بين البراق والأقصى.. الاحتلال يشرع بأعمال ترميم الجسر الخشبي

الأعمال الإنشائية الحالية تهدف إلى وضع عوارض خشبية سميكة تصلح أساسات للجسر بشكل يسمح بتوسيع ممره وبتحمله أوزانا ثقيلة، فيستطيع الجسر بذلك استيعاب أعداد أكبر من المقتحمين.

3-ساحة البراق وخلفها المسجد الأقصى ويظهر اجسر الخشبي الذي يدخل منه المقتمون إلى الأقصى عبر باب المغاربة(الجزيرة نت)
ساحة البراق وخلفها المسجد الأقصى ويظهر الجسر الخشبي الذي يدخل منه المقتحمون عبر باب المغاربة (الجزيرة)

القدس المحتلة- نصبت سلطات الاحتلال الجسر الخشبي الموصل إلى تلة المغاربة بعد انهيار التلة عام 2004 بسبب عاصفة ثلجية، وكانت هذه التلة هي الممر الواصل بين باب المغاربة في سور المدينة وباب المغاربة في سور المسجد الأقصى.

كان هذا الممر جزءا من إنشاءات حارة المغاربة قديما، لكن جرافات الاحتلال هدمت الحارة فور احتلال القدس عام 1967، ثم هدمت الخانقاه (الخلوة) الفخرية المتصلة بها من جهة الجنوب عام 1969، فبقي هذا الممر منفردا وبات يعرف منذ ذلك الحين بـ"تلة المغاربة".

بعد انهيار هذا الممر، شكلت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) لجنة خبراء في الهندسة والآثار والتاريخ، عاينت بدورها التلة وأصدرت تقريرها، موضحة أنها في أساسها إنشاء بشري وليست تلة طبيعية، وبالتالي كانت تتطلب الصيانة والترميم، وهو ما لم يسمح به الاحتلال الذي تعمد تركيب مظلات حديدية ذات أساسات إسمنتية صيف عام 2003، مما شكّل عبئا إضافيا على أساسات التلة، وكان السبب المباشر الذي جعلها آيلة للسقوط.

تسهيل الاقتحامات

ومع استئناف سلطات الاحتلال مؤخرا أعمال ترميم الجسر الخشبي المؤدي إلى المسجد الأقصى المبارك عبر باب المغاربة، قال الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص إن التسبب بانهيار تلة المغاربة لم يكن أمرا بريئا بالنظر إلى المآلات، لأن وضع الأحمال الإضافية عليها تزامن مع فتح باب الاقتحامات بقرار قضائي في يونيو/حزيران 2003.

ويضيف ابحيص أن سلطات الاحتلال وظفت انهيار التلة لإعادة هندسة الدخول إلى الأقصى، فأقامت جسرا خشبيا يصل بين ساحة البراق التي خصصها الاحتلال لصلاة اليهود بباب المغاربة أعلى سور الأقصى، في حين أن التلة كانت سابقا تصل باب المغاربة في سور المدينة بباب المغاربة في سور المسجد، وكان هذا الجسر الخشبي البنية التحتية الأساسية التي كان يتم منها دخول كل المستوطنين الذين اقتحموا المسجد الأقصى على مدى 18 عاما.

وأكد الباحث المقيم في الأردن أن الاحتلال كان يصبو إلى تأسيس جسر معدني دائم مكان الجسر الخشبي، وجرف أتربة تلة المغاربة متعمدا تخريب مصلى يعود للعهد الأيوبي كان مطمورا تحتها، ومع انكشاف الأساسات الحجرية الأيوبية للتلة، تمكن الأردن والمجموعة العربية والإسلامية عبر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) من الضغط على الاحتلال لوقف تدمير الآثار في المنطقة، وطلبت المنظمة من الطرفين تقديم مشروعاتهما، ولم يتم الاتفاق على مشروع حتى الآن.

حاول الاحتلال -وفقا لابحيص- فرض بناء جسر حديدي في 2007، ثم استبدله بمخطط لجسر خشبي دائم أكبر حجما من الجسر الحالي في 2012، واضطر إلى التراجع في المرتين، وكان تعطيل مشروع الجسر الدائم في باب المغاربة من الأسباب التي أدت إلى انسحاب إسرائيل من اليونسكو في وقت لاحق.

