أنتج 20 كتابا ومئات المقالات.. عزيز العصا: خلفيتي الفيزيائية أهّلتني للكتابة عن القدس

فلسطين-العبيدية-جمان أبوعرفة-الجزيرة-جمع عزيز العصا بين حب الفيزياء والكتابة الصحافية والأدبية منذ نعومة أظفاره الجزيرة
عزيز العصا جمع بين حب الفيزياء والكتابة الصحفية والأدبية منذ نعومة أظفاره (الجزيرة)

القدس المحتلة- كان عزيز محمود العصا طفلا تستهويه قصاصات الجرائد في طريق المدرسة، كان يقرأ بشغف كل شيء حتى ما كُتب فوق علب الدخان والأغلفة الملقاة، ورغم نشأته لأبوين أميين وفي بيت يخلو من الكتب والأقلام، إلا أنه أسس لذريته مكتبة تضم أكثر من 8 آلاف كتاب، بينها العشرات من تأليفه وتحريره.

درس العصا علوم الفيزياء ودرّسها، لكنه اتجه بعد تقاعده عام 2013 إلى الكتابة والتأليف في الدين والتاريخ والثقافة والنقد الأدبي، ويقول للجزيرة نت "فطرت على القراءة والكتابة منذ صغري، وحين أتقنت الفيزياء أتقنت كل شيء فهو علم التفكير والمنطق، وعند تقاعدي حملت القلم بعد الطبشورة، فحظيت بشخصية علمية أدبية مركبة".

فلسطين-العبيدية-جمان أبوعرفة-الجزيرة نت-شكلّ عام التقاعد نقطة تحول جديدة في حياة عزيز العصا الجزيرة
شكّل التقاعد نقطة تحول جديدة في حياة عزيز العصا (الجزيرة)

أثر "العبيدية"

كان لموطن العصا الأثر الكبير في شخصيته، فقد ولد عام 1955 في قرية العبيدية جنوب شرق القدس، ودرس في مدارسها، حيث تُعرف بإطلالتها المباشرة والواضحة على المسجد الأقصى والبلدة القديمة، وآثارها التي سبق بعضها ظهور الإسلام.

"كان والدي المسن يحدثني دائما عن القدس، فقد ارتبطت العبيدية إداريا وتاريخيا بها، حتى فصلهما الاحتلال بجداره"، يقول العصا ذلك وهو ينظر من نافذة بيته نحو المشهد الذي يتباهى به أمام أصدقائه من فلسطين وخارجها، كما أخبرنا.

علم وتعليم

حظي عزيز العصا بمنحة لدراسة الفيزياء في بغداد عام 1975، ثم عاد بعد 4 سنوات إلى فلسطين، ليعمل مدرّسا في مدينة أريحا، ويبدأ عام 1980 رحلة التدريس في القدس بتكليف من المربيَين المقدسيين حسني الأشهب ونهاد أبو غربية، حيث درّس أولا في مدرسة الأقباط، ثم الكلية الإبراهيمية التي أنشأ مختبر الفيزياء فيها.

انتقل العصا عام 1985 إلى الأردن لينال درجة الماجستير في تخصص "الإلكترونيكس"، ودرجة الدبلوم العالي في التأهيل التربوي من الجامعة الأردنية. كما درّس خلالها في الكلية القادسية، والمدرسة الوطنية الأرثوذكسية، وكلية القدس، وعمل محاضرا (غير متفرغ) في الجامعة الأردنية.

فلسطين-العبيدية-جمان أبوعرفة-الجزيرة نت-اندمج عزيز العصا في مؤسسات القدس الثقافية ومثلها عبر العديد من المؤتمرات في الدول العربية الجزيرة
اندمج عزيز العصا في مؤسسات القدس الثقافية عبر العديد من المؤتمرات في الدول العربية (الجزيرة)

التقاعد ونقطة التحول

بعد الأردن، عاد عزيز العصا للتدريس في الكلية الإبراهيمية بالقدس عام 1992، كما عمل محاضرا في جامعة القدس المفتوحة، ومدارس حكومية فلسطينية في مدينة بيت لحم، وترأس حتى عام 1999 قسم التعليم الأساسي في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، لينتقل بعدها للعمل في وزارة الاقتصاد الفلسطينية، وتحديدا في الإدارة العامة لدمغ ومراقبة المعادن الثمينة. وفي مطلع عام 2013 تقاعد عن العمل، وقد شكل ذلك نقطة تحول جديدة في حياته.

ولم يكن عام 2013 بداية عهد العصا بالكتابة الصحفية، فقد كتب منذ عام 1981 في بعض الصحف الفلسطينية كالمنار والميثاق، وبعد 34 عاما من التدريس بدأ بنشر عشرات المقالات سنويا -جلها عن القدس- في عدة صحف ومجلات أبرزها صحيفة القدس التي نشر فيها أكثر من 370 مقالا، ومجلات الإسراء، وأوراق فلسطينية، وشؤون فلسطينية.

ومن أبرز الأوراق والمقالات المحكّمة التي كتبها العصا كانت: "العثمانيون والمسجد الأقصى الشريف في القرن الـ16 في ضوء سجلات محكمة القدس الشرعية"، و"دير مارسابا طليعة الأديرة المقدسية"، و"مخطوطات المكتبات الإسلامية في القدس"، و"الأوقاف في القدس حضارة وهوية، مكتبات الوقف الذري في القدس الخالدية أنموذجا"، و"المقدسيون في مواجهة التهويد.. هموم وقضايا المصلين المسلمين".

