وحيدة، والثالث "آسف لإزعاجك" المرشح لاثنتين من جوائز الروح المستقلة للأفلام المستقلة.

وعلى الرغم من تشابه الإطار العام للأفلام الثلاثة، وهو العنصرية الواقعة على فئة كبيرة من المجتمع الأميركي وهم ذوي الأًصول الإفريقية، فإن القصص تختلف تمامًا في زاوية التناول والحقبة الزمنية التي اختارها صناع الفيلم، وحتى النوع السينمائي الذي تم استخدامه في تقديم هذه القصة.

يأخذنا "غرين بوك" إلى فترة الستينيات، وقصة حقيقية عن علاقة الصداقة بين عازف البيانو الشهير صاحب البشرة السوداء دون شيرلي، وسائقه وحارسه الشخصي الأبيض توني ليب، عندما جمعت بينهما رحلة إلى الجنوب الأميركي.

فعلى الرغم من انتهاء العبودية بالولايات المتحدة منذ أكثر من قرن في ذلك الوقت، فإن هذا المجتمع لازال صارمًا في تعامله مع أصحاب البشرة الملونة، ويُعتبر تنقل عازف أنيق ومثقف في هذا المكان الذي لا يعلم قواعده أمرا فيه خطر حقيقي على حياته.

بطل الفيلم دون شيرلي يعاني من أزمة هوية حقيقية، فعلى الرغم من بشرته السمراء فإنه بعيد عن الثقافة الشعبية لبني جلدته، فلا يسمع أغانيهم، ولا يفهم دعاباتهم، ولا يستطيع الاندماج معهم، وفي نفس الوقت وبسبب لونه هو غريب على مجتمع البيض الذي يحترمون فنه فقط لكن لا يتقبلونه في محيطهم كإنسان.

فيلم "بلاك كلانسمان" هو الآخر مقتبس من قصة حقيقية، فهو ينتقل عشر سنوات إلى الأمام حيث حقبة السبعينيات عندما تم تعيين أول شرطي من أصحاب البشرة السمراء في قسم شرطة كولورادو سبرنغز على سبيل التنوع العرقي.

منذ البداية يلاقي المحقق رون العنصرية من زملائه، لكن ذلك لم يفت في عضده، بل شجعه على بدء عملية خطرة للغاية، وهي محاولة الاندماج مع جماعة من مناهضي العرق الأسمر لمعرفة تفاصيل عملياتهم "الإرهابية".

كان على رون القيام بنصف المهمة فقط، وهي الاتصالات التلفونية التي سهلت التحاقه بهذه الجماعة، ولكن بسبب بشرته كان عليه الاستعانة بشريك آخر هو فيلب الأبيض ليكون وجهًا له خلال العملية.

هنا نرى نوعين من العنصرية واحدة اتجاه العرق الأسمر وأخرى اتجاه اليهود، ولكن على عكس المعتاد في السينما الهوليودية كان التعاطف مع ذوي الأصول الأفريقية أوضح، وذلك منطقي كما جاء على لسان فيلب، فهويته كيهودي لا يحملها على وجهه ولا في لون بشرته كما يحدث مع زميله كل يوم.

مزية رون التي سهلت له النجاح في مهمته هي قدرته على الحديث على الهاتف مثل البيض، وهو أمر قد يبدو هزليًا لكنه حقيقة في عالم أصحاب البشرة السمراء وهي النقطة التي ارتكز عليها فيلم "آسف لإزعاجك" الذي تدور أحداثه في زمن مستقبلي، يكاد يقترب من الديستوبيا عن شركة تقوم باستقطاب البشر ليعيشوا في كنفها، وتوفر لهم الطعام والملبس والمسكن، مقابل أن يعملوا لها مدى الحياة كمجتمع مغاير ومختلف يشبه العبودية بشكل ما.

يعيش كاش بطل الفيلم بكراج منزل عمه، وهو على علاقة عاطفية مع فنانة ثائرة، ولضيق الحال يقبل العمل مندوب مبيعات على الهاتف، وبعدما يلاقي الفشل الذريع في بيع أي شيء، يخبره زميل له في العمل ويشبهه في اللون أن النجاح مرهون بقدرته على تقليد صوت أصحاب البشرة البيضاء، وبالفعل يجرب كاش ويجد النجاح الكبير الذي يجعله يترقى في أعلى المناصب، ويصبح أمام خيار صعب ما بين استغلال موهبته هذه وبدء العمل للشركة التي تستعبد البشر، أم يصبح أحد أعضاء المجتمع الثائر على استغلال شركة المبيعات للمندوبين بالحد الأدنى من الأجور.

رؤى مختلفة
العنصرية ضد السود هي النقطة الأساسية التي تمحورت حولها الأفلام الثلاثة، ولكن مخرج كل منها كان له رؤية خاصة في طريقة تناول هذه المشكلة، ففي "غرين بوك" رغم أن أزمة البطل الحقيقية هي لونه، اختار التركيز على اشتباك البطل مع هوية هذا اللون التي لا يستطيع الهرب منها، ولا التماهي معها، لتأتي علاقة الصداقة والرحلة لتساعده على هذا القبول، بينما في "بلاك كلانسمان" اتخذ مخرجه "سبايك لي" موقف المواجهة مع هذه العنصرية، ووضعها كعدو يجب القضاء عليه، وأخيرا فيلم "آسف لإزعاجك" استخدم الكوميديا وسيلة لهزيمة هذه العقبة والسخرية منها.

المصدر : الجزيرة