في الذكرى 26 لهبّة النفق.. إيهاب الجلاد يتحدث للجزيرة نت عن الحفريات وخطورتها على المسجد الأقصى

9- الباحث في تاريخ القدس إيهاب الجلاد(الجزيرة نت)
الباحث في تاريخ القدس إيهاب الجلاد يتحدث للجزيرة نت عن الحفريات الإسرائيلية تحت الأقصى المبارك (الجزيرة)

القدس المحتلة- 26 عاما مرّت على إقدام سلطات الاحتلال الإسرائيلية على فتح باب النفق الغربي أسفل المسجد الأقصى المبارك، وذلك في فترة حكم بنيامين نتنياهو الذي كلّف رئيس بلدية الاحتلال آنذاك إيهود أولمرت بافتتاحه.

ففي 25 سبتمبر/أيلول 1996، خرج الفلسطينيون في هبّة شعبية، وانطلقت المواجهات مع افتتاح النفق، وامتدت من شمال فلسطين إلى جنوبها، واستشهد خلال المواجهات التي أطلق عليها "هبة النفق" 63 فلسطينيا: 32 منهم في الضفة الغربية و31 في قطاع غزة، بينما أصيب 1600 آخرون بجروح متفاوتة.

في ذكرى هذه الهبّة الشعبية يؤكد الباحث في تاريخ القدس الدكتور إيهاب الجلاد -من خلال حوار خاص أجرته معه الجزيرة نت- أن الحفريات التابعة لهذا النفق لم تتوقف قبل ذلك العام ولا بعده، إذ نُفذت وما زالت تُنفذ حفريات بهدف توسعته.

تاليا نص الحوار مع الجلاد الذي تطرق لأحداث هبّة النفق والمكسب الذي حققه الفلسطينيون بعدها من جهة، ولخطورة الأنفاق والحفريات التي تجريها سلطات الاحتلال على المسجد الأقصى المبارك ومحيطه من جهة أخرى.

3-حفريات جديدة ينفذها الاحتلال أسفل الزاوية الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى باتجاه الجنوب، إضافة لأسفل الجدار الغربي باتجاه الشمال والتي وصلت إلى أسفل باب المغاربة وحائط البراق الجزيرة
حفريات جديدة ينفذها الاحتلال أسفل المسجد الأقصى (الجزيرة)
  • دعنا نبدأ من ذكرياتك عن هبّة النفق، ما الأحداث التي حفرت في ذاكرتك كمقدسي؟

وُلدت عام 1976 وأذكر تفاصيل كل من مجزرة الأقصى عام 1990 وهبّة النفق عام 1996 التي اندلعت بعد ركود النشاط الفلسطيني المقاوم على مدار 3 أعوام تلت توقيع اتفاقية أوسلو، فجاءت الهبّة صحوة لإحياء الذكريات القديمة، خاصة أنها مرتبطة بالمسجد الأقصى، وهو عنوان متجدد لاشتعال الهبّات والانتفاضات حتى يومنا هذا.

أذكر المواجهات وإطلاق النار والمظاهرات التي انطلقت بعد كل صلاة جمعة، وكيف حقق المسلمون إنجازا بعدها بترميم وتعمير المصلى المرواني، إذ تعالت الأصوات بأن البكاء والشجب والاستنكار على افتتاح باب جديد للنفق لا يكفي، وأنه يجب تحقيق إنجازات على الأرض.

اقتنع الجميع بأنه لا يمكن وقف حفر الأنفاق، ولا بد من الرد بتعمير المصلى المرواني الذي كانت بعض أجزائه ضمن الأنفاق كونه يصنف ضمن تسويات الأقصى.

كانت عمليات ترميمه وإعادة افتتاحه محاولة لتعديل الكفة وإرجاع الأمور لنصابها.

  • أدى فتح باب جديد للنفق لاندلاع هبة شعبية حينها لكن الحفريات لم تتوقف قبل ذلك العام وبعده، حدثنا أكثر عن هذه الحفريات والأنفاق؟

الحفريات مستمرة ولم تتوقف حتى الآن في النفق الذي افتتح بابه عام 1996، ولا بد من التنويه إلى أن ما افتتح حينها هو باب للخروج، لأن زوار النفق قبل ذلك العام كانوا يدخلون ويخرجون من الباب ذاته، فتم افتتاح باب استخدم مخرجا لتسهيل حركة زوار النفق ومنع اكتظاظهم في ممراته الداخلية.

زرتُ النفق الغربي قبل 5 أشهر، ورأيت حفريات جديدة أعمق من المستوى الحالي للنفق بنحو 6 أمتار.

هناك حفريات قديمة تتجدد بشكل أفقي وعامودي في النفق الغربي، تماما كما في منطقة القصور الأموية المحاذية للمسجد الأقصى، في محاولة للعثور على ما لم يُعثر عليه في الحفريات السابقة.

