إلغاء مسيرة الأعلام في القدس على وقع تحذيرات من تجدد المواجهة
مسيرة الأعلام التي تم إلغاؤها كانت تهدف لدعم بنيامين نتنياهو وتفجير الأوضاع لمنع إقامة حكومة معارضة لتوجهاته، بينما تكمن الخطورة في أن الشرطة أصبحت طرفا في النزاع الداخلي الإسرائيلي وجزءا من حالة الاستقطاب المجتمعي بين اليمين واليسار بشكل لم يسبق له مثيل

أبلغ المفتش العام للشرطة الإسرائيلية كوبي شبتاي، الجماعات الاستيطانية التي دعت إلى "مسيرة أعلام" جديدة في القدس المحتلة، الخميس، بإلغاء ترخيصها، بعد أن أوصت قيادة الشرطة بتعديل المسار أو إلغاء كلي للمسيرة وتأجيلها إلى أجل غير مسمى.
جاء الإعلان بعد جدل واسع في المستويات السياسية والأمنية الإسرائيلية حول إجراء المسيرة التي فشل المستوطنون في إكمالها فيما يُسمى "يوم توحيد القدس" بالعاشر من مايو/أيار الماضي عقب إطلاق المقاومة الفلسطينية صواريخها باتجاه القدس المحتلة. وشنت إسرائيل على أثرها عدوانا استمر 11 يوما على قطاع غزة.
وكانت كتلة الصهيونية الدينية بالتعاون مع 6 جماعات استيطانية يمينية أعلنت قبل أيام تنظيم مسيرة "رقصة أعلام تعويضية" يوم الخميس المقبل الموافق 10 يونيو/حزيران.
وطالب المنظمون من خلال الإعلان الرسمي عن المسيرة بـ"توحيد القدس إلى الأبد، وبضرورة العودة للسير في شوارع القدس برأس مرفوع مع أعلام إسرائيل يرافقها الرقص والغناء من أجل أرض صهيون والقدس".
وحسب الإعلان، خُطط لانطلاق المشاركين في المسيرة من غربي المدينة باتجاه حائط البراق مرورا بباب العامود وباب الساهرة وباب الأسباط على مداخل البلدة القديمة للقدس، الأمر الذي يعني مرورهم من الحي الإسلامي.
وعلى إثر ذلك، انشق المسؤولون الإسرائيليون بين معارضين ومؤيدين لتنظيم "المسيرة التعويضية". ومن بين أبرز المعارضين للمسيرة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس الذي قال إن "تنظيمها في الوقت الحالي يمكن أن يضر بإجراءات سياسية ويجر المنطقة إلى حالة أخرى من التوتر"، بينما عارضه وانتقده بحدّة رئيس حزب الصهيونية المتدينة بتسلئيل سموتريتش قائلا إن: "غانتس جبان ويرضخ للإرهاب".
أما النائب عن الصهيونية المتدينة إيتامار بن غفير فأعلن نيته السير في الحي الإسلامي بالبلدة القديمة حتى وإن لم يُسمح للمسيرة بالمرور من هناك، مؤكدا أنه "لا يمكن أن ترضخ إسرائيل لمطلب حركة حماس الإرهابية".
وعلّقت رئيسة لجنة الخارجية والأمن البرلمانية أورنا باربيفائي على الجدل القائم حول المسيرة بقولها إن "سياسيين صغارا يستخدمون أعلام الدولة للتحريض وإشعال المنطقة".
لدعم نتنياهو
أستاذ دراسات بيت المقدس في جامعة "إسطنبول 29 مايو"، ومسؤول الإعلام والعلاقات العامة في المسجد الأقصى سابقا، عبدالله معروف قال إن موافقة الشرطة الإسرائيلية على إقامة مسيرة الأعلام تعتبر تدخلا مباشرا في الشؤون السياسية خاصة أن قائد شرطة القدس جزء من اليمين الإسرائيلي ومؤيد له.
