"الشيخ جرّاح" بالقدس سجنٌ كبير.. ضحاياه سكان عزل وسجانوه متطرفون مسلحون
يقول أهالي حي الشيخ جراح إنهم يفرضون على أبنائهم حظر التجول مع حلول الظلام، ولا يخرجون نهارا إلا للضرورة، كما أنهم يتناوبون على حماية المنازل من أي اقتحام أو اعتداء مفاجئ.

القدس المحتلة- في شقيْه الشرقي والغربي، لا ينعم سكان الشيخ جراح بالهدوء نهارا ولا بالنوم ليلا، فالجميع في هذا الحي يعيشون حالة من القلق والترقب لأي حادث مفاجئ يقلب حياتهم رأسا على عقب.
وفي الأسابيع الأخيرة تكررت اقتحامات المستوطنين المتطرفين الاستفزازية للحي، الواقع وسط القدس، وقاد الوفود المقتحمة كل من عضو الكنيست المتطرف إيتمار بن جفير وأرييه كينج نائب رئيس بلدية الاحتلال.
وأثناء تنظيم جولاتهما في الحي، يدعي المتطرفان بن جفير وكينج أن المستوطنين اشتروا عقارات وأراضي المقدسيين، وأنهم يسعون حاليا لإخلاء المنازل بهدف بناء مشاريع ووحدات استيطانية مكانها، ويجري ذلك على مرآى ومسمع أهالي الحي.
ومن الشق الغربي للشيخ جراح، والمعروف بـ"أرض النقاع"، بدأت الجزيرة نت جولتها، حيث التقت بالمقدسي محمود السعو، الذي وضع طاولة وعددا من الكراسي حولها في الشارع.
ويجلس الرجل خارج منزله غير آبه ببرودة الطقس، يرتشف القهوة ويلتفت يمينا ويسارا خاصة وأن أفرادا من جيش الاحتلال وشرطته يقتحمون منزله كل بضع ساعات للتأكد من أن اثنين من أبنائه يخضعان لعقوبة الحبس المنزلي ولم يخرقاها.
عن تفاصيل الحياة اليومية في الحي، يقول السعو "وظيفتي هي الحراسة، أجلس أمام المنزل تحسبا لأي طارئ.. أبنائي اعتُقلوا عدة مرات بسبب ادعاءات كاذبة من أحد المستوطنين الذين يسكنون بالحي، وآخر هذه الادعاءات اتهامهم بحرق سيارة مستوطن".
تضييق وملاحقة
وحول تصاعد استفزازات المستوطنين لأهالي الحي، أكد السعو أنها تأتي في سياق رفض الأهالي العروض المالية المغرية التي عرضت عليهم مقابل إخلاء منازلهم، فلم يبق أمام المستوطنين فرصة لتهجيرهم بشكل طوعي سوى تصعيد العربدة والأعمال الاستفزازية.
وأضاف "عرض عليّ إيتمار بن جفير إخلاء منزلي مقابل مليوني دولار لكنني رفضت ذلك بالتأكيد، وها هو يقتحم الحي مسلحا بشكل مستمر والشرطة التي ترافقه تقول لنا إنه عضو كنيست يتمتع بالحصانة ويمكنه التجول والدخول أينما شاء".
أما نجله معتز السعو (19 عاما) فيتجوّل في ساحة المنزل الداخلية الضيقة، وينتظر مرور الساعات ليتحرر من الحبس المنزلي الذي فرض عليه لأيام بعد إطلاق سراحه مؤخرا.

وقال السعو الابن للجزيرة نت "اعتُقلت 6 مرات حتى الآن، فالمستوطن الذي يعيش في البؤرة الاستيطانية المجاورة يتعمد البصق علينا وتصويرنا وتصوير نساء الحي بهاتفه يوميا، ثم يسارع لتقديم شكاوى ضدنا ونُعتقل وتُفتح لنا ملفات أمنية ونُعاقب دون ذنب".
خرجنا من منزل هذه العائلة باتجاه الشطر الشرقي المعروف بـ"كرم الجاعوني"، وفي طريقنا التقينا بالشاب محمد بدر الذي بدا منفعلا ويائسا من إمكانية أن يعيش سكان الشيخ جراح حياة طبيعية.
سرد بدر تفاصيل عدة حوادث كان شاهدا عليها من بينها اعتقال 12 طفلا من الحي دون ذنب بعد اتهامهم بحرق سيارة المستوطن، في حين لم يعتقل أي مستوطن قبل أسابيع عندما هاجموا الحي ليلا وحطموا زجاج معظم مركبات السكان وأعطبوا إطاراتها.
يؤكد الشاب أن الوضع يزداد الآن سوءا مع اقتحام قادة المتطرفين الحي، ومع استعانة المستوطنين أنفسهم بحراس مسلحين خلال تنفيذ اعتداءاتهم على السكان وممتلكاتهم.

مسلوبو الحرية
ويجمل محمد بدر حياتهم اليومية بالقول إنهم لا يخلدون إلى النوم سوى لساعات قليلة، وإن الأطفال يعيشون أزمة نفسية صعبة، ويضطر أهاليهم لاصطحابهم إلى المدارس وإعادتهم منها خوفا من تعرضهم لأي أذى إذا غادروا المنازل وحدهم.
وتراقب ابنة الحي نهى عطية، التي تسكن في الشطر الشرقي، حفيديها جمال وسلمى وهما يلعبان في ساحة المنزل، وبمجرد فتحها البوابة الحديدية حاول الطفلان الخروج لكنها منعتهما، وقالت "أحرق المستوطنون الفتى محمد أبو خضير قبل سنوات، ما الذي سيمنعهم الآن من تكرار جريمتهم في الشيخ جراح؟ خاصة وأن الاعتداءات مستمرة على مدار الساعة".
وتقول نهى عطية إن الأهالي يفرضون على أبنائهم حظر التجول مع حلول الظلام ولا يخرجون نهارا إلا للضرورة، كما أنهم يتناوبون على حماية المنازل من أي اقتحام أو اعتداء مفاجئ.
ورغم المضايقات المتصاعدة، فإنها أكدت أن ذلك "لن يزيدنا إلا قوة وثباتا وتعلقا بمنازلنا المهددة بالإخلاء لصالح المستوطنين".

وعلى مقربة من منزل نهى عطية، يعيش صالح ذياب الذي اعتدى عليه المتطرف بن جفير كلاميا قبل يومين في الحي، وقال له مرارا "أنت إرهابي".
يقول ذياب إنه منذ رفض العائلات بالإجماع التسوية التي اقترحتها المحكمة الإسرائيلية العليا في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تصاعدت الهجمة عليهم بشكل كبير وغير متوقع.
واقترحت المحكمة على الأهالي اعتبارهم مستأجرين محمين لفترة زمنية، والتوصل إلى تسوية مع المستوطنين، إلا أن أهالي الحي رفضوا هذا العرض.
ويقول ذياب "يتطاولون علينا ويستهدفون الجميع بالبصق والشتائم والتصوير بشكل مستفز، وبُعيد الاقتحام الأخير لبن جفير تم تثبيت كاميرات مراقبة جديدة باتجاه منازلنا، مما ينتهك خصوصيتنا بشكل كبير".