ضحايا الانتهاكات والتعذيب بتونس يدلون بشهاداتهم

بدأت في العاصمة التونسية أولى جلسات الاستماع العلنية التي تقدم شهادات لآلاف من ضحايا الاستبداد في تونس، بعد ست سنوات من الثورة التي أنهت حكم زين العابدين بن علي.

وتأتي مرحلة الاستماع العلني بعد أن استمعت هيئة الحقيقة والكرامة -التي أنشئت في ديسمبر/كانون الأول 2013- إلى حوالي 11 ألف ملف، في سرية تامة وراء أبواب مغلقة طيلة ثلاث سنوات.

وتابع مئات الشخصيات المحلية والدولية جلسات الاستماع العلنية التي تعقد في ضاحية سيدي بوسعيد، وتحديدا في فضاء نادي عليسة الذي كان مملوكا لليلى بن علي زوجة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

وتعتبر "هيئة الحقيقة والكرامة التونسية" هذه الجلسات فرصة تاريخية لتعزيز مسار العدالة الانتقالية في البلاد، وتتويجا لجهود الهيئة التي استمرت ثلاث سنوات في فحص آلاف ملفات ضحايا عهود الاستبداد السابقة.
بن سدرين: الجلسات تشكل حدثا تاريخيا (الجزيرة-أرشيف)
بن سدرين: الجلسات تشكل حدثا تاريخيا (الجزيرة-أرشيف)

وقالت سهام بن سدرين رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة التي تشرف على مسار العدالة الانتقالية إن "الجلسات تشكل حدثا تاريخيا مهما لكل التونسيين وستدرس للأحفاد والأجيال اللاحقة، وستعزز صورة تونس في العالم كنموذج للتسامح".

شهادات
وفي الجزء الأول من جلسات الاستماع، قدم بعض الضحايا شهادات لما لحقهم من انتهاكات خلال فترة حكم بن علي وخلال الثورة التي اندلعت ضد نظامه في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010.

وقدمت أمهات عدد من الشبان الذين سقطوا برصاص الأمن التونسي خلال الثورة التونسية عام 2011 شهاداتهن عن ملابسات مقتل أبنائهن, وطالبن بنقل محاكمات قتلة أولادهن من المحاكم العسكرية إلى محاكم مختصة بالعدالة الانتقالية, وشككن في عدالة المحاكم العسكرية التي تولت النظر في قضايا ضحايا الثورة.

وقالت والدة شاب قتلته الشرطة في مدينة الرقاب في محافظة سيدي بوزيد خلال الثورة إن "بالها لن يهدأ ما دام قتلة ابنها ينعمون بالحرية، وما دامت قيم الحرية والعدالة والتوزيع العادل للتنمية التي مات ابنها من أجلها لم تتحقق بعد", وحذرت من خطر اندلاع ثورة جديدة لا تبقي ولا تذر.

وفي شهادة أخرى قالت والدة كمال المطماطي -الذي قتل عام 1991 تحت التعذيب في مخفر الشرطة بمدينة قابس جنوب البلاد- إنها ما زالت إلى اليوم لا تعرف مكان دفن ابنها, مشيرة إلى أن أسرته لم تتأكد من مقتل ابنها المهندس في مخفر الشرطة إثر اختطافه من مقر عمله إلا بعد الثورة، أي بعد مقتله بعشرين سنة طافت خلالها كل سجون البلاد بحثا عنه دون جدوى.

سامي براهم أعرب عن استعداده للصفح عن جلاديه إذا اعتذروا (الجزيرة-أرشيف)
سامي براهم أعرب عن استعداده للصفح عن جلاديه إذا اعتذروا (الجزيرة-أرشيف)

وفي إحدى الشهادات القوية، قال سامي براهم -وهو باحث وأكاديمي اعتقل في بداية فترة حكم بن علي- إنه تعرض للتعذيب الجنسي في مبنى وزارة الداخلية كما تعرض لكل أنواع التعذيب المعنوي, وكان شاهدا على حالات تعذيب وامتهان لكرامة الإنسان طيلة سنوات سجنه الثماني التي طاف خلالها جلّ سجون البلاد.

ووجه براهم نداء "للجلادين" ليمثلوا أمام الهيئة ويقدموا تفسيراتهم لما وقع، وهل كان بدافع حقد أيديولوجي ضد السجناء الإسلاميين أم تنفيذا لتعليمات القيادات العليا, وأعرب عن استعداده للمسامحة والتجاوز عن جميع صنوف الأذى التي لحقته إذا اعتذر مرتكبو التعذيب عن أفعالهم.

وستعقد جلسات علنية أخرى يومي 17 ديسمبر/كانون الأول و14 يناير/كانون الثاني المقبلين، وهما تاريخان يرمزان لاندلاع شرارة ثورة تونس في 2010 وهروب بن علي عام 2011, ومن المقرر أن تشهد جلسات 17 ديسمبر/كانون الأول مصالحة علنية يقدم خلالها مرتكبو الانتهاكات اعتذارهم للضحايا.

يذكر أن فترة حكم بن علي -التي استمرت من 1987 إلى 2011- شهدت تعرض آلاف المعارضين الإسلاميين واليساريين للسجن والتعذيب والتنكيل، لكن مسار العدالة الانتقالية يشمل أيضا تاريخ تونس الحديث منذ الاستقلال تحت حكم الرئيس الحبيب بورقيبة وحتى 2013.

المصدر : وكالات