خلال عمليات توسعة للنفق الغربي عام 1982 دخل العمال إلى سبيل قايتباي (أحد معالم المسجد الأقصى) ثم وصلوا عند باب المطهرة وحمام العين في سوق القطانين الملاصق للأقصى.

5-السور الجنوبي للمسجد الأقصى الملاصق للقصور الأموية(الجزيرة نت)
السور الجنوبي للمسجد الأقصى الملاصق للقصور الأموية (الجزيرة)
  • هل يمكن حصر عدد الأنفاق والحفريات؟ وكم تبلغ مساحات قاعاتها وممراتها؟

لا يمكننا الحديث عن رقم محدد للأنفاق لأن الكثير من الحفريات يدخل في إطار توسعة نفق معين، لكننا نتحدث بالتأكيد عن عشرات الحفريات.

نطلق على بعض الحفريات اسم "الحفريات المشتتة" كتلك التي تنفذ بين فترة وأخرى في مربعات معينة بمنطقة القصور الأموية، فهناك مثلا حفرية نشطة الآن في الجهة الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى أسفل زاوية المتحف الإسلامي، بالإضافة لحفريات نشطة في بلدة سلوان جنوب الأقصى منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى يومنا هذا.

بعض ممرات الأنفاق ضيقة، لا يتجاوز عرضها نصف متر وارتفاعها 180 سنتيمترا، ويصل عرض بعض القاعات 8 أمتار ويبلغ طولها 10 أمتار.

  • هل يمكن القول إن هذه الأنفاق تُشكل مدينة أسفل الأرض؟ وماذا يمكن أن يرى الزائر بداخلها؟

لا، لا يمكننا القول إنها مدينة بمفهوم مدينة كاملة، لكنها تضم قاعات للزيارة وأخرى للاحتفالات وكُنسا ومغطسا، إضافة لقاعات مزودة بحواسيب متطورة يسلط فيها الضوء على تاريخ الجذور اليهودية من خلال سرد قصص عن الدول التي انحدر وقدم منها اليهود.

  • ما خطورة الرواية التي تقدم داخل الأنفاق من خلال العروض الضوئية والفعاليات التي تُحاكي بناء الهيكل المزعوم؟

زرع وتثبيت الرواية اليهودية أمر ممتد من منتصف القرن 19 عن طريق المستكشفين الأجانب والصهاينة الذين جاؤوا برواية إعادة اكتشاف ما تسمى أرض التوراة، أو إعادة تطبيق التوراة جغرافيا، وهذه محاولة للي عنق النص دون الاستناد إلى أبحاث علمية تاريخية، وإنما على أساسات وفكر ديني مسبق يحاولون إثباته من خلال الوسائل البصرية والمسموعة.

كيف سيبررون احتلالهم لفلسطين إن لم يسيروا على هذا النهج؟ هم يبررون احتلالهم بادعاء تمسكهم وإحيائهم لتراث الأجداد والآباء، ولا يستثنى العلمانيون أيضا من التركيز على هذه النقطة.

حتى أسماء القرى العربية يدّعون دائما أنها أخذت من كلمة عبرية الأصل من زمن الأجداد، ليقولوا إنهم ليسوا محتلين ولا غرباء عن هذه الأرض.

تشققات في جدران منازل حي القرمي في البلدة القديمة بسبب الحفريات(الجزيرة نت)
تشققات بجدران منازل حي القرمي في البلدة القديمة بسبب الحفريات (الجزيرة)
  • ما أخطر الحفريات على المسجد الأقصى المبارك ومحيطه؟

لا شك أن الحفرية الموجودة في الجانب الجنوبي الغربي من الأقصى من أخطر الحفريات لأنها فعليا تؤثر على منطقة لم يتم تدعيمها ولا ترميمها منذ نحو ألف عام، أي من الفترة الصليبية وهي منسية تماما.

ومع تعاقب السنين تخلخلت الأساسات في هذه المنطقة مع تنفيذ الحفريات، مما أدى لتساقط الحجارة التي ظهرت عند قبة يوسف آغا، وهذه أخطر منطقة حاليا في المسجد.

ادّعى الإسرائيليون أنهم لم يعبثوا بهذه المنطقة، لكن المؤشرات تدلل على وجود حفريات بحكم وجود بيت خشبي صغير مغلق تتم الحفريات أسفله.

وهنا ننوه إلى أن الحفريات تتم بالعادة أسفل خيمة قماشية مكشوفة الأطراف، لكننا نتحدث هنا عن حفريات أسفل هذا البيت الخشبي، وبالتالي لا نعرف إلى أين وصلوا بها وإلى أين دخلوا.