وأضاف معروف للجزيرة نت، "يبدو واضحا أن هذه المسيرة تهدف لدعم بنيامين نتنياهو وتفجير الأوضاع لمنع إقامة حكومة معارضة لتوجهاته، بينما تكمن الخطورة في أن الشرطة أصبحت طرفا في النزاع الداخلي الإسرائيلي وجزءا من حالة الاستقطاب المجتمعي بين اليمين واليسار بشكل لم يسبق له مثيل".
وبيّن الأكاديمي معروف أن هذه هي المرة الأولى منذ إنشاء دولة الاحتلال التي يتم فيها الاحتفال بأي ذكرى وفقا للتقويم الميلادي، "مما يدل على مدى اليأس الذي وصلت إليه الأوساط الإسرائيلية التي لا تسير إلا حسب التقويم العبري".
وأضاف أن "هذا يدل على وصول الجماعات الاستيطانية إلى مرحلة يأس عميقة جدا، تحاول خلالها تسجيل أي نقطة في ميدان الصراع الحالي".
وفي حال نُظمت المسيرة بالمسار الذي رسمته الجماعات المتطرفة، يعتقد معروف أنها ستؤدي إلى مزيد من التصعيد في القدس، خاصة أن اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى وقضايا طرد عائلات الشيخ جراح وسلوان ما زالت متفاعلة.
وحسب معروف، فإن "اليمين الإسرائيلي يحاول تفجير الأوضاع الآن بالتحديد في وجه ما يسمى حكومة التغيير الجديدة، في محاولة أخيرة يائسة لإبقاء نتنياهو رئيسا للحكومة أو الذهاب نحو الفوضى الشاملة التي قد تطيل عمر حكومته".
ويستبعد معروف أن تؤدي المسيرة إلى اشتعال حرب جديدة شاملة في الوقت الحالي، لكنها ستقود إلى تصاعد حدة الأحداث في القدس، وستشكل انتكاسة للمقدسيين الذين حققوا انتصارا في هبة باب العامود ويوم 28 رمضان (10 مايو/أيار الماضي) بإفشالهم مخططات المستوطنين المتطرفين.
وهذه الانتكاسة يعوّل عليها اليمين المتطرف في محاولة لاستعادة المكتسبات التي حققها قبل 28 رمضان في المسجد الأقصى، وبالتالي يجب على الجميع، وفقا لمعروف، أن يدرك الخطورة التي تشكلها هذه المسيرة في حال سُمح بها بالشكل الذي يريده اليمين الإسرائيلي.
يذكر أن القوى الوطنية والدينية في القدس المحتلة دعت إلى النفير العام يوم الخميس المقبل بالتزامن مع انطلاق المسيرة الاستيطانية باتجاه أبواب البلدة القديمة، وانطلقت دعوات أخرى تحث تجار البلدة القديمة على عدم إغلاق محالهم التجارية في ذلك اليوم حتى وإن وزعت الشرطة الإسرائيلية أوامر لهم بهذا الاتجاه.
الصواعق قائمة
وكان نائب رئيس حركة حماس في غزة خليل الحية قد أطلق تحذيرا شديد اللهجة "من اقتراب مسيرة الأعلام الإسرائيلية من مدينة القدس والمسجد الأقصى".
وقال الحية في مؤتمر "المجتمع المدني والعمل الأهلي لدعم المقاومة ونصرة القدس" الذي عقد بغزة ظهر الاثنين، "أرجو أن تصل هذه الرسالة واضحة حتى لا يكون يوم الخميس مثل يوم 11 مايو/أيار"، في إشارة إلى إطلاق المقاومة الفلسطينية صواريخها باتجاه القدس المحتلة.
وقال الحية إن الاحتلال الإسرائيلي يحاول تجسيد وقائع جديدة بإعلانه عن مسيرة أعلام جديدة، وبتصعيده في حي الشيخ جراح، مضيفا "نقول للوسطاء بشكل واضح، إنه آن الأوان للجم هذا الاحتلال، وإلا فالصواعق ما زالت قائمة".