إسرائيل تسيء للتاريخ بمقبرة مأمن الله

اعمال جرف ونبش القبور في مقبرة مامن الله بالقدس نفذتها سلطة الاثار الاسرائيلية

أعمال جرف ونبش القبور في مقبرة مأمن الله بالقدس نفذتها سلطة الآثار الإسرائيلية

تواصل آلات الهدم والجرف الإسرائيلية نبش قبور عشرات الآلاف من المسلمين -بينهم صحابي وعلماء وفقهاء ومجاهدون وأدباء- في مقبرة مأمن الله غربي مدينة القدس المحتلة، متحججة برغبتها في بناء مركز للتسامح ومتجاهلة الأصوات الفلسطينية التي تطالبها باحترام كرامة موتى المسلمين، وعدم المس بهذه المقبرة التي يحاكي تاريخها تاريخ المدينة المقدسة والتاريخ الإسلامي والإنساني فيها.

المساحة والموقع
تقع مقبرة مأمن الله التي يسميها البعض "ماملا" غربي مدينة القدس القديمة على بعد كيلومترين عن باب الخليل، وهي من أكبر المقابر الإسلامية في بيت المقدس وتقدر مساحتها بنحو مائتي دونم (200 ألف متر مربع)، في حين قدرها المهندسون عام 1929 بنحو 137 دونما، وذلك بعد استثناء بناية الأوقاف التي كانت مبنية على جزء من أراضي وقفها، ومقبرة الجبالية.

رفات المقبورين بعد نبش القبورفي مقبرة مأمن الله (الجزيرة نت-أرشيف)
رفات المقبورين بعد نبش القبورفي مقبرة مأمن الله (الجزيرة نت-أرشيف)

أسماء للمقبرة
تعددت الأسماء التي أطلقت على مقبرة مأمن الله العريقة، ومنها "ماملا" وهو اسم اشتق من ماء ملا، وملا هو اسم للمنطقة المقامة عليها المقبرة منذ زمن بعيد.

وقيل إن ماملا اسم قديسة بنت لنفسها كنيسة بيزنطية في تلك المنطقة،ثم وهدمها الفرس وألقوا في البركة التي تقع فيها جثث القتلى. كما قيل أيضا أن ماملا مشتقة من ماء ميلو، وميلو هو اسم الحي الذي أقيمت فيه المقبرة.

ومن أشهر أسماء المقبرة باب الله وزيتونة الملة، ويسميها اليهود بيت ميلو، والنصارى يطلقون عليها بابيلا.

تاريخ عريق
تعد مقبرة مأمن الله من أقدم مقابر القدس عهدا، وأوسعها حجما وأكثرها شهرة، وقد ساير تاريخها تاريخ المدينة العريق، ففي هذا المكان نُصب سليمان ملكا 1015ق.م، وفيه عسكر ملك الآشوريين "سنحاريب" عندما هبط إلى القدس عام 710ق.م، وفيه ألقى الفرس بجثث القتلى من سكان المدينة عندما احتلوها عام 614ق.م.

كما دفن في ذات المكان عدد كبير من الصحابة والمجاهدين أثناء الفتح الإسلامي عام 636م، وفيه عسكر صلاح الدين الأيوبي عندما جاء ليسترد القدس من الصليبيين عام 1178م.

ويرجح بعض المؤرخين أن تاريخ الدفن الإسلامي في المقبرة يعود إلى ما قبل الصليبيين، مؤكدين أنه عندما احتل الصليبيون القدس وارتكبوا فيها مجزرة بشعة قدر عدد الشهداء فيها من الرجال والنساء بنحو 70 ألف شهيد، أمر الصليبيون من بقي من المسلمين بدفن الشهداء في هذه المقبرة.

وحسب المؤرخين فقد وجد المسلمون آنذاك في المقبرة مقابر وأنفاقا فوضعوا جماجم الشهداء فيها، ويقال إن نفقا لا يزال تحت الأرض بالوسط الغربي من المقبرة مليء بالجماجم، وإن قطره نحو خمسة أمتار وله امتداد أكثر من 100م.

جرافات إسرائيلية تنبش قبور المسلمينفي مقبرة مأمن الله (الجزيرة نت-أرشيف)
جرافات إسرائيلية تنبش قبور المسلمينفي مقبرة مأمن الله (الجزيرة نت-أرشيف)

وعندما حرر صلاح الدين القدس من يد الصليبيين أمر بدفن من استشهدوا بالمعارك مع الصليبيين في نفس المقبرة.

وتوالى الدفن فيها بعدئذ فضمت قبور مئات العلماء والفقهاء والأدباء والأعيان والحكام من المدينة. ويذكر أن المقبرة تأوي رفات أكثر من 70 ألف شخص بين صحابي وشهيد وعالم وزاهد، ومن ضمنهم:

1- الفقيه ضياء الدين أبو عيسى بن محمد العكاري الشافعي، وهو أحد كبار مستشاري السلطان صلاح الدين الأيوبي (توفي عام 585 هـ).

2- الشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أحمد القرشي الهاشمي (توفي عام 599 هـ).

