كيف تغيرت الرسوم المتحركة وأصبحت للكبار قبل الصغار؟

Ralph Breaks
الرسوم المتحركة لم تعد أفلامًا يمكن النظر إليها باستخفاف كونها للأطفال فقط (مواقع التواصل)

علياء طلعت

صدرت عام 2018 عدة أفلام رسوم متحركة، ترشح عدد منها لأوسكار لهذا العام، وكل منها قدم أفكارًا ناضجة للبالغين، مثل التعامل مع الآخر، واختلاط السلطة الدينية والسياسية، والنبذ والإقصاء، وذلك ضمن تغييرات كبيرة شهدتها هذه الأفلام التي كانت لفترات طويلة حكرًا على الأطفال.

في البدء جاء الفقد
كانت أفلام الرسوم المتحركة دوما حافلة بالرسائل، بداية من مغامرات ميكي ماوس الشجاع الذي يساعد أصدقاءه، وتطور الأمر لتصبح هناك مجموعة أفكار متكررة يتم إعادة تدويرها من فيلم لآخر، مثل ضرورة البعد عن الكذب والاستماع للضمير، كفيلم "بينوكيو" إنتاج 1940، وتطور الأمر إلى ضرورة الاستماع للطفل داخلك، كما في "بيتر بان" إنتاج 1953، ورسائل أخرى مثل أهمية تكوين الصداقات، وإيجاد نقاط القوة في شخصيتك، وعدم محاولة التشبه بالآخرين، والاعتزاز بالصفات الشخصية، وأهمية الحب والصداقة.

وشهدت أفلام الرسوم المتحركة في فترة التسعينيات نقلة جديدة، وهي تناول مواضيع أكثر سوداوية وحزنًا من المعتاد تقديمه للأطفال، لنجد في فيلم الأسد الملك 1994 مشهد موت الأسد الأب موفاسا؛ محركًا لمشاعر الجميع بصورة أكبر من مشهد وفاة والدة الغزال الصغير بامبي في الفيلم الذي أنتج في الأربعينيات.

سيمبا الشبل الصغير في الأسد الملك لم يكن عليه فقط تحمل وفاة والده، والتعامل مع مشاعر الفقد والحزن، بل تحمل أيضًا أعباء ثقيلة كالذنب ثم الرغبة في الانتقام.

أما عام 1996 فشاهدنا فيلما آخر أكثر سوداوية، وهو أحدب نوتردام، المقتبس من رواية فيكتور هوغو، حول الأحدب المشوه، الذي يحيا في برج نوتردام منبوذًا، ليقابل أول مرة الحب البشري في شكل مجموعة منبوذين آخرين هم الغجر، عالم أحدب نوتردام المليء بالحزن واليتم والإقصاء لم يكن بالتأكيد موجهًا للأطفال فقط، الذين لن تصلهم كل المعاني التي يرغب الفيلم في تقديمها.

ما بعد 2010 وانقلاب الرسوم المتحركة
العالم يتغير كل يوم، خاصة بعد ثورة الاتصالات والإنترنت، فلم يعد إقناع حتى الأطفال ممكنا بالرسائل القديمة ذاتها، وكان من الواجب تطويرها حتى تصبح متلائمة مع روح العصر، فبدل قصة الأميرة التي لا يجب أن تحدث الغرباء وتقبع في المنزل تنتظر الأمير الذي يحل لها مشاكلها، نجد أن فيلم مثل "شجاعة" (Brave) إنتاج 2012 عن أميرة ترفض مصيرها المقرر مسبقًا وتغير حياتها وحياة عائلتها بتمردها.

لم يعد التمرد في حد ذاته أمرًا مستنكرًا، فمثلًا في آل كروودز لو لم تكن البطلة إيب رافضة قواعد الحماية الأبوية التي يفرضها عليها والدها ورب العائلة لما استطاعت الأسرة كلها النجاة من الخطر.