عشرات الكتب بين تأليف وتحرير

وإلى جانب المقالات أنتج العصا أكثر من 20 كتابا بين تأليف وتحرير، وكانت باكورة مؤلفاته كتاب "فلسطينيي 48، إجماع على الوطن، اختلاف على التسميات"، وشارك مع الأكاديمي عماد الخطيب في تأليف كتاب "مقدسيون صنعوا تاريخا"، كما ألف كتبا أخرى منها "أنطون الشوملي، شاعرا وكاتبا وناقدا"، و"أمين المنبر"، و"مخطوطات القدس ومكتباتها، تراث أمة وهوية شعب"، و"حسن مصطفى، تجربة حياة"، و"نفحات من رحاب الأقصى".

فلسطين-العبيدية-جمان أبوعرفة-الجزيرة نت-كان لقرية عزيز العصا العبيدية الأثر الكبير في تكوين شخصيته وحبه للقدس التي تطل عليها الجزيرة
كان لقرية عزيز العصا "العبيدية" الأثر الكبير في تكوين شخصيته وحبه للقدس (الجزيرة)

علاقة وثيقة بأمين المنبر

ألّف العصا كتاب "أمين المنبر" عام 2020 (صدر بـ10 لغات) عن خطيب المسجد الأقصى ورئيس الهيئة الإسلامية العليا عكرمة صبري، حيث جمعتهما علاقة وطيدة يصفها العصا قائلا "لا يمر يوم دون أن نتحادث".

وكان الشيخ صبري ضم العصا عام 2016 إلى صفوف الهيئة الإسلامية العليا في القدس، حيث كتب العديد من المقالات في نشرة "صوت الهيئة"، وحرر العديد من الكتب الصادرة عن مؤتمرات الهيئة الأكاديمية بين عامي 2017 و2022، أبرزها كتاب "القدس والأقصى خطوة في الاتجاه الصحيح"، و"الحقوق الشرعية والقانونية للأوقاف المقدسية".

اندماج في مؤسسات القدس

ازداد عطاء العصا خلال جائحة كورونا، فاشترك مع الشيخ صبري في تنظيم أكثر من 40 فعالية ثقافية عن بعد تحت عنوان "القدس تواجه الكورونا بالثقافة والتثقيف". كما ساهم مع آخرين عام 2021 في إعداد كتاب "نادي الموظفين في القدس سيرة ومسيرة بالكلمة والصورة"، وهو النادي الذي يترأس دائرته الثقافية منذ عام 2016، ونظم فيه نحو 150 فعالية ثقافية.

شغل العصا منصب أمين سر اتحاد الجمعيات الخيرية في القدس لمدة 8 سنوات، وشارك باسم القدس في العديد من المؤتمرات في الوطن العربي مثل المغرب وتونس والأردن، كما انضم عام 2018 إلى معهد القدس للدراسات والأبحاث، وعمل برفقة المؤرخ يوسف النتشة على تأليف مجلد "مدخل إلى الموسوعة الوقفية المقدسية" والذي سيرى النور قريبا.

لا أفرّق بين أبنائي وكتبي

تحدث الكاتب العبيدي مطولا عن مؤلفاته بشغف، قائلا إن كتبه كأبنائه لا يفرق بين أحد منهم، فيتقن تسميتها وإخراجها بأفضل شكل. وقد رزق العصا 6 أبناء من زوجته التي قال عنها "أحببت أم فادي، أحببتها كثيرا، أنجبت منها ابني البكر وقرة عيني فادي عام 1982، ثم رانيا وصهيب ومحمد ومآب ووتين، ولي منهم 19 حفيدا"، وتحدث الرجل للجزيرة نت بفخر وحب عن أبنائه وتخصصاتهم العلمية، التي تنوعت بين الصحافة والإعلام وتكنولوجيا المعلومات والفيزياء الطبية.

وقبل الفيزياء والتأليف، شغلت السياسة والنضال حيزا كبيرا في حياة العصا، حيث كان من النشطاء والقيادات الفلسطينية الفاعلة خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، وتعرض للاعتقال والتضييق تارة، وعرقلة السفر تارة أخرى.

فلسطين-العبيدية-جمان أبوعرفة-الجزيرة-أنتج عزيز العصا أكثر من 20 كتابا بين التأليف والتحرير معظمهم عن القدس وقضاياها الجزيرة
أنتج العصا أكثر من 20 كتابا بين التأليف والتحرير معظمها عن القدس وقضاياها (الجزيرة)

القدس تحفزني

رغم حواجز الاحتلال وجداره الفاصل، يحرص العصا على زيارة القدس والمسجد الأقصى 4 مرات أسبوعيا، ويقسم قائلا "لو دخلت القدس كل يوم 10 مرات أراها كل مرة بنظرة جديدة، مدماك حجري واحد يتكون من حجارة مختلفة التاريخ والأصل، القدس هويتي، ورؤيتها من نافذة بيتي يمنحني طاقة وحافزا للكتابة".

سألنا الرجل الستيني عن حلمه ومخططه القادم فقال بهمة عشرينية "طالما أن العين ترى والأذن تسمع والأصبع يتحرك، سأستمر في الكتابة، حتى لو أقعدت أعضاء جسمي الأخرى. أطمح قبل مغادرة الدنيا أن أكتب بشمولية عن المخزون التراثي والحضاري المقدسي، فالقدس ليست كأي مدينة".

المصدر : الجزيرة