وحول استئناف أعمال الترميم الأخيرة، قال ابحيص إن الضغط لتغيير الجسر يأتي اليوم من جماعات الهيكل المتطرفة التي شكل منعها من اقتحام الأقصى يوم 28 رمضان الفائت ندبة غائرة في وعيها، ولم تتمكن من تخطي مشهد أفرادها وهم محجوزون عند المدخل السفلي للجسر لا يستطيعون تجاوزه، فتبنوا أجندة تغيير الجسر وتوسيعه باعتبارها أجندة أولى، بحيث يصبح قادرا على احتمال وزن الآلاف منهم، ويتحول الجسر بذاته إلى منطقة الانتظار والحشد للاقتحامات عوضا عن الساحة السفلية.

وأضاف "بلغة أخرى، فإن الهدف هو زيادة قدرة المتطرفين الصهاينة على اقتحام الأقصى، وتقليل إمكانية حجزهم خارج الأقصى إن أرادوا دخوله عنوة وكسر حاجز شرطة الاحتلال".

يذكر أن تغيير الجسر الخشبي كان موضوع المؤتمر السنوي لهذه الجماعات في الكنيست، والذي عُقد في 13 يوليو/تموز الماضي، كما رفعت هذه الجماعات قضية إلى المحكمة الإسرائيلية العليا في الشهر ذاته تطالب فيها بإلزام الحكومة بتغيير الجسر لأنه يشكل خطرا على السلامة العامة.

وختم الباحث ابحيص حديثه للجزيرة نت، بقوله إن الأعمال الإنشائية الحالية تهدف إلى وضع عوارض خشبية سميكة تصلح أساسات للجسر، بشكل يسمح بتوسيع ممره وبتحمله أوزانا ثقيلة، فيستطيع الجسر بذلك استيعاب أعداد أكبر من المقتحمين ويصبح مؤهلا في الوقت ذاته لأن يصبح ساحة تجمّعهم قبيل تنفيذ الاقتحامات.

عكرمة صبري رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى المبارك(الجزيرة نت)
عكرمة صبري رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى المبارك (الجزيرة)

صمت إزاء الانتهاك الجديد

بدوره، عقّب رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى المبارك عكرمة صبري على الشروع بترميم الجسر الخشبي المؤدي للمسجد الأقصى بتأكيده على أن الطريق المؤدية لباب المغاربة هي وقف إسلامي وجزء لا يتجزأ من الأقصى، وأن ما يجري هو اعتداء على صلاحية الوقف الإسلامي بالترميم والصيانة.

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن هذه الإجراءات العدوانية لن تعطي اليهود أي حق في باب المغاربة، "ونؤكد على حقنا في استرداد مفاتيح الباب الذي اغتصبه الاحتلال فور احتلال المدينة".

وحول آلية التحرك اللازمة ضد الانتهاك الجديد، أكد الشيخ عكرمة أن الحراك يجب أن يكون سياسيا دبلوماسيا رسميا بمبادرة من المملكة الأردنية بشكل خاص والدول العربية والإسلامية بشكل عام، بالإضافة لضرورة تحرك منظمة اليونسكو التي تهتم بالتراث والآثار لتمنع بدورها سلطات الاحتلال من تغيير المعالم في منطقة باب المغاربة.

وفي الإطار ذاته، أصدرت مؤسسة القدس الدولية بيانا جاء فيه أن سكوت الأردن على تدخل الاحتلال المستمر في أعمال الترميم التي تقوم بها دائرة الأوقاف الإسلامية، وصولا إلى منعها إلا بإذنه، أدى إلى هذا التمادي الذي جعل الاحتلال لا يكترث بموقف الأردن صاحب الحق الحصري في صيانة المسجد وترميمه.

ووفقا للبيان، فإن المؤسسة تنظر بعين الخطورة إلى صمت الأردن عن انتزاع حق الترميم والبناء والصيانة منه في المسجد الأقصى، وترى أنه مقدمة للتفريط بإدارة شؤون المسجد ورعايته.

وأشار البيان إلى أن الاحتلال الإسرائيلي اضطر عام 2014 مرغما على تفكيك منحدر خشبي بُني جزئيا وكان سيحل محل الجسر، وذلك بعد ضغط أردني شديد تزامن مع تصعيد فلسطيني شعبي مؤثر في وجه الاحتلال، وأمر آنذاك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإزالته.

المصدر : الجزيرة