معرض السكراب بسوق واقف.. الخردة عندما تصير فنا

حصان حديدي معروض بمعرض السكراب (الجزيرة نت).
حصان حديدي معروض بمعرض السكراب (الجزيرة نت)

محمد الشياظمي-الدوحة

بحسب رواد فن السكراب، كل قطعة حديد أو نحاس قابلة أن تتحول إلى تحفة فنية، لتحتل موقعها في فضاء عام أو خاص، كل قطعة قد تروي قصة تعكس إيحاءات ورموزا من تفاصيل حياتنا ومحيطنا.
 
هذا ما تجسد في المعرض الأول لفن السكراب بفضاء سوق واقف، والذي يمتد إلى الثاني نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وفيه يتعرف الجمهور على إبداعات ثلاثين فنانا من أميركا وروسيا واليابان وأستراليا وإسبانيا وإيران وتركيا والكويت، وسلطنة عمان، والأرجنتين، والعراق وبريطانيا، وأوكرانيا، بالإضافة إلى مشاركة عشرة فنانين محليين، توافقوا بشكل جماعي على وجوب تغيير نظرة الجمهور للخردة المهملة، وإمكانية تحويلها إلى تحف فنية.

أعمال فنية ترمز إلى الإنسان والحيوان، وآلات موسيقية لم يرد منها أن تؤنس أسماع الجمهور بإيقاعاتها، بل أن تحكي بصمت أنها كانت خردة متناثرة وصدئة، لكن أنامل فنانين استطاعت تحويلها إلى فن يسر الناظرين.

هذا التجريب لم يأت اعتباطا، فبقدر ما هو فن يمنح لرواده متنفسا للتمرد على ذلك السكون الداخلي، فهو يعبر بهم أيضا نحو عوالم رحبة من الإبداع الذي يتخطى حدود الغرابة في كثير من الأحيان.

فن السكراب ما يزال يتلمس طريقه في العالم بخجل وهدوء (الجزيرة نت)
فن السكراب ما يزال يتلمس طريقه في العالم بخجل وهدوء (الجزيرة نت)

إبداع أم وجنون؟
ما يزال هذا الفن يتلمس طريقه في العالم بخجل وهدوء، لكنه يستقطب مشتغلين به يوما بعد يوم، فعدوى هذا الفن لا تصيب أي أحد، عدا أولئك الذين مسهم جنون الإبداع، فرأوا في الخردة مادة قد تستحيل فنا، لتسرد قصة انفعال غامر لفنان شغلته الفكرة فترجمها على أرض الواقع.

الهولندي جورجي بولارياني، واحد من الفنانين الذين تأثروا بهذا الفن، حيث اشتغل على أفكار إبداعية مختلفة، ليترجم من خلالها أعمالا فنية بمواضيع وأبعاد مختلفة.

وفي هذا الصدد، يروي بولارياني للجزيرة نت جوانب مختلفة تطبع اشتغاله على أعمال بأفكار تحاكي الواقع، لكن ما يطبعها هو تلك الطقوسية التي تسكن المولعين بهذا الفن، حيث لا حدود للزمن، ولا صوت يعلو على ما يختلج الفنان من أحاسيس، يترجمها المنتج النهائي.

ويقول: دون شعور انسحب إلى ورشة العمل، فأمكث بها لساعات طوال، أنسى فيها كل شيء، ولا أرى أمامي إلا قطع الحديد وفكرة العمل التي أريد إخراجها للوجود.
فن صديق للبيئة في هذا المعرض يتعرف به الجمهور على أعمال فنانين عالميين استطاعوا بعث الحياة في متناثرات من الخردة، لتأخذ تصاميم فنية مبتكرة وأشكالا تعبيرية صديقة للبيئة، تعكس روح الطبيعة والإنسان، وتتعدى حدود المادة لتغوص في تراكيب جمالية تمزج بين الواقع والخيال.

جانب من الجمهور الزائر لمعرض السكراب بالدوحة (الجزيرة نت)
جانب من الجمهور الزائر لمعرض السكراب بالدوحة (الجزيرة نت)

الدهشة والاستغراب
نظرات الدهشة والاستغراب اللامحدود لدى الجمهور الزائر عميقة، وأسئلة ما بعد الصدمة تدور حول كيفية تجميع تلك القطع بشكل يتناسب والرؤية البصرية، وكيف استحالت تلك المتلاشيات التي لا يأبه بها أحد إلى عمل فني، وكيف لفنان أن يتعدى بها حدود الرؤية المجردة ويعيد تشكيلها، معبرا من خلالها عن ذوق مرهف، وحس يقارب السريالية أحيانا.

في العالم العربية، لم ينل هذا الفن الاعتراف المرجو، كما لم تمتد له يد التنويه والتشجيع الضروريين، عله يرسخ قدمه مثل باقي الفنون والإبداعات، فنراه يدور بين القبول والاستحسان فقط، ولعل هذه أحد أسباب ضعف تسويقه، التي قد تنجح من خلال تنظيم المعارض والأروقة التي تعرف به لدى الجمهور عليه، وتسهم في انفتاحه على باقي الفنون، لكن رغم ذلك فهو يتلمس طريقه بهدوء، ويوطن مكانته افتراضيا يوما بعد يوم.

العماني غالب الصوافي يرى أن رواد هذا الفن بحاجة للتشجيع أكثر (الجزيرة نت)
العماني غالب الصوافي يرى أن رواد هذا الفن بحاجة للتشجيع أكثر (الجزيرة نت)

يتحدث الفنان العماني غالب الصوافي عن الفنانين القليلين الذين يشتغلون في هذا الفن، ويعزو ذلك إلى غياب التشجيع وقلة المعارض، وضعف التسويق الكفيل بتقريب أعمالهم إلى الجمهور.

ويضيف للجزيرة نت أن معرض الدوحة هو الأول الذي ينظم في المنطقة العربية، وهو فرصة للفنانين العالميين بأن يقدموا أعمالا تشجع على تنظيم معارض أخرى حول العالم، تكون أكثر إبداعا وإبهارا.

بحسب النقاد، فإن هذا الفن الذي يمزج بين الواقعية والسريالية في أغلب أعماله، فهو يثور على كثير من الأساسيات الفنية مثل الأفكار والأبعاد والزوايا والألوان، كما تغلب عليه لمسات جمالية مغرقة في الرمزية وكثير من الإيحاء اللامتناهي، وهو ما جعل من قراءة معاني تلك الأعمال عملا شاقا، بل يستدعي سبر أغوار نفسيات المبدعين الذين يشتغلون به.

المصدر : الجزيرة