يعيش مواجهة يومية مع الاحتلال.. تعرف على حي "بئر أيوب" جار الأقصى

سُمّي الحي بهذا الاسم نسبة إلى بئر تقع بجوار المسجد كان سكان البلدة والقرى والمدن المجاورة يعتمدون عليها للتزود بمياه الشرب، قبل أن يجفف الاحتلال البئر ويحول مياهها إلى منطقة النبي داود لمصلحة السكان اليهود فقط.

،بئر أيوب صورة عامة من حي بئر أيوب في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى
حي بئر أيوب في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى يعيش مواجهة يومية مع الاحتلال (الجزيرة)

القدس المحلتة – تشتعل المواجهات الليلية في حي بئر أيوب (أحد أحياء بلدة سلوان) منذ نحو شهر، ويعيش السكان حياة قاسية لا يسمعون فيها مع حلول الظلام سوى أصوات القنابل الصوتية والرصاص المعدني المغلف بالمطاط، ولا يستنشقون سوى الغاز المدمع والمياه العادمة.

في جولة للجزيرة نت في الحي المشتعل عصرا بدت الحركة راكدة، فقلّما يصادف الزائر مشاة في الشارع، واقتصرت الحركة على السيارات المتنقلة بين أحياء البلدة البالغ عددها 12 حيّا.

ليس هذا فحسب، بل تقف الأمهات أمام أبواب منازلهن بانتظار أطفالهن في حال توجهوا للشراء من الدكاكين المجاورة، خوفا عليهم من اندلاع مباغت للمواجهات مع جيش الاحتلال.

الهدوء الحذر يخيم على المكان استعدادا للموعد اليومي للمواجهات، ولذلك يستغل محمد عودة، وهو صاحب معمل لمواد البناء في الحي، ساعات الهدوء لإنجاز العمل قبل حلول الظلام.

تحدث هذا المقدسي للجزيرة نت لكنه كان مشتتا فتارة يتابع سير العمل مع العمال لضمان تلبية طلبات الزبائن، وتارة أخرى ينغمس في أخبار الهدم والإخلاء المتتالية في البلدة، وبين هذا وذاك يحدق في الشاشة أمامه لمتابعة كاميرات المراقبة التي ترصد المعمل وما حوله، خوفا من أي طارئ قد يحدث.

سلوان ئر أيوب صورة عامة يظهر بها مسجد الحي الذي يحتضن البئر التاريخية(الجزيرة نت)
مسجد حي بئر أيوب في سلوان بالقدس الذي يحتضن البئر التاريخية (الجزيرة)

المنزل ومكان العمل مهددان بالهدم

وبالإضافة إلى التوتر الذي يصاحب العمل فإن المعمل الذي يعدّ مصدر الرزق الوحيد لعودة مهدد بالهدم، وكذلك منزله في حي البستان، ولم يسلم من عناصر بلدية الاحتلال حتى الآن سوى منزله في حي بئر أيوب، ولكن هذا المنزل يقع في قلب المواجهات، ولا تكاد تمر ليلة دون أن تمتلئ ساحته بالقنابل الغازية والصوتية والطلقات المطاطية.

يقول عودة، للجزيرة نت، إنه يشتري زمنا في البلدة فقط، فهو يعلم أن لكل شيء نهاية، والنهاية ستتوج بهدم منزله ومنشأته التجارية حتما. ويضيف "النهاية حتما ستكون كذلك، فموظف البلدية مستوطن والقاضي والجندي والشرطي كذلك، وجميع هؤلاء يسعون لطردنا وإحلال المستوطنين مكاننا".

غادرنا منشأة عودة التجارية وتوجهنا إلى منزل يقع مقابلها تماما، ويعدّ من أخطر المنازل من حيث الموقع، وتعيش به شابة مقدسية مع أطفالها الثلاثة آدم وإبراهيم ونايا. علامات الإرهاق بدت واضحة على وجه هذه الأم التي تقول إنها لا تنعم بنوم متواصل أكثر من ساعتين، منذ بدء استهداف حي بئر أيوب واستفزاز سكانه.

عضو لجنة الدفاع عن أراضي بلدة سلوان وإمام جامع حي بئر أيوب موسى عودة(الجزيرة نت)
موسى عودة عضو لجنة الدفاع عن أراضي بلدة سلوان وإمام جامع حي بئر أيوب (الجزيرة)

وتفصح أم آدم برقان، للجزيرة نت، عن مخاوفها قائلة إن ابنتها الأصغر نايا ذات الأعوام الخمسة بدأت تعاني في الأيام الأخيرة اضطرابات في النطق، وقرر طبيب الأسرة تحويلها إلى اختصاصي نطق لمتابعة حالتها المستمرة بالتراجع.

تُغلق أم آدم نوافذ منزلها وأبوابه الحديدية بعد أذان المغرب مباشرة، وتستعد لجولة جديدة من الانتهاكات اليومية، التي تؤكد أنها ترمي إلى تهجير السكان من بلدة سلوان المجاورة للأقصى.

تجلس نايا بجوار أمها تنصت باهتمام لما تقوله، وعندما جاء دورها للحديث قالت "تأتي الشرطة يوميا، يضربون القنابل علينا ويرشوننا بسيارة المياه العادمة، وأنا أخاف من أصوات المواجهات وأحتضن أمي حتى الصباح". استغرقت هذه الكلمات من نايا 3 دقائق لقولها في اضطراب واضح بالنطق لديها، ثم أضافت وهي تتصبب عرقا أنها تريد أن تصبح طبيبة أطفال عندما تكبر.

وقبل مغادرة منزلهم طلبت نايا من الجزيرة نت التقاط صور لها مع أعمال أشقائها الفنية الخاصة بعيد الأضحى، ومن أمها طلبت التوجه إلى البقالة قبل حلول المساء، وهكذا كان.

أم آدم برقان(الجزيرة نت)
تُغلق أم آدم نوافذ منزلها وأبوابه الحديدية بعد أذان المغرب مباشرة (الجزيرة)

خبرة ومعاناة نسائية

في بقالة أم خالد شويكي اجتمعت 4 من نساء الحي تبادلن أطراف الحديث، فسألت إحداهن الأخرى إن كانت قد أنهت تجهيز "معمول العيد" لأن فرنها يقع في الفناء الخارجي، وعليها إنهاء العمل عليه قبيل انطلاق موعد المواجهات.

وقبل أن تغادر البقالة، أوصت إحداهن البقية بضرورة إغلاق النوافذ وتحضير رؤوس من البصل لاستنشاقه في حال أطلق الجنود القنابل الغازية واخترقت المنازل.

الطفلة المقدسية نايا برقان(الجزيرة نت)
طلبت نايا من الجزيرة نت التقاط صور لها مع أعمال أشقائها الفنية الخاصة بعيد الأضحى (الجزيرة)

داليا زهران (60 عاما) طلبت أن يكون لقاؤها مع الجزيرة نت في متنزه الحي، ومع الوصول إلى المكان لم نشاهد سوى كرسيين حديديين أنهكتهما الحرائق اليومية الناجمة عن القنابل وإشعال الشبان للإطارات، وجدران اكتست باللون الأسود للسبب ذاته، وأرضية انتشرت بها الحجارة من كل الأحجام، وبقايا القنابل الصوتية والرصاصات المطاطية.

وتقول "منذ رمضان لم ينعم الحي بالهدوء.. أعيش حالة من القلق العميق على زوجي المريض الذي كاد يفارق الحياة قبل أيام بسبب استهداف المنزل بقنبلة غازية، فهو كفيف ويعاني مرض السكري واكتملت حياتنا مأساوية بعد إجرائه عملية قلب مفتوح أخيرا".

وبدلا من أن تخلد هذه المسنّة إلى النوم مطمئنة تجلب كل مساء إلى سريرها رأسين من البصل، وتقسم كل رأس إلى نصفين، لتستنشقها وزوجها بمجرد اندلاع المواجهات وإلقاء القنابل المسيلة للدموع.

بئر أيوب التاريخية التي اعتمد عليها السكان قديما والتي جففها الاحتلال (الجزيرة نت)
بئر أيوب التاريخية التي اعتمد عليها السكان قديما وجففها الاحتلال (الجزيرة)

أعمال استفزازية

عضو لجنة الدفاع عن أراضي بلدة سلوان وإمام مسجد حي بئر أيوب، موسى عودة، يقول إن قوات الاحتلال والمستوطنين ووحدة المستعربين يستفزون أهالي حي بئر أيوب يوميا، وإن وجبة العشاء اليومية لسكان الحي أصبحت تتكون من الغاز والمياه العادمة.

وتتنوع وفقا لعودة الانتهاكات التي تندلع على إثرها المواجهات بين إيقاف حركة السيارات في الشوارع وتوقيف الشبان وتفتيشهم بأسلوب مذل، ومحاولة منع الوصول إلى خيمة الاعتصام في سلوان وغيرها.

ويختم هذا المسن حديثه للجزيرة نت بقوله إن الحي سمي بهذا الاسم نسبة إلى بئر تقع بجوار المسجد مباشرة كان يعتمد سكان البلدة والقرى والمدن المجاورة عليها للتزود بمياه الشرب، قبل أن يجفف الاحتلال البئر ويحول مياهها إلى منطقة النبي داود لمصلحة السكان اليهود فقط.

غادرنا الحي في أثناء محاولة عودة إلقاء حجارة داخل البئر لفحص منسوب المياه فيها، وعلى وقع صوت داليا التي حثّت جارتها على التهيؤ لتناول طعام الإفطار مع إصرار السكان على الصيام في هذه الأيام، وعلى وقع خطوات نايا المتسارعة وهي عائدة من البقالة بعد شراء حلوياتها التي ستتناولها حتما قبل تجدد المواجهات حول منزلها الصغير.

المصدر : الجزيرة