في مصر.. السيسي يوسّع حملة التضييق لتشمل المسلسلات التلفزيونية

ميدان - السيسي وحملة عيلين كفاية
السيسي أحكم قبضته على صناعتي الترفيه والأخبار وأنشأ مجلسا تنظيميا جديدا للإشراف على الإنتاج وأصبح المحتوى الإعلامي يخضع لرقابته (الجزيرة)

ففي السنوات الثلاث الأخيرة، أحكم السيسي قائد الجيش السابق الرقابة على صناعتي الترفيه والأخبار، وأنشأ مجلسا تنظيميا جديدا للإشراف على الإنتاج وأصبح المحتوى الإعلامي يخضع لرقابته.

وتصر لجنة الدراما التابعة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام على أن لا تتضمن المسلسلات التلفزيونية مشاهد جنسية أو ما ينطوي على الإلحاد، وأن لا تتناول السياسة ضمن موضوعاتها، كما يتعين تقديم رجال الشرطة وأي شخصيات أخرى تمثل السلطات في صورة إيجابية.

ويقول جمال العدل، أحد مؤسسي الشركة، إنه كان يظن أن بوسعه تسيير الأمور بالابتعاد عن أكبر القضايا الممنوع تناولها، لكنه عدل رأيه عندما سمع أن الشرطة داهمت موقع تصوير فيلم ينتجه أحد منافسيه العام الماضي وذلك لعدم الحصول على تصريح ضروري.

أوقف العدل على الفور العمل في مسلسلين تلفزيونيين كان يصورهما خوفا من أي مشاكل قد يواجهها لعدم حصوله على تصريح.

موافقة أولية
وأيد بعض القائمين على إنتاج المسلسلات في البداية تدخل الدولة بسوق التلفزيون لأسباب اقتصادية، فقد كان العديد من القنوات التلفزيونية المصرية لا يحقق ربحا لأسباب منها أنها كانت تحاول التفوق على بعضها بعضا برفع أسعار الأعمال الدرامية.

وكانت تكلفة الأعمال التي ينتجها جمال العدل وغيره من المنتجين تتزايد، كما كانت أجور الممثلين تتضخم.

وقال العدل إنه كان من بين المطالبين بتنظيم الأسعار، وفرض تدخل الدولة لتقييد الأجور، لكن التدخل تجاوز مسألة الأسعار بمراحل، وباتت السلطات الآن هي التي تحدد من يعمل في الإنتاج الفني ومن لا يعمل.

ويأمل العدل أن يكون عام 2020 أفضل من سابقه، وقد حصل على موافقة على تصوير المسلسلين بشرط الالتزام بالعمل دون تجاوز القيود الجديدة على الميزانية وفي إطار النظام الجديد.

وأضاف أن الإنتاج الفني أصبح يمثل وجهة نظر واحدة، "عين واحدة، رؤية واحدة".

تلك الرؤية هي رؤية الرئيس السيسي، وهي قائمة على فضائل البطولة والوطنية، وتستخدم السلطات أساليب مبتكرة في العمل على تحقيقها.

قيود صارمة
وفي مقابلات وصف عدد من القائمين على إنتاج أعمال تلفزيونية ومسؤولون تنفيذيون في القطاعات الإخبارية كيف أحكمت حكومة السيسي رقابتها التي يصفونها بأنها أشد صرامة من وسائل الرقابة في عهد حسني مبارك الذي حكم مصر بقبضة قوية إلى أن أطاحت به انتفاضة شعبية عام 2011.

وهذه هي المرة الأولى التي تُنشر فيها تفاصيل كثيرة عن هذه الوسائل الجديدة، ومن هذه الوسائل حجب تصاريح التصوير وإعداد قائمة بالموضوعات المحظور تناولها في المسلسلات يتعين على القائمين على العمل الموافقة عليها.

كما أنشأت الحكومة مجموعتين على تطبيق الواتساب لتوجيه تعليمات بما تنشره وسائل الإعلام الإخبارية، وعينت رقباء في القنوات التلفزيونية للإشراف على ما يذاع.

وازداد تغلغل الحكومة أيضا في صناعة الترفيه نفسها، فمنذ 2017 اشترت شركة جديدة اسمها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية منافذ إخبارية وشركات للإنتاج التلفزيوني وقنوات تلفزيونية، لا يقل عددها حتى الآن عن 14، الأمر الذي أتاح لها سيطرة لا مثيل لها على توقيتات بث الأعمال التلفزيونية، وقد عملت الشركة المتحدة بكل همة ونشاط على تنفيذ قواعد الرقابة الحكومية.

وقالت أكثر من عشرة مصادر في صناعة التلفزيون وفي الحكومة لرويترز إن الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية أسستها الدولة.

