فنان جيد لكنه إنسان سيئ.. الوجه القبيح للفنانين عبر التاريخ

بابلو بيكاسو
كان الفنان الإسباني بابلو بيكاسو زير نساء، ما ارتبط بامرأة قط إلا خانها (غيتي إيمجيز)
هند مسعد

كان نحاتا بارزا في عصر النهضة بإيطاليا، درس النحت على يد النحات الإيطالي الشهير مايكل آنجلو، تعلم صك العملات والمشغولات الذهبية وأنتج العديد من المنحوتات والتماثيل البرونزية، وهو من أبدع تمثال "فرساوس مع رأس ميدوسا" الشهير عام 1554.

اسمه بنفينوتو سيليني، ولد عام 1500 وتوفي عام 1571، كان فنانا موسوعيا بحسب وصف نُقّاد عدة، ولا تزال أعماله اليوم شاهدة على موهبته الفذة وخياله الإبداعي المتجاوز للحدود.

أعظم صائغ على الإطلاق
ومع ذلك، فإن سيليني رغم كونه ذا موهبة فذة فإنه كان إنسانا غاية في السوء، فقد كانت سمعته في الوحل بوصفه قاتلا ومحتالا ومتحرشا وحتى مُغتصبا، وقد ذكر ذلك بنفسه في سيرته الذاتية التي تعتبر صادمة إلى حد كبير.

فقد أتى فيها على ذكر تفاصيل اعتدائه الجنسي على فتيات ونساء دون خجل، واعتبر القوة البدنية المُفرطة وفرض رغبته الجنسية بالقوة جزءا من جوهره كرجل، وقد ذكر في سيرته أيضا أنه كان يضرب الفتيات ويغتصبهن أثناء رسم التماثيل البرونزية التي تتناول الأساطير الإغريقية.

وسيليني ليس الوحيد في هذا الصدد، ، بالعكس، فكون المرء فنانا -على ما يبدو- يعني أنه أكثر قدرة على الإبداع في الخير والشر كليهما. 

فمنذ انطلاق حملة "أنا أيضا" (me too) العالمية لفضح الاستغلال الجنسي الذي يحدث في أواسط المشاهير والفنانين، أتت قصص وحكايات النجمات اللاتي تعرضن للاستغلال الجنسي، لتنسف كل المُسلّمات التي ربطت الأفضلية الفنية بالأفضلية الأخلاقية.

وقد روت فنانات عدة تفاصيل تعرضهن لضغوط لممارسة الجنس مقابل الحصول على فرص أفضل في عالم الفن، ونشرت "نيويورك تايمز" و"ذا نيويوركر" بالفعل تقريرين يشرحان بالتفصيل الاستغلال الجنسي الذي مارسه رجال عدة في مراكز قوة ضد الأضعف منهم من الرجال والنساء على حد سواء.

وقد نال المنتج هارفي وينشتاين النصيب الأكبر من الاتهامات بسبب الضغط الذي مارسه ضد نجمات هوليود والذي وصل في أحيان عدة للتحرش والاغتصاب، وهو ما أكدته لاحقا عشرات النجمات اللواتي بلغ عددهن 74 امرأة.

الحقيقة المُرّة
وعليه، فقد دفعت قصص الفنانين الصادمة الممتدة عبر التاريخ والتي ما زالت تظهر من آن لآخر، بسؤال مُلح على طاولة النقاش، ألا وهو: هل يجتمع الإبداع وسوء الخلق في شخص واحد؟

السؤال الذي بدا مُحيرا منذ طرحه، انتهى نُقاد عدة ومحللون وحتى دراسات نفسية للإجابة عنه بـ: نعم، قد يجمع المرء بين موهبة إبداعية منقطعة النظير وأخلاق وضيعة في آن واحد، رغم التناقض الظاهر بين الأمرين.

ففي تقرير نيويورك تايمز الذي جاء بعنوان "فصل العمل الفني عن سلوك الفنان"، طرحت الناقدة الفنية شيلا ليفين هذا السؤال: أنى لنا الاستمتاع بعمل فني ما بعد علمنا بسلوكيات الفنان المشينة؟

وترى شيلا أن المسألة كانت واضحة منذ فجر التاريخ، فسلوك المبدع على المستوى الإنساني قد يتسم بقدر كبير من انعدام الأخلاق في الوقت الذي يستطيع فيه تقديم أعمال فنية رائعة، وعليه فإن حتميّة الفصل بين العمل الفني والشخص الذي يُنتجه تقع على عاتق المشاهد.

ظاهره الرحمة وباطنه العذاب
في نوبة غضب عارمة، طعن الروائي الأميركي الحاصل على جائزة بوليتزر في الأدب نورمان ميلر (1923-2007) زوجته الثانية أديل موراليس بسبب خلاف نشب بينهما في حفلة. كان ميلر معروفا بحبه للنساء وتزوج ست مرات خلال حياته، لكن تظل قضية قتله زوجته الثانية واحدة من أشهر الأمثلة التي يستدل بها على الوجه المعتم للإبداع.

في السياق نفسه، فإن الروائي الفرنسي الشهير غوستاف فلوبير (1821-1880) مؤلف رواية "مدام بوفاري" الشهيرة، دفع المال لأحد وكلاء بيوت الدعارة من أجل قضاء وقت مثير مع الصبية الصغار، حتى صار معروفا بحبه للغلمان.

نموذج آخر هو الرسّام الإسباني بابلو بيكاسو (1881-1973) رائد المدرسة التكعيبية وصاحب الصيت العالمي الذي أنتج مئات الأعمال الفنية التي غيرت طبيعة الفن التشكيلي في القرن العشرين، فرغم كونه عبقريا كان أيضا زير نساء، ما ارتبط عاطفيا بامرأة قط إلا خانها.

وأخيرا وليس آخرا، كان الشاعر الإنجليزي العملاق لورد بايرون (1788- 1824) على علاقة بأخته غير الشقيقة أوجستا، وتلك العلاقة كانت سببا في انهيار زواجه، وقد وصلت تلك العلاقة إلى إنه أنجب منها طفلة في ربيع 1814، تُدعى إليزابيث ميدورا لي. وجديرٌ بالذكر أن لورد بايرون هو صاحب المقولة الشهيرة "الجمال بلا فضيلة كزهرة بلا أريج"!

وهكذا، فإن تاريخ الإبداع والمبدعين مليء بالجنون بوجهيه السلبي والإيجابي، وبلا شك يستطيع المرء أن ينتج عملا أدبيا أو فنيا غاية في العبقرية والجمال، ويكون في الوقت عينه إنسانا غير سوي أو منحطا أخلاقيا.

كذلك فإن كل ما ذكر عن مبدعين قتلوا وسرقوا وتحرشوا واغتصبوا أو حتى مارسوا زنى المحارم هو غيض من فيض، وما خفي كان أعظم وأشد قبحا لا محالة. وهو ما يضع الشغوفين بقراءة أو مشاهدة الأعمال الإبداعية أمام سؤال صعب: كيف يكون المبدع -بوصفه محبا للجمال- منحط أخلاقيا؟

تجيب عن هذا السؤال الطبيبة النفسية كاجا برينا في مجلة "سيكولوجي توداي"، حيث تقول "إن جنون العبقرية ينطوي على مفارقة واضحة، وهي أن شذوذ المبدع عن المألوف يكون شذوذا عن كل ما هو مألوف بلا استثناء عادة".

المصدر : الجزيرة