عندما يمتزج الشرق والغرب.. "زرار خشب" بصمة خاصة تزين بيوت المقدسيين

في بيتها روت مجد شغفها الذي تعلمته من جدتها الخياطة البارعة، فقد كانت تراقبها وهي تخيط منذ صغرها وتتعلم منها، فقررت لاحقا تنمية موهبتها ودراسة تصميم الأزياء والخياطة في مركز راهبات الوردية بالقدس عام 2016.

القدس-بيت حنينا-مقابض لأبواب الثلاجات والأفران صنعتها مجد يدويا-الجزيرة نت-صفحة القدس
مقابض لأبواب الثلاجات والأفران صنعتها مجد يدويا (الجزيرة نت)

منذ طفولتها اعتادت عينا مجد أبوالحلاوة (31عاما) الجمال العتيق الكامن في جنبات سوق الدباغة في البلدة القديمة بالقدس المحتلة، فلم تفوّت يوما إلا وزارت فيه دكان والدها في السوق بعد انتهائها من دوامها الدراسي، ضمن جولة يومية غنية بألوان الأثواب والجلود والتحف المتناغمة مع معالم المباني الأثرية القديمة.

كبرت مجد وكبر معها شغفها بالتصميم والخياطة، الذي صقلته لاحقا بالدراسة، لتبدع في حياكة تصاميم فريدة، ثم اتجهت إلى أسواق إسطنبول المسقوفة القديمة، التي باتت تعرفها كما تