اقتحام الأقصى بين شارون وبن غفير.. ماذا تغيّر خلال 22 عاما؟

الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير يقتحم المسجد الأقصى لأول مرة بعد توليه حقيبة الأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية الجديدة (الصحافة الإسرائيلية)

القدس المحتلة- بعد ساعات من تداول الإعلام العبري أخبارا متضاربة عن تأجيله، نفّذ الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير اقتحامه الأول للمسجد الأقصى المبارك، بعد توليه حقيبة الأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية الجديدة.

رغم البيانات المنددة والمستنكرة، مرّ اقتحام بن غفير هادئا، مما استدعى مقارنة مع ما حدث عقب إقدام رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون على اقتحام المسجد الأقصى سبتمبر/أيلول 2000، الذي كان الشرارة لاندلاع انتفاضة فلسطينية ثانية دامت 5 سنوات.

وكان بن غفير اقتحم المسجد الأقصى في السابعة من صباح اليوم الثلاثاء، وسط حراسة أمنية مشددة وبتنسيق بين جهازي الشرطة وجهاز الأمن العام (الشاباك)، وبعلم مسبق من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وذلك لأول مرة منذ توليه منصبه الجديد بعد تأدية حكومته اليمين الدستورية الخميس الماضي.

لكن بن غفير، الذي يُعرف بأنه أحد أبرز غُلاة المتطرفين بين الساسة الإسرائيليين، اعتاد اقتحام المسجد الأقصى حين كان عضوا في الكنيست خلال الأعوام الأخيرة، وآخرها في أثناء عيد العرش اليهودي يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وقبل اقتحامه، التقى بن غفير -أمس الاثنين- رئيس الشاباك الإسرائيلي رونان بار، الذي أوضح أنه لا يوجد أي عائق أمني أمام الاقتحام. وفي مساء اليوم نفسه، وافق بن غفير على الخطة العملياتية التي قدمتها الشرطة لتأمين اقتحامه.

وبالفعل، حوّلت شرطة الاحتلال البلدة القديمة في القدس منذ فجر اليوم الثلاثاء إلى ثكنة عسكرية، وفرضت تضييقات على دخول المصلين لصلاة الفجر، ومنعت دخول الرجال دون سن 50 عاما.

تحدي حماس وتكريس "الهيكل"

ركز بن غفير خلال اقتحامه اليوم، وفي السابق أيضا، على فكرتين رئيسيتين، وهما تحدي حركة حماس وعدم الخوف من تهديداتها في حال نفذ اقتحاماته، والأخرى أن المسجد الأقصى (الذي يسميه جبل الهيكل) أهم الأماكن بالنسبة إلى "شعب إسرائيل".

من جهتها، أدانت المملكة الأردنية الهاشمية، باعتبارها الوصية على الأوقاف الإسلامية بالقدس المحتلة، وكذلك السلطة الفلسطينية، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، اقتحام بن غفير الأقصى، إلى جانب عديد من بيانات الشجب والاستنكار من القوى والفصائل الوطنية والإسلامية، من دون رد فعلي ميداني على المستوى الشعبي أو السياسي حتى الآن.

لماذا تباين رد الفعل بين اليوم والأمس؟

صبيحة الخميس 27 سبتمبر/أيلول 2000، أعلن أرييل شارون نيته اقتحام المسجد الأقصى، فتحضّر الفلسطينيون للرد بمواجهات واسعة مع الاحتلال في اليوم التالي، وتزامنت مع انتهاء صلاة الجمعة التي تشهد اجتماع آلاف المصلين في الأحوال العادية، وأضعافهم في حالات النفير والحشد.

أما اقتحام بن غفير، فقد سبقه تضارب وتضليل واضحان، إذ أعلن -عبر حسابه على تويتر- بداية العام الجاري نيته الاقتحام، لكنه أخفى الموعد، ثم تداولت وسائل الإعلام الإسرائيلية مساء أمس الاثنين خبرا يفيد بإرجاء الاقتحام.

يوضح رئيس الهيئة المقدسية لمقاومة التهويد، ناصر هدمي، للجزيرة نت أن الاقتحام كان في وقت مبكر وفي وسط الأسبوع (يوم الثلاثاء)، في وقت ينشغل فيه الفلسطينيون بأعمالهم ووظائفهم، إلى جانب أنه جرى بشكل سريع ولم يتجاوز 13 دقيقة، وهو ما منع تدارك الأمر من قبل المصلين، أو توجههم إلى المسجد بعد سماع الخبر.

وتوقع بعض المحللين تنفيذ بن غفير اقتحامه اليوم، خصوصا لموافقته ذكرى "العاشر من تيفيت" اليهودية، التي تؤرخ "حصار القدس على يد الملك نبوخذ نصّر" حسب الزعم التوراتي. لكن هذه التوقعات تزامنت مع تحذيرات ودعوات للرباط والتصدي للاقتحام انتشرت على نطاق ضيق.

الجدار والتضييقات

إبان اقتحام شارون للأقصى قبل 22 عاما، نفر المصلون من جميع أنحاء فلسطين المحتلة؛ لكن بناء جدار الفصل العنصري منذ عام 2002، منع مئات آلاف الفلسطينيين من دخول القدس والمسجد الأقصى، الأمر الذي قلل أعداد القادرين على الوصول إليه، حتى خلا الأقصى منهم أغلب أيام العام.

