رائحة الفقر ولطف الأثرياء المزيف.. لماذا فاز "الطفيلي" بالأوسكار؟

Bong Joon Ho and the cast of
فيلم "الطفيلي" خلد اسمه بالتاريخ بعد فوزه بأربع جوائز أوسكار خلال حفل هذا العام (رويترز)

سارة عابدين

بعد أن أثار العديد من القضايا الاجتماعية والإنسانية، خلد الفيلم الكوري الجنوبي "الطفيلي" (Parasite) اسمه في التاريخ بعد فوزه مساء أمس الأحد في النسخة الثانية والتسعين من حفل جوائز الأوسكار بأربع جوائز كبرى هي، أوسكار أفضل سيناريو أصلي، وجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، وأفضل مخرج وجائزة أفضل فيلم، ليصبح بذلك أول فيلم أجنبي في التاريخ ينال جائزة الأوسكار لأفضل فيلم. 

وقد سبق لفيلم "الطفيلي" أن فاز بجائزة السعفة الذهبية بمهرجان "كان" العام الماضي، وهو أيضا أول فيلم كوري جنوبي يحصل على هذه الجائزة، فما السر وراء تميز هذا الفيلم، وكيف تمكن من تخطي أفلام مثل "1917" و"جوكر" والإيرلندي" ووصل إلى الجائزة الكبرى؟ 

هناك قضايا اجتماعية لا تتوقف السينما أبدا عن تناولها برؤى مختلفة، منها قضية الصراع الطبقي والاجتماعي بين الأغنياء والفقراء التي تعتبر أرضا خصبة للكتاب والمخرجين، مهما تعددت طرق التناول.

ويعتبر فيلم الطفيلي للمخرج "بونغ جون هو" من الأفلام التي تناولت قضية الصراع الطبقي الاجتماعي في شكل كوميديا سوداء، حول اليأس والطموح والكرامة الإنسانية والحق في الحياة، بقصة يمكن أن تحدث في أي مكان من العالم.

شوارع قاتمة لحياة كئيبة
تدور أحداث الفيلم حول عائلة فقيرة تعيش في شقة متواضعة وقاتمة دون شمس أو هواء، أقرب للقبو، يعملون في طي صناديق البيتزا ويتحملون الكثير من الإهانات والضغط في سبيل النقود القليلة التي تأتيهم من هذا العمل المتواضع.

يتغير الأمر بشكل ما عندما يحصل الابن على وظيفة مدرس لغة إنجليزية لفتاة مراهقة من أسرة غنية، ثم يخطط مع عائلته للتخلص من كل العاملين في المنزل، ويأتي بأخته معلمة فن للطفل الأصغر، وأمه مدبرة للمنزل، ووالده سائقا لصاحب المنزل الغني.

يركز المخرج على الشوارع التي يجتازها الشاب الفقير، بداية من الحي المتواضع إلى الأماكن الانتقالية، وصولا إلى الحي الأرستقراطي والبيوت المصقولة، ليبدو الأمر كأنه يسير داخل حلم، ليوضح التصوير الفوارق الشاسعة بين أماكن الفقراء المزدحمة الموحشة وأماكن الأغنياء البراقة اللامعة.

من خلال وجود الأسرة الفقيرة في المنزل الغني، يؤكد الفيلم أن الأغنياء يعيشون بالكامل على مجهودات الفقراء، وأن النقود التي يدفعونها دائما ما تكون أقل من المجهود الذي يقدمه الفقراء. ولا ينحاز المخرج لأي طرف ولا يقرر الجانب المخطئ، ولكنه يترك المشاهد غير قادر على تحديد موقفه بدقة، هل يتعاطف مع الأسرة الفقيرة أو يصبح ناقما عليها بسبب كذبها واحتيالها؟

تصاعد الأحداث
تتصاعد الحكاية في منتصف الفيلم عندما تغادر الأسرة الغنية للتخييم احتفالا بعيد ميلاد الابن الأصغر، فتجتمع العائلة الفقيرة كاملة في المنزل، ويخرجون الطعام والخمور ويستعملون كل وسائل الراحة الموجودة فيه أثناء غياب ملاكه، لتظهر أحلام الفقراء بالغنى ورغبتهم في منازل واسعة مضاءة بنور الشمس.

تحدث المفاجأة الأكثر إرباكا عندما تأتي مدبرة المنزل القديمة وتستأذن بالدخول للبحث عن شيء يخصها، لنكتشف أن للمنزل قبوا كبيرا متسعا صمم ليكون مخبأ للحماية من القصف الجوي أثناء الحروب، وأن زوج المدبرة الأولى يعيش في القبو منذ أربع سنوات هربا من الدائنين.

في اللحظة التي تشعر فيها مدبرة المنزل الجديدة أنها صاحبة سطوة على المدبرة القديمة، يظهر وجود عائلة المدبرة الجديدة كاملة. تبدأ الأحداث بالتحول إلى التراجيديا، في الصراع بين العائلتين الفقيرتين الذي يشبه صراع البقاء، مع سلسلة طويلة من الجرائم والتصرفات الشريرة من الفريقين.

رائحة الفقراء ولطف الأغنياء
يظهر من خلال الفيلم الطريقة التي ينظر بها الأغنياء إلى الخدم، حيث يسمحون لهم بتجاوز مقنن للحدود، ربما لجعلهم يقدمون أقصى ما يستطيعون عندما يشعرون ببعض الحميمية تجاههم، كما تظهر مأساة الأب الفقير غير القادر على حماية أسرته أو تقديم الدعم لأبنائه وهو مقيد بالعبودية للأغنياء دائما.

توجد السلالم بشكل مجازي كبير في الفيلم، فنجد صعود الفقراء إلى منزل الأغنياء، وهبوطهم إلى منزلهم الفقير، ثم هبوطهم مجددا إلى قبو المنزل الغني، بالإضافة إلى تأكيد المخرج على شيء مهم، وهو تشابه رائحة الفقراء. لا نعرف من أين يأتي ذلك التشابه الذي يلحظه الطفل الغني ثم والده، هل من القبو الذي يسكنون فيه، أو هي رائحة الفقر التي انطبعت على أجساد الفقراء بشكل عام؟

يطرح المخرج فكرة مهمة على لسان الأسرة الفقيرة في الفيلم، تخص لطف الأغنياء، إذ يعتقد الفقراء أن الأغنياء لطفاء بسبب ما يتوفر لهم من أموال ووسائل راحة وحياة مريحة، ثم يدحض هذا الاعتقاد بعد ذلك في نهاية الفيلم عندما تتعارض مصالح الأب الفقير والأب الغني، فيطلب الأب الغني من سائقه أن يصحبه إلى المستشفى للاطمئنان على طفله في الوقت الذي يحمل فيه ابنته المقتولة على ذراعيه، ليظهر أن هذا اللطف مجرد لطف زائف، لا يمكن التعويل عليه في حقيقة الأمر.

مع نهاية الأحداث، نتساءل من الذي يقصده المخرج بالطفيلي، هل هم الفقراء الذين يعيشون على بقايا الأغنياء، أو الأغنياء الذين يعيشون على مجهود الفقراء، أو أن النظام نفسه هو الطفيلي الأكبر الذي يستمد طاقته من التفاعل المضطرب بين الأغنياء والفقراء؟

في المشهد الأخير يظهر الفتى في المنزل الفقير البائس نفسه، حيث بدأ الفيلم، كأن شيئا لم يتغير، في نهاية قاتمة وسوداوية تؤكد استمرار الهوة بين الفقراء والأغنياء، وحياة الفقراء التي لن تتغير!

المصدر : الجزيرة