3- الأمير صلاح الدين محمد ازدهر السلحدار الناصر (ت 697 هـ).

4- القاضي شرف الدين منيف الحاكم بالقدس (توفي عام 714 هـ).

5- الشيخ شهاب الدين بن جبارة المقدسي (أبو العباس) الفقيه النحوي (توفي عام 728 هـ).

6- قاضي القضاة عماد الدين القرشي، شارح صحيح مسلم (ت 734 هـ).

7- شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد بن أرسلان، مؤلف صفوة الزبدة، وشارح سنن أبي داود، وشارح البخاري ومنهاج البيضاوي (توفي عام 844 هـ).

8- أحمد بن محمد حامد بن أحمد الأنصاري المقدسي الشافعي الذي حفظ القرآن الكريم واشتغل بالتحصيل والسماع، وقد عرض عليه قضاء القدس فأبى، وكان صالحا زاهدا ناسكا قانعا بالقليل (توفي عام 854 هـ).

9- قاضي القضاه شيخ الإسلام محمد بن جمال الدين بن سعد بن أبي بكر بن الديري العيسى الحنفي الذي سكن المقدس وصار من أعيان العلماء، وقد كان فقيها ومدرسا، ولاه الملك المؤيد قضاء الديار المصرية، ثم صرف عن القضاء باختياره واعتذر بتقدم سنه (توفي عام 827 هـ).

10- قاضي القضاة تقي الدين أبو بكر الرصاصي.

قيادات إسلامية ومسيحية من القدس والداخل الفلسطيني في مظاهرة تندد بانتهاكات إسرائيل للمقبرة (الجزيرة نت-أرشيف)
قيادات إسلامية ومسيحية من القدس والداخل الفلسطيني في مظاهرة تندد بانتهاكات إسرائيل للمقبرة (الجزيرة نت-أرشيف)

محطات وانتهاكات
أحيطت المقبرة في أواخر العهد العثماني عام 1318هـ بسور، واستمر المسلمون بدفن موتاهم فيها حتى عام 1927، حيث أصدر المجلس الإسلامي الأعلى حظرا على دفن الموتى فيها بسبب اكتظاظها واقتراب العمران منها.

وفي زمن الانتداب البريطاني وخاصة في بداية ثلاثينيات القرن الماضي، تعرضت مقبرة مأمن الله لانتهاكات متكررة، حيث وضع مخطط عام 1933 يقوم في جوهره على اقتطاع جزء من المقبرة للبناء السكني وآخر للبناء التجاري، وثالث يكون حديقة عامة، إلا أن الجزء الأكبر من هذا المخطط نفذ أواخر الستينيات وما بعدها.

في عام 1947 استولى الجيش البريطاني على مقبرة مأمن الله وأقام فيها، كما هدم جزءا من سورها.

وفي عام 1948 احتلت القوات الإسرائيلية الجزء الغربي من مدينة القدس لتسقط المقبرة بيد الاحتلال، وفي نفس العام أقرت إسرائيل قانونا اعتبر بموجبه جميع الأراضي الوقفية الإسلامية وما فيها من مقابر وأضرحة ومقامات ومساجد، أراضي تدعى أملاك الغائبين، وأن المسؤول عنها يسمى حارس أملاك الغائبين، وله حق التصرف فيها، بينما استثنى القانون أملاك الطوائف الأخرى.

وفي عام 1967 حولت إسرائيل جزءا كبيرا من المقبرة إلى حديقة عامة سمتها حديقة الاستقلال، حيث جرفت القبور ونبشت العظام البشرية وزرعت الحشائش والأشجار، وشقت الطرقات في بعض أقسامها.

وفي عام 1985 أنشأت وزارة المواصلات موقفا للسيارات على قسم كبير من المقبرة.

وفي عام 2000 قامت شركة الكهرباء الإسرائيلية بأعمال حفريات في المقبرة في الجهة المقابلة بجانب الشارع الرئيسي، وهو ما تسبب في تناثر عظام الموتى على سطح الأرض، وذلك بحجة تمديد أسلاك كهرباء في باطن الأرض.

وفي عام 2002 أعلنت إسرائيل نيتها إقامة مبنى للمحاكم الإسرائيلية بمنطقة مقبرة مأمن الله.

وفي عام 2004 أعلنت إسرائيل عزمها افتتاح مقر ما يسمى "مركز الكرامة الإنساني– متحف التسامح في مدينة القدس" على ما تبقى من أرض المقبرة، وبدأ بتنفيذ المشروع عام 2005 حيث قامت الجرافات الإسرائيلية وأكثر من 140 عاملا بتجريف أرض المقبرة ونبش القبور وإهانة كرامة الموتى، حيث سيقام المركز على مساحة 21 دونما ويضم بناءين كبيرين أحدهما يسمى "الكرامة الإنسانية" والثاني "متحف التسامح" بكلفة 250 مليون دولار، مولها المركز الأميركي سيمون فيزنتال الذي يتخذ من لوس أنجلوس مقرا له.

المصدر : الجزيرة