وصفت بالحدث المفصلي.. ماذا بعد ليلة المواجهات الساخنة في القدس؟

Demonstration in Jerusalem
مقدسيون خلال احتجاجات الأمس (الأناضول)

لم تمر الليلة الماضية على القدس المحتلة والمقدسيين مرور الكرام، بعد ليلة صاخبة من المواجهات بدأت في محيط باب العامود (أحد أبواب البلدة القديمة)، ثم امتدت إلى أحياء عدة، أبرزها المصرارة والشيخ جراح والطور والصوانة ووادي الجوز.

تركت المواجهات أثرا ورائحة واضحة على الأرض بعد استهداف الشبان بالمياه والأعيرة المطاطية والقنابل الصوتية والغازية، الذين ردّوا بدورهم عليها بإلقاء الحجارة وإحراق حاويات النفايات في عدة أماكن.

وتوّج المقدسيون ليلة المواجهات بإجبار الشرطة على فتح باب حطّة (أحد أبواب المسجد الأقصى) التي حاولت إغلاقه قبيل صلاة فجر اليوم الجمعة، ودخلوا المسجد بالهتافات والتكبيرات والإنشاد.

خزان لا ينضب

يقول الكاتب والمحلل السياسي المقدسي راسم عبيدات إن ما سجله الشباب المقدسي من نصر على المستوطنين وجيش وشرطة الاحتلال يثبت أنهم يمتلكون خزانا لا ينضب من الطاقة والتصميم في الدفاع عن وجودهم في القدس وعن مقدساتهم وفي مقدمتها الأقصى.

وأضاف أن ما حصل في القدس حدث مفصلي في تاريخ المدينة، ويشكل انتصارا للمقدسيين على المستوطنين الذين احتشدوا لتنفيذ اعتداءات واسعة بحق أهالي المدينة، لكن صدور الشباب العارية لقنتهم درسا سيسجله التاريخ.

وعلى ضوء الأحداث المتسارعة يرى الكاتب المقدسي أن الأوضاع في القدس مرشحة للتصعيد وهي مرتبطة بقضيتين، الأولى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معني بالتصعيد للهروب من الأزمة الداخلية التي تعيشها الدولة وعدم قدرته على تشكيل حكومة، وبالتالي سيدفع باتجاه مزيد من القمع والتنكيل بحق المقدسيين لتنشغل الحكومة والرأي العام بها.

والقضية الثانية -وفقا لعبيدات- هي أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تتعامل في القدس على أساس أن "المقدسي الذي لا يخضع بالقوة سيخضع بمزيد من القوة، وفي إطار ما يُمارس بحق المقدسيين من تطهير عرقي وطرد وتهجير أعتقد أن الأمور مرشحة لتتصاعد باتجاه هبّة شعبية جديدة في القدس".

رسالة واضحة

من جهته، يرى الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص أن هناك 3 اتجاهات يمكن الحديث بها بعد أحداث أمس الساخنة في المدينة، أولها أنه يجب ألا يغفل أحد أن محاولة الاحتلال إغلاق باب العامود كانت المدخل للمواجهات، وما حصل أمس كان رسالة واضحة لقوات الاحتلال والمستوطنين أنهم لا يستطيعون فرض إغلاق ساحة باب العامود.

ويضيف الباحث للجزيرة نت أنه "لا بد من مواصلة المواجهة في باب العامود لحين فتح هذه الساحة دون قيد أو شرط بل محاولة إعادتها لما كانت عليه قبل عام 2017 عندما لم تكن توجد مواقع الشرطة الأربعة ولا الفواصل الحديدية الثابتة على المدرج".

وأكد ابحيص أنه لا بد من العودة بساحة باب العامود كمركز لحياة المقدسيين وإعلان سيادة هويتهم العربية الإسلامية والمسيحية في سماء القدس بغض النظر عن وجود الاحتلال العسكري.