  • تكررت مؤخرا حوادث تساقط حجارة من السور الجنوبي للمسجد الأقصى داخل مصلى الأقصى القديم، وقبل هذه الحوادث كانت التشققات واضحة في بنية الجهة الجنوبية من السور الغربي للمسجد، حدثنا عن العبث في التسوية الجنوبية الغربية؟

لا نعلم شيئا عن هذه التسوية سوى أنها تشابه المصلى المرواني (التسوية الشرقية) بلا شك.

ينخفض الصخر والأرض إلى نحو 20 مترا في هذه المنطقة، وهناك مجموعة من الأقواس والطبقات التي تحمل أرضية المتحف الإسلامي ومصلى النساء في المسجد الأقصى، فلوجود منحدر كبير في تلك المنطقة برزت الضرورة لوجود التسويات هذه ليُنشأ الأقصى على سطح مستو، وهذا نمط إنشائي الهدف منه حمل المباني.

لم يرد في التاريخين الإسلامي والصليبي -الذي حاول الحفر في المسجد الأقصى- ذكر هذه المنطقة فهي مجهولة التفاصيل، ومن هنا تنبع الخطورة، خاصة أننا لا نعرف لهذه التسوية مدخلا، على عكس المصلى المرواني الذي ورد ذكره واستخدم سابقا كمخزن وإسطبل للخيول.

سقوط الحجارة والتشققات تعطينا مؤشرات نتحدث من خلالها عن عمق الخطر، لكننا نجهل فعليا ما يجري أسفل الأرض في هذا المكان.

6-صورة للمدرسة التنكزية التي اقتطعت من المسجد الأقصى بالكامل وتضررت بسبب الحفريات(الجزيرة نت)
المدرسة التنكزية التي اقتطعت من المسجد الأقصى بالكامل وتضررت بسبب الحفريات (الجزيرة)
  • هل يمكن تعداد معالم المسجد الأقصى التي تضررت نتيجة الحفريات حتى الآن؟

معالم المنطقة الغربية من المسجد الأقصى هي الأكثر تضررا بدءا من أساسات المتحف الإسلامي والمدرسة العثمانية، التي سٌلبت بئرها وأصبحت جزءا من النفق، بالإضافة لرباط الكُرد الذي تشققت أرضيته وأقواسه ودعّاماته، ولم تسلم المدرسة التنكزية أيضا من التشققات.

  • تكرر حوادث سقوط الأشجار داخل ساحات المسجد الأقصى بات أيضا أمرا لافتا، هل لهذا صلة بالحفريات؟

هناك احتمالان إما أن لسقوطها صلة بالحفريات بالفعل، أو أن بعضها لا يعمر أكثر من 40 عاما فيسقط.

شجرتا قريش والصنوبر بعكس شجرة السرو تنموان بشكل مائل وجذورهما سطحية لا تضرب عميقا في الأرض، فلا تصمدان أكثر من 40 عاما بسبب النمو المائل، لكن الحركة أسفل الأرض والتخلخل الناتج عن الحفريات قد يساعد في سقوط هذه الأشجار دون أدنى شك.

7-حي القرمي في البلدة القديمة الذي تضررت منازله بسبب الحفريات السرية أسفله(الجزيرة نت)
حي القرمي في البلدة القديمة الذي تضررت منازله بسبب الحفريات السرية أسفله (الجزيرة)
  • بالتزامن مع الحفريات العلنية تُنفذ حفريات سرية لا يتم الإعلان عن تفاصيلها، حدثنا عن هذا النوع من الحفريات؟

هناك حفريات لا يعلن عنها كالحفرية التي تنفذ الآن والواقعة بين بابي العامود والساهرة، بالإضافة لحفريات داخل مغارة سليمان (مغارة الكِتّان) المغلقة منذ فترة ويلف الغموض مشروعا كبيرا داخل هذه المغارة التي رممت مرارا لكنها أغلقت الآن لتنفيذ حفرية سرية.

حفرية سرية أخرى تقع أسفل حي القِرمي في البلدة القديمة، وأدت لتصدع منازل المقدسيين هناك دون النشر عن تفاصيلها.

هناك حفريات سرية قديمة وأخرى جديدة نسمع عنها ونرى آثارها، لكن لا يمكننا معرفة مدى خطورتها وتفاصيلها.

  • الأعياد اليهودية تنطلق هذا العام بالتزامن مع ذكرى هبّة النفق، ما قراءتك لهذا الموسم الذي تسعى جماعات الهيكل المتطرفة خلاله لتحقيق مكاسب جديدة؟

سيتم التضييق على المصلين، خاصة فئة الشباب عبر عدم السماح لمن هم دون 50 عاما بالدخول إلى المسجد، ومقابل ذلك ستسعى جماعات الهيكل لإدخال عدد كبير من المقتحمين في كل مجموعة، مما يربك عمل الحراس الذين لا يتجاوز عددهم 20 حارسا في المناوبة الواحدة، وهذا سيساعد المتطرفين بالتأكيد على تسجيل انتهاكات جديدة.

المصدر : الجزيرة