ولو تتبعنا -على سبيل المثال- سلسلة قصة لعبة، نجد أن جزأيها الأول والثاني عن أهمية الصداقة والتعاون لتجاوز المصاعب، وأن الحب يزيل الخلافات، لكن الجزء الثالث إنتاج 2010 ينتقل بالمشاهدين إلى مستوى فكري آخر، فهو يقدم حقيقة أن التغير هو الأمر الوحيد الثابت في الحياة، فيكون على الألعاب تقبل التغيير الكبير في حياتها بعد نضوج صديقها أندي، وأنها كانت فصلا واحدا من قصته، ويجب عليها بدء فصل جديد أيضا.

يبدو الأمر كما لو كان على صناع أفلام الرسوم المتحركة النضوج بأفكارهم حتى تصبح ملائمة لأجيال تربت على أفلامهم السابقة، وهذا ليس على مستوى الأفكار المقدمة فقط، بل أصبح لزامًا على كتاب سيناريوهات هذه الأفلام كتابة أنواع مختلفة من الدعابات، حتى تصبح ملائمة للمشاهدين من أجيال وفئات عمرية مختلفة، فنجد بعضها بسيطة لإضحاك الصغار، وأخرى تحتاج إلى سن أكبر ومعارف أعمق لفهمها والتجاوب معها.

بجانب أفلام الرسوم المتحركة التي تقدم للكبار والصغار معًا، أصبحت هناك أفلام رسوم متحركة للكبار فقط، بل إن تصنيف بعضها على موقع "أي أم دي بي" (IMDb) هو "أر" (R)؛ إشارة إلى أنها لا تصلح سوى لأكبر من 18 عاما، وذلك بسبب المحتوى الخاص بها، ومن أشهر هذه الأفلام أنوماليسا لتشارلي كوفمان الذي يتناول قصة معاناة نفسية لرجل بسبب الاكتئاب وفقدان الرغبة في الحياة، وفيلم "حفلة نقانق" (sausage party).

2018.. عام ثري بأفلام الرسوم المتحركة
قدّم صناع الأفلام في 2018 عددًا من أعمال الرسوم المتحركة الجيدة بالفعل، وهي أفلام صالحة للكبار والصغار معا، فعلى سبيل المثال يقدم فيلم "قدم صغيرة" (Small foot) قصة ملائمة للأطفال عن رجال الثلج ومغامراتهم مع البشر، لكن في الوقت ذاته يقدم أفكارًا أكثر نضجًا للبالغين، مثل تحكم كبير رجال الثلوج في شعبه عن طريق الأكاذيب والتضليل، تحت ستار الحماية من البشر، في إشارة إلى تلاعب السياسيين بشعوبهم، وفكرة تقبل الآخر، والخوف الذي يولد العنف والإقصاء، وإدانة واضحة للجنس البشري وضرره البالغ على الكائنات من حوله والبيئة المحيطة به.

ولا يقدم الجزء الثاني من فيلم "الخارقون" هذه المرة مشكلة الخارقين مع البشر فقط، بل نجد أن القصة تتركز حول المرأة المطاطية التي تدير شؤون العائلة الآن، بينما يتراجع الرجل الخارق إلى الخلفية، ويؤدي دورها في تربية الأطفال، في تبادل للأدوار يتلاءم مع الأفكار السائدة في الوقت الحالي حول الأدوار المختلفة التي يمكن أن تلعبها المرأة وتمكينها في كل المجالات، ورشح الفيلم لجائزة الأوسكار هذا العام في فئة "أفضل فيلم رسوم متحركة".

لكن الجزء الثاني من فيلم رالف المدمر -بالإضافة إلى مغامراته المسلية مع صديقته فانيليوب- يستعرض التغيرات التي حدثت في الحياة بسبب الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، وهو مرشح منافس لفيلم "الخارقون" على جائزة الأوسكار.

لم تعد الرسوم المتحركة أفلامًا يمكن النظر إليها باستخفاف لكونها مناسبة للأطفال فقط، بل هي أعمال شديدة الذكاء، تستطيع تقديم أكثر من محتوى، لتلائم الأعمار المختلفة، ويتلاعب كتاب سيناريوهات تلك الأفلام بالكلمات ليؤثروا على الجميع.

المصدر : الجزيرة