وإلى جانب جدار الفصل، أسهمت تضييقات الاحتلال غير المسبوقة على رواد المسجد الأقصى، خاصة أهالي القدس والداخل المحتل (فلسطينيو 48)، في تقليص أعداد المصلين لا سيما خلال أوقات الاقتحام؛ حيث تنفذ شرطة الاحتلال منذ نحو 10 سنوات -بشكل متصاعد- مجموعة من التضييقات أبرزها الإبعاد عن الأقصى لفترات طويلة، والاعتقال من داخله أو على أبوابه، واحتجاز بطاقة الهوية عند الدخول، وتحديد أعمار معينة للصلاة فيه، وتسليم استدعاءات للتحقيق في مراكزها الأمنية، ومنع الوجود في مسار المستوطنين خلال اقتحاماتهم أو حتى بالقرب منهم.

كمال الخطيب: رجل أعمال مقدسي يشتري عقارات لصالح الإمارات
الشيخ كمال الخطيب: إن حظر الحركة الإسلامية في الداخل شل عمل المؤسسات المناصرة للأقصى (الجزيرة)

حظر الحركة الإسلامية

من جانبه، يقول الشيخ كمال الخطيب -الذي كان نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل المحتل قبل حظرها- إن الحركة أسهمت بشكل فاعل في الحشد للأقصى، إذ أنشأت 5 مؤسسات متخصصة في خدمته منذ سبعينيات القرن الماضي، ومنها: مسيرة البيارق، ومسلمات من أجل الأقصى، ومؤسسة عمارة الأقصى الإعلامية. وكانت تدعو لنفير يستجيب له الآلاف عند كل اقتحام، كما أنشأت مشروع مصاطب العلم الذي ملأ المسجد بالمصلين في فترات الصباح الباكر، تزامنا مع الاقتحامات.

يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، حظر الاحتلال الحركة الإسلامية ولاحق قياداتها، وعلى رأسهم الشيخ رائد صلاح، مما أدى إلى شل عمل المؤسسات المناصرة للأقصى.

ويقول الخطيب للجزيرة نت "كانت تلك المؤسسات بمثابة صمام أمان للمسجد، ولقد عرفت المؤسسة الإسرائيلية أين تضرب، وبالتالي أصبح الجهد الشعبي اليوم غير منظم. إلى جانب وجود تيار إسلامي شارك في حكومة لبيد وصمت على انتهاك حرمة الأقصى، والذي تجلى في شهر رمضان الماضي".

الوضع العربي والفلسطيني

ويؤكد الشيخ الخطيب أن الروح العامة في الشارع العربي والإسلامي والفلسطيني، خلال السنوات الأخيرة، تأثرت بعناصر سلبية، منها إجهاض ثورات الربيع العربي، وتوقيع اتفاقيات التطبيع بين الدول العربية والاحتلال.

أما الباحث في شؤون المسجد الأقصى، عبد الله معروف، فيرى فرقا كبيرا بين حال الفلسطينيين اليوم وإبان اقتحام شارون قبل عقدين من الزمان.

يقول معروف -للجزيرة نت- إن الانقسام الفلسطيني، وإنهاك قطاع غزة بحروب متتالية، وتصاعد التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال، أسهم في ذلك الفرق، إلى جانب التفاوت الواضح بين عهد ونهج الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والرئيس الحالي محمود عباس.

3-أسيل جندي، المسجد الأقصى، صورة تظهر اقتحام عشرات المتطرفين لساحات المسجد الأقصى وحرصهم على عدم الصعود إلى قبة الصخرة والساحات المحيطة بها باعتبارها مكانا مقدسا(الجزيرة نت).jpg
أصبحت اقتحامات غلاة المستوطنين للمسجد الأقصى سياسة ثابتة في الأعوام الأخيرة (الجزيرة)

خديعة مكررة

وينتقد الباحث في شؤون القدس، زياد ابحيص، تكرار التهديد والوعيد حيال اقتحامات المستوطنين المسجد الأقصى، وما سماه "اختزال معادلة من 4 عناصر قوة في عنصر واحد، هو المقاومة المسلحة في غزة".

ويقول ابحيص إن هناك عملية تضليل واضحة تكررت مع اقتحام اليوم، بينما أسهم الإعلام وتصريحات الفصائل الفلسطينية "في تخدير الحالة الشعبية، ضمن تحليل مسهب عن معادلات الردع وعودتها للعمل".

ونبّه ابحيص إلى اقتحام موسع يخطط الاحتلال لتنفيذه أبريل/نيسان المقبل، وسيوافق الأسبوع الثالث من شهر رمضان. ونصح بالتزام -ما سمّاها- "العناصر الخمس" لردع المستوطنين، التي فصلها بقوله:

  • أولها وأهمها الرباط والفعل الشعبي.
  • وثانيها عمليات المبادرة الفردية من كل فلسطيني.
  • ثم التفاعل الشعبي الخارجي.
  • وفعل المقاومة المنظمة من قطاع غزة.
  • وأخيرا، عنصر المقاومة المنظمة في حواضن محدودة بالضفة الغربية "أفلتت من قبضة التنسيق الأمني".
المصدر : الجزيرة