"الفهد الأسود".. الأوسكار تحتفي بالبطل الخارق أم بالبطل الأسود؟

black panther
حصل فيلم "الفهد الأسود" على آراء إيجابية بنسبة 97% من 446 ناقدا قيموه على موقع "الطماطم الفاسدة" (مواقع التواصل)

آدم منير

في سابقة هي الأولى من نوعها، رُشح فيلم "الفهد الأسود" (Black Panther) لجائزة أوسكار أفضل فيلم، ليصبح بذلك أول فيلم أبطال خارقين يُرشح لهذه الجائزة.

احتفى بعض المتابعين بهذا الترشيح واعتبروه بمثابة اعتراف رسمي بالتطور والجودة التي تشهدها هذه الأفلام سنة بعد أخرى، بينما كانت هناك آراء أخرى ترى أن هذا الترشيح غير مستحق وأن الفيلم حصل عليه فقط لأنه يخص بطل أسود، ولهذا الرأي الكثير من الدلائل التي تدعمه.

أوسكار أبيض جدا.. أوسكار أسود جدا
في عام 2016، تعالت الصيحات الغاضبة على ترشيحات الأوسكار رافعة شعار "الأوسكار أبيض جدا" (Oscars too white)، في إشارة إلى عدم وجود أي ممثل أو ممثلة أو حتى مخرج أسمر البشرة في الترشيحات، رغم وجود من قدموا أداء جيدا يؤهلهم للحصول على ترشيح، مثل إدريس ألبا عن دوره في فيلم "وحوش عديمة الأمة" (Beasts of No Nation).

في العام التالي، ضمت الترشيحات العديد من أصحاب البشرة السمراء، وأغلبهم كان يستحق الترشيح، ووُزّعت الجوائز بنسبة النصف والنصف، لتذهب جائزتا أفضل ممثل وأفضل ممثلة لفنانين من ذوي البشرة البيضاء، وجائزتا أفضل ممثل مساعد وأفضل ممثلة مساعدة لممثلين من ذوي البشرة السمراء.

وكانت نهاية الحفل تحمل مفاجأة غير مسبوقة بحدوث خطأ في تسليم جائزة أفضل فيلم، قبل أن تذهب إلى "ضوء القمر" (Moonlight) الذي تدور أحداثه كاملة بين شخصيات ذات أصول أفريقية، لترتفع علامات الاستفهام مرة أخرى: فهل منحت الأكاديمية هذه الجوائز لتدفع عنها شبهة العنصرية ضد السود أم أنها جوائز مستحقة بالفعل، وهل كانت ستذهب إلى الأسماء نفسها في جميع الأحوال؟

وهذا بالتأكيد يلقي بظلال قوية على ترشيح فيلم "الفهد الأسود" الذي يعد أول فيلم لبطل خارق أسمر البشرة، لكن هناك خطوة اتخذتها الأكاديمية قبل شهور أثارت المزيد من التساؤلات.

جائزة أفضل فيلم جماهيري
في أغسطس/آب الماضي، أصدرت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة المانحة لجائزة الأوسكار بيانا عن عزمها على إطلاق جائزة جديدة هي جائزة أفضل إنجاز في فيلم جماهيري، على أن تُمنح للمرة الأولى في حفل عام 2019؛ لكنها -بعد حوالي شهر من هذا البيان- أصدرت بيانا آخر تُعلن فيه تأجيل هذه الجائزة إلى أجل غير مسمى.

الأفلام التي حصلت على جائزة أفضل فيلم في الأعوام الأخيرة لم تكن من التي حققت إيرادات ضخمة، وبالتالي يؤثر هذا على نسب مشاهدة الحفل والتفاعل مع الجوائز.

لكن في المقابل، فإن تخصيص جائزة للفيلم الجماهيري يتجاهل حصول عدة أفلام جماهيرية على أوسكار أفضل فيلم في السنوات السابقة، فأفلام مثل "المصارع" (Gladiator) و"شيكاغو" (Chicago) و"الراحلون" (The Departed)؛ جميعها حققت أرقاما جيدة في شباك التذاكر وقت عرضها.

وبالتأكيد لا يمكن أن ننسى "سيد الخواتم: عودة الملك" (The Lord of the Rings: The Return of the King) الذي كان أعلى الأفلام تحقيقا للإيرادات في سنة عرضه 2003، وحصد جائزة أوسكار أفضل فيلم، إلى جانب عشر جوائز أخرى محققا رقما قياسيا. إذن فالفيصل هو المستوى الفني للفيلم وليست إيراداته.

عندما أُعلن عن جائزة "الفيلم الجماهيري"، اتجهت الأنظار فورا إلى "الفهد الأسود" كونه أعلى فيلم تحقيقا للإيرادات داخل أميركا في 2018، بل ثالث أعلى فيلم تحقيقا للإيرادات داخل أميركا في التاريخ، وعندما أُجلت الجائزة رأى المتابعون أن ظهوره في فئة أفضل فيلم هو بمثابة تعويض عن الجائزة المؤجلة، ومراضاة للجمهور الضخم الذي أحب الفيلم، وليس لأن مستواه يؤهله لذلك.

ولكن ماذا لو كان مستوى الفيلم يؤهله حقا لهذا الترشيح؟

بعد أعوام من الأبطال الخارقين.. لماذا "الفهد الأسود"؟
حصل الفيلم على آراء إيجابية بنسبة 97% من 446 ناقدا قيموا الفيلم على موقع "الطماطم الفاسدة" الشهير (Rotten Tomatoes)، ليصبح من أعلى الأفلام حصولا على تقييمات إيجابية. هذا يعني أن النقاد والجمهور اتفقوا على حب هذا الفيلم؛ لكن دعنا نقترب أكثر.

لا يمكن فصل الجانب العِرقي عن نجاح هذا الفيلم، ففي عدة مواقع -منها موقع "فوربس" (Forbes)- أشير إلى التحول الثقافي الذي قدمه الفيلم بتقديم بطل ذي أصول أفريقية، واختلاف البطل هنا كان دافعا كبيرا لمشاهدة الفيلم والاحتفاء به. لكن إذا أعدنا مشاهدة الفيلم نفسه فسنجد أننا أمام فيلم مميز بالفعل على عدة مستويات، لكن يصعب القول إنه حقق علامة فارقة في تاريخ أفلام الأبطال الخارقين.

إذا ما قورن الفيلم بأفلام مثل "فارس الظلام" (The Dark Knight)، فلن نجد فيه نفس الإيقاع الرائع المتوتر أو الانقلابات المتعددة في السيناريو التي كسرت توقعات المشاهد، وبالتأكيد لن نجد شريرا مثل الجوكر.

ولن يصمد الفيلم أيضا في مقارنته فنيا مع "لوغان" (Logan) الذي قدم سيناريو سوداويا محكما استحق عنه الترشح لجائزة أوسكار أفضل سيناريو، بالإضافة لأجواء بصرية مظلمة حافظ عليها مخرج الفيلم ببراعة، ليقدم نهاية تليق ببطل محبوب مثل وولفرين.

وفي العام الماضي، شاهدنا فيلم "المنتقمون: الحرب الأبدية" (Avengers: Infinity War) الذي تمكن من رسم شديد التميز للشخصية الشريرة ثانوس، واتزانا يصعب تحقيقه عادة بين عدد كبير من الشخصيات الرئيسية، من بينهم الفهد الأسود، فلم يشعر المشاهد بغياب أو حضور أي من هذه الشخصيات بقدر يطغى على البقية. وقد حقق الفيلم إيرادات أقل بحوالي عشرين مليون دولار فقط من "الفهد الأسود".

لكن الأوسكار قرر أن يغض الطرف عن كل هذه الأفلام ليمنح أول ترشيح له من أفلام الأبطال الخارقين في فئة أفضل فيلم، لـ"الفهد الأسود".

على كل، لم يكن عام 2018 في السينما الأميركية عاما ثريا، وهذا يتضح من ترشيح عدة أفلام غير أميركية في أكثر من فئة، وربما كان هذا ذريعة لاختيار "الفهد الأسود" في فئة أفضل فيلم، لكن من الصعب جدا إيجاد مبرر مقنع في حال فوز الفيلم بالجائزة.

المصدر : الجزيرة