ضحايا وثوار ومضطربون.. لماذا نحب أشرار السينما؟

أشرار السينما المحبوبون
نالت بعض الشخصيات الشريرة في الأعمال الفنية جماهيرية واسعة وتعاطفا من الجمهور (مواقع التواصل)

حفصة علمي 

"إنه من الجيد أن تكون شريرا". ربما تعبر هذه الجملة عما يفكر فيه الأشرار في المسلسلات والأفلام السينمائية؛ فعلى مر السنين جعل صناع السينما الأشرارَ أبطالا ينالون تعاطف واهتمام الجمهور رغم افتقارهم إلى بوصلة الأخلاق، وقراراتهم المبنية على العاطفة بدل التفكير العقلاني. 

وعادة تكون تصرفات الأشرار مثيرة وغير متوقعة وممتعة، في حين أن الأبطال الأخيار يميلون إلى الظهور في صورة الكمال واللطف "المتعمد" أحيانا، وبسبب هذه الديناميكية التصويرية، يعجب غالبا الجمهور بالشخص السيئ أكثر من البطل، رغم أن الأخير يفوز دائما. 

في هذا التقرير سنلقي نظرة على بعض الأفلام التي جعلت من الأشرار أيقونة الشاشة، وتمكن فيها الشر من كسب شعبية جماهيرية واسعة.   

الجوكر.. بين الهزل والإحباط
أثار الفيلم الجديد للمخرج تود فيليبس الجدل حول شخصيته المختلة نفسيا "الجوكر" للمهرج آرثر فليك، الذي يتعرض للضرب في الشارع ومضايقات من قبل زملائه، مما يضطره للتحول من كوميدي فاشل إلى قاتل يدعى "الجوكر". 

تعاطف الجمهور مع هذه الشخصية الشريرة دفع النقاد إلى التحذير من تشجيع الفيلم على تمجيد الجريمة والعنف، لأن الجوكر يظهر في دور الضحية التي تعاني من اضطهاد المجتمع والفشل في الحصول على الوضع الاجتماعي الذي يكسبه احترام من حوله.  

ثانوس.. أخطر أشرار مارفل
ظهرت شخصية ثانوس لأول مرة في القصص المصورة التي نشرتها مارفل، ثم في فيلم "الرجل الحديدي" لعام 1973 من ابتكار الكاتب جيم ستارلن، وأجبر ظهوره في فيلم "المنتقمون" الأخير أبطال عالم مارفل على العمل سويا لمواجهة قوته الهائلة، بعد حصوله على الأحجار الكريمة الستة، وصنعه قفاز "الخلود". 

لم يكن سعيه لأحجار الألفية طمعا في القوة، بل لتحقيق رغبته في إنقاذ العالم من خلال إبادة نصف سكان الكوكب حتى يجد النصف الآخر موارد تكفيه للحياة، وأكسبته هذه الفكرة الفلسفية احترام الجمهور وأثارت الكثير من الجدل.

لا كاسا دي بابيل
بأقنعة "سلفادور دالي"، وبأسماء مدن مختلفة، اقتحم ثمانية لصوص دار صك النقود الملكية الإسبانية بقيادة "البروفيسور"، العقل المدبر لخطة السرقة المثالية، نال المسلسل الإسباني "لا كاسا دي بابيل" أو "البيت الورقي"، من إنتاج نيتفلكس، شهرة واسعة ونجحت شخصياته في كسب إعجاب وتعاطف الجمهور حول العالم. 

تقتضي الخطة بإضاعة أطول وقت ممكن لطباعة أموالهم الخاصة في دار صك النقود وتنفيذ مخططهم للهروب، وطوال أحداث المسلسل المتسارعة والمشوقة، نرى حماس ومساندة الشعب الإسباني للصوص، باعتبارهم رمزا للثورة على غياب العدالة الاجتماعية والظروف الضبابية التي يعيشونها. 

وأدهشنا ذكاء "البروفيسور" في ترتيبه خيوط خطته المحكمة التي أصبحت قضية رأي عام أشبه بالمقاومة، وساعد إصراره على عدم اللجوء للعنف في معاملة الرهائن أو قتلهم في تأييد الجمهور له، كما دفع المشاهد إلى التفكير في مفهوم الخير والشر، وفي سلطة رؤوس الأموال العالمية، قائلا "إنها لا شيء، مجرد ورقة"، لأنه لا يعتبر أن ما يفعله سرقة. 

ولم يكن "البروفيسور" هو الوحيد الذي نال شعبية جماهيرية، بل تميزت "طوكيو" بجرأتها وتهورها في أفعالها، فضلا عن علاقتها مع "ريو"، التي شكلت نقطة ضعفها في كثير من الأحيان، أما "نيروبي" فهي من الشخصيات المحورية في المسلسل، وتبدو عنيفة وقوية بسبب قيادتها للرجال في عملية طباعة العملات، إلا أن جانبا آخر ظهر في الجزء الثالث مرتبطا بإدمانها المخدرات الذي أدى إلى فقدانها طفلها. 

صور المسلسل للمشاهد شخصيات اللصوص المجروحة التي تعاني من مشاكل اجتماعية تشبه مشكلاته إلى حد كبير، وكأنها مرآة تعكس واقعه اليومي، كما ركز على علاقاتهم الإنسانية التي تجمهم ببعضهم البعض، مثل الحب والأبوة والصداقة.

إريك كيلمونجر
كان ناداكا، المعروف أيضا باسم إريك ستيفنز، ابن أحد أمراء واكندا في فيلم "بلاك بانثر" أو "الفهد الأسود" لعام 2018، لكنه نفي هو وعائلته بأمر من تشالا ملك البلاد بعد اتهام والده بالخيانة.

أكسبته الظروف الوحشية التي عاشها أثناء خدمته في وحدة العمليات الأميركية لقب "كيلمونجر"، وقاده غضبه تجاه كلاو وملك واكندا إلى تكريس حياته للتخلص من ابن عمه تشالا -البطل- من أجل الانتقام وتحقيق رغبة والده في السيطرة على العالم، ووقف اضطهاد المنحدرين من أصل أفريقي.

يقول كيلمونجر لتشالي "عشت حياتي بأكملها في انتظار هذه اللحظة؛ لقد تدربت، وكذبت وقتلت لأصل إلى هنا، قاتلت في أميركا وأفغانستان والعراق، وسلبت الحياة من إخواني وأخواتي هنا في هذه القارة، كل هذا الموت، حتى أتمكن من قتلك أنت".

يعد كيلمونجر شخصية مركبة بسبب طفولته القاسية، وظلم والد تشالا له الذي يبرر دوافعه في الانتقام.

ونال إريك تعاطف الجمهور في مشهد وفاته ليصبح من بين أفضل الشخصيات الشريرة لشركة مارفيل.

جوفري.. الملك المضطرب
جوفري براثيون شخصية خيالية من تمثيل الإيرلندي جاك غليسون في مسلسل "صراع العروش". جعلته صفاته السيئة واحدا من أكثر شخصيات العمل الملحمي سادية وكراهية، إذ كان مصابا بجنون العظمة رغم أنه لم ينجح في إدارة أمور الحكم.

اعتقد الجميع أنه وريث عرش والده الملك باراثون، إلا أنه في الحقيقة كان ابنا غير شرعي من والدته الملكة سيرسي وشقيقها جيمي لانستر، وهو ما قاده إلى الغضب والأمر بقتل كل الأطفال غير الشرعيين في المنطقة.

قتل جوفري البطل الخير في المسلسل صاحب القلعة الشمالية في المملكة "ند ستارك" خلال أحداث الموسم الأول، واختطف ابنته الكبرى "سانسا" لتعيش معه ومع والدته ويستمر في تعذيبها طوال فترة حياته.

ورغم انتظار الجمهور وفاة الملك جوفري، فإن هناك شريحة واسعة منهم تعاطفت معه لكونه طفلا غير شرعي، وتأثير هذا الأمر على شخصيته غير المتزنة، ولا أحد يستطيع أن ينكر أنه من الشخصيات التي غيّرت مجرى أحداث المسلسل.

المصدر : الجزيرة