لسد الفجوة بين التعليم المدرسي والجامعي.. طالبات مقدسيات يحلقن في فضاء البحوث العلمية

يهدف المشروع إلى مساعدة الطلبة المنخرطين فيه على تعزيز قدراتهم البحثية لتسهيل قبولهم في أي جامعة بالعالم. وتمكنت عدة طالبات مقدسيات شاركن به من الحصول على قبول في جامعات ألمانية، بفضل توصية المشرفين على المشروع.

2-أسيل جندي، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، طالبات مدرسة راهبات الوردية في القدس يقفن أمام أبحاثهن للشرح عنها أمام الحضور(الجزيرة نت)
طالبات مدرسة راهبات الوردية في القدس يعرضن خلاصة أبحاثهن في مشروع "تو بي" (الجزيرة)

القدس المحتلة- على مدار شهر كامل توجهت عشرات الطالبات من مدرسة راهبات الوردية الثانوية بالقدس نحو جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، لعرض أبحاثهن العلمية في مركز علم الأعصاب التابع لكلية الطب.

وشهد المركز عرض 37 بحثا في مؤتمر شاركت به الطالبات المقدسيات وزميلات لهن قدِمن من قرية "البعينة- نجيدات" في الجليل الأسفل بالداخل الفلسطيني (فلسطينيو 48).

وتحدثت الطالبات بطلاقة عما أنجزنه وتعلمنه، بدءا من تحليل المقالات العلمية وتلخيصها، مرورا بالعمل في مختبرات علم الأعصاب بالجامعة، وانتهاء بعرض بحث علمي أمام الحضور.

4-طالبة من راهبات الوردية تشرح للحضور عن البحث العلمي الذي عملت عليه(الجزيرة نت)
إحدى الطالبات المقدسيات تشرح للحضور البحث العلمي الذي عملت عليه (الجزيرة)

بعيدا عن مشاريع التطبيع وكي الوعي

وتناولت الطالبة المقدسية ريماس سيد (14 عاما) لزائري محطتها سؤال فريقها البحثي عما إذا كان الشكل البشري الذي يرسمه الأشخاص على الورق ذا علاقة بمقياس الذكاء لديهم.

وبعد تمحيص، اعتمد خلاله الفريق على بحوث علمية سابقة، خلصن إلى نتيجة أنه ليس لآليات رسم الأشخاص على الورق علاقة بمقياس الذكاء لدى البشر.

وعرضت الطالبات المقدسيات أبحاثهن باللغتين الإنجليزية والعربية. وقالت الطالبة ريماس سيد إنها اختارت الانضمام لبرنامج "تو بي" (TO BE) في جامعة النجاح بنابلس، لأن خيارات الأنشطة المطروحة للطلبة في مدينة القدس كثيرة، لكن القليل منها يمكن الانضمام إليه، ولضمان عدم صبه في خانة "التطبيع وكي الوعي".

11-الطالبة المقدسية جنى القطب (الجزيرة نت)
بحث الطالبة المقدسية جنى القطب تمحور حول الساعة البيولوجية للإنسان (الجزيرة)

سد الفجوة بين التعليم المدرسي والجامعي

أما الطالبة جنى القطب (13 عاما)، فتمحور بحثها مع فريقها عن الساعة البيولوجية للإنسان، وقالت للجزيرة نت إن كل طالب يحتاج في مرحلة عمرية معينة لاكتساب مهارات البحث العلمي، لأن ذلك سيذلل الصعوبات أمامه في حياته الجامعية القادمة.

وليس ببعيد عنها، قالت الطالبة المقدسية سوار دعنا (15 عاما)، التي اجتازت المستويين الأول والثاني من مشروع "تو بي"، إن هذا المشروع ساعدها في تحديد وجهتها الجامعية أكثر، خاصة أنها تطمح إلى أن تصبح طبيبة متخصصة في علم الأعصاب كوالدها.