وتوصلت رويترز إلى أن لاثنين من أعضاء مجلس إدارتها الأربعة صلات بجهاز المخابرات العامة المصري، كما كان مدير المخابرات يرأس في السابق إحدى الوحدات التابعة للشركة.

ويقول ممثلون ممن ينتقدون الحكومة المصرية إنهم يخشون القبض عليهم، بينما يقول العاملون في إنتاج المسلسلات إن أعمالهم الفنية أصبحت باهتة مثل المسلسلات المبتذلة التافهة، وأصبح العزل أو التهميش مصير مضيفي البرامج الحوارية التلفزيونية الذين لا يتبعون النهج الحكومي.

وقال أحد المنتجين إن السلطات منعته من العمل في التلفزيون أو في السينما دون أن تذكر له السبب.

الرقابة الأمنية تصر على أن يظهر رجال الشرطة في المسلسلات كأبطال يحاربون قوى الشر (الصحافة البريطانية)
الرقابة الأمنية تصر على أن يظهر رجال الشرطة في المسلسلات كأبطال يحاربون قوى الشر (الصحافة البريطانية)

منع أمني
وقال المخرج السينمائي خالد يوسف عضو مجلس النواب المصري إن الحكومة "بدأت تتدخل في المحتوى الدرامي نفسه" ودفعت شركات الإنتاج الخاصة إلى التوقف عن العمل لفرض سيطرتها.

وقال يوسف، وهو من منتقدي السيسي ويعيش في باريس حاليا في منفى اختياري، "هما مش عايزين حد يفكر".

ويقول معدو المسلسلات والبرامج إن الرقابة أشد إزعاجا مما كانت في عهد حكم حسني مبارك الشمولي، ففي السنوات العشر الأخيرة من حكمه أذيعت أعمال تناولت انتهاكات الشرطة.

ويقول منتجون إن الرقباء في عهد مبارك كانوا يصدرون موافقتهم على المسلسل بعد استعراض بضع حلقات فحسب إلا أنهم يصرون في ظل حكم السيسي على مشاهدة المسلسل بالكامل سواء كان من 30 حلقة أو أكثر.

وقال رئيس تحرير إحدى الصحف الكبرى لرويترز إن الناشرين في عهد مبارك لم يواجهوا ترهيبا إلا إذا تناولت المقالات ضباط المخابرات أو الجيش.

وأضاف أن لمدير المخابرات العامة عباس كامل وضباطه سيطرة محكمة ومباشرة على ما تنشره وسائل الإعلام، مشددا على أن الأمر وصل إلى حد إطلاق الصحفيين عليهم وصف "رئيس تحرير مصر".

ولم تتلق رويترز ردا من الحكومة المصرية وجهاز المخابرات والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام على أسئلة تفصيلية تتعلق بهذا التقرير، كما أنها لم تتلق ردا على مكالماتها للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.

قائمة الممنوعات
وفي شهر رمضان من كل عام تتجمع ملايين الأسر المصرية في المساء أمام أجهزة التلفزيون لمشاهدة المسلسلات التي تفضلها. إلا أن الأمر اختلف في العام الحالي.

فقد عقد مسؤولون من الحكومة اجتماعا مع مجموعة من الكتاب والمخرجين الموثوق بهم، وذلك حسب ما قاله مصدران تم إطلاعهما على ما دار في الاجتماع من حوار.

وحدد المسؤولون الحكوميون الموضوعات والأفكار التي يريدون عرضها في المسلسلات التلفزيونية والموضوعات التي لا يريدون تناولها.

وقال المسؤولون للكتاب والمخرجين إن الأعمال الدرامية يجب ألا يظهر فيها ضباط الشرطة وأفرادها بمظهر سيئ كأن يكون أحدهم خائنا لزوجته على سبيل المثال.

ويشكو مصريون كثيرون من أن السيسي يحرمهم حتى من حقهم في الاستمتاع، فقبل تولي السيسي السلطة كان بإمكان المشاهدين في رمضان الاختيار من بين 40 مسلسلا أو أكثر تتناول القضايا الاجتماعية والعلاقات الأسرية والألغاز وعالم الجريمة.

غير أن شهر رمضان الذي حل هذا العام في شهر مايو/أيار الماضي شهد عرض 25 مسلسلا فقط، 15 منها أنتجتها شركة سينرجي التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية (مملوكة للدولة).

وفي العديد من هذه المسلسلات ظهر ضباط الشرطة في صورة أبطال يحاربون "قوى الشر"، وهو مصطلح يستخدمه السيسي لوصف الشخصيات المعارضة.

ويروي أحد هذه المسلسلات، وهو مسلسل "كلبش"، قصة ضابط شرطة في القوات الخاصة يحارب الإرهاب والفساد.

المصدر : رويترز