أما الاتجاه الثاني المتوقع هو أن يسعى المتطرفون للبحث عن أهداف ضعيفة كالانتقام من سائقي الحافلات والعمال المقدسيين الذين يعملون في غربي المدينة، ومحاولة الاستفراد ببعض الشباب في وقت متأخر من الليل في مناطق محددة، أو بعض العائلات والأطفال.

وأوضح المتحدث أن "هذه هي عادة هؤلاء الجبناء، الذين كان لهم هجوم في رمضان عام 2014 عندا استفردوا بالفتى محمد أبو خضير وأحرقوه حيا، هذه البطولات التي يقدر عليها هؤلاء وبالتالي سيلجؤون إليها وستشكل هذه دافعا لتوتر إضافي خلال الأيام المقبلة من رمضان".

الاتجاه الثالث

أما الاتجاه الثالث الهام، فهو الاقتحام الكبير للأقصى الذي يحشد له المتطرفون يوم 28 رمضان والذي سيرافق الاحتفال بما يسمى "يوم توحيد القدس" حسب التقويم العبري.

ويؤكد الباحث المقيم في الأردن أنه إذا حصل نفس الشكل من الحشد والمواجهة في المسجد ومحيطه فمن المستحيل أن يتم هذا الاقتحام كما تخطط له جماعات الهيكل، وهي تتطلع إلى أن يكون هذا الاقتحام علامة فارقة في عملها، وفرصة لفرض العبادات التوراتية الجماعية في الأقصى في العشر الأواخر من رمضان.

وختم ابحيص حديثه للجزيرة نت بالقول إنه من المهم ألا نشعر أن هذه هي نهاية المطاف، بل هي نقطة مفصلية وعلامة فارقة في كي وعي المستوطنين والشرطة، وأن ما حصل أمس له ما بعده ولا بدّ من المواصلة حتى 28 رمضان، ليكون الشهر الفضيل هذا العام قد تحول لفرصة ومناسبة لاستعادة الزخم الشعبي المقدسي الذي حاول الاحتلال تقويضه تحت سيف إجراءات وباء كورونا.

100 حالة اعتقال

بدوره، قال المحامي محمد محمود إن عدد المعتقلين منذ اندلاع الأحداث في القدس مطلع شهر رمضان الحالي وصل إلى 100 بين قاصر وبالغ، بينهم فتاة اعتقلت لمدة أسبوع وأفرج عنها للحبس المنزلي بشروط.

وعرض على المحاكم 20% من المعتقلين الذين تعرضوا للضرب، وقدمت حتى الآن 3 لوائح اتهام بحق من تمدد اعتقالهم وجاء فيها المشاركة في المواجهات وإلقاء الحجارة والمفرقعات والاعتداء على الشرطة.

أما يوم أمس، فاعتقل 17 مقدسيا في باب العامود، ويؤكد المحامي أن الأجهزة الأمنية ستلجأ لكاميرات المراقبة لتنفيذ مزيد من الاعتقالات في المدينة على خلفية الأحداث الساخنة.

هل ستخمد؟

وعما إذا كانت المواجهات ستخمد بعد الاعتقالات، أشار المحامي إلى أن التجارب السابقة في القدس أثبتت أن الاعتقالات لا تخفف وتيرة المواجهات، وما يخففها انسحاب القوات من المكان وعدم استفزازها للناس.

"في أعياد اليهود ومناسباتهم لا تتواجد الشرطة بشكل مكثف بين الجمهور لأن ذلك يؤدي إلى اندلاع مواجهات، وتعلم الشرطة أن المقدسيين يتوجهون كل رمضان بعد صلاة التراويح إلى باب العامود لتناول الطعام والشراب والسهر هناك، وتعمدت الشرطة جلب قوات كبيرة بالشوارع مع فرقة الخيول ونصبوا الحواجز واستدعوا سيارات المياه العادمة، ومن البديهي أن تندلع المواجهات مع هذه التعزيزات".

ويرجح المحامي محمد محمود استمرار المواجهات وسط خشية من ارتقاء شهيد فيها، الأمر الذي سيؤدي إلى تطور الأمور بشكل أكبر.

المصدر : الجزيرة