وأضافت أن "هذا البرنامج يدمج بين التعليم والترفيه، فمن ناحية تعلمنا كيفية تمييز الأبحاث العلمية وتصنيفها حسب المجلات العالمية، ومن ناحية أخرى مارسنا هواياتنا في التشريح باستخدام أداوت تشريحية مخبرية لفهم الجهاز العصبي المركزي".

مهارات خارج صندوق المنهاج

ويرفض الأستاذ المشارك في جامعة النجاح الوطنية ومؤسس هذا المشروع المقدسي محمد قنيبي فكرة إجبار طلبة المدارس على تلقي المنهاج المحدد في الكتب المدرسية فقط، مؤكدا ضرورة إطلاق العنان لعقولهم والسماح لهم بالتفكير خارج الصندوق بعد إكسابهم مهارات التفكير والبحث العلمي.

وكانت مدرسة راهبات الوردية الثانوية في القدس المدرسة الأولى التي تعاقدت مع جامعة النجاح الوطنية عام 2019 لإطلاق هذا البرنامج، فانخرطت الطالبات على مدار الأعوام الأخيرة بتعلم مهارات البحث العلمي خلال مساق داخل مدرستهن.

وفي العطلة الصيفية، يتم استيعابهن بمختبرات علم الأعصاب في الجامعة لإجراء التجارب العلمية التي استُهدفت بها الطالبات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 12 و17 عاما.

3-أسيل جندي، جامعة النجاح، نابلس، الحضور يطلعون على محتى الأبحاث العلمية التي تحدثت عنها الطالبات من عمر 12 عاما حتى 17 عاما(الجزيرة نت)
الحضور يطلعون على محتوى الأبحاث العلمية التي أنجزتها طالبات أعمارهن بين 12 و17 عاما (الجزيرة)

صناعة باحثين

ويهدف المشروع إلى مساعدة الطلبة المنخرطين فيه على قبولهم في أي جامعة بالعالم، خاصة الجامعات الأميركية والأوروبية. وأكد قنيبي أنه تم قبول طالبات مقدسيات في جامعات ألمانية بعد مشاركتهن في المشروع بمستوياته الثلاث، وحصولهن على توصية منه، كونه باحثا ينشر من 4 إلى 6 أبحاث سنويا في المجلات العلمية العالمية.

وفي المستوى الأولى للمشروع، يتعلم الطلبة إجراءات الأمن والسلامة في المختبرات وكيفية تحضير المحاليل، وبعدها ينتقلون إلى مرحلة زراعة الخلايا واستخراجها وإعادة إحيائها وحفظها، وتتوج تجاربهم بتشريح الفئران.

وفي المستوى الثاني، ينكب الطلبة على زراعة الخلايا السرطانية واستخدام أدوية مختلفة للتأثير عليها وفحص وقياس تأثيراتها. كما يتدربون على زراعة الحمض النووي (DNA) في نواة الخلية، واستخراج الخلايا العصبية منها.

أما في المستوى الثالث والأخير، فيصل الطلبة إلى مرحلة كتابة رسالة بحثية من خلال الدراسات والمقالات العلمية التي تعلموا تحليلها، بالإضافة لإتقانهم من الناحية العملية تشريح دماغ فأر إلى شرائح متعددة وقياس التيار الكهربائي بها.

يقول البروفيسور قنيبي "نريد من الطلبة أن يدخلوا إلى التخصصات المختلفة بتفكير بحثي، لأن هذا ما سيميزهم عن غيرهم. فالطبيب الماهر لا يوصلنا لأماكن بعيدة في الطب، على عكس الطبيب الباحث الذي يكتشف العلاج للأمراض، وهذا ما نسعى لغرسه في طلبتنا".

لم تكن طريق قنيبي مفروشة بالورود حتى وصل إلى ما طمح إليه، ويؤكد أن الطريق ليست كذلك أمام طالباته المقدسيات كونهن يعشن في واحدة من أقسى مدن العالم وأعقدها ظروفا. لكن، مع مواكبته لمسيرتهن في فضاء البحوث العلمية، يجزم أن الظروف القاسية شحذت هممهن ودفعتهن للتحليق في عالم الإبداع بل والابتكار.

المصدر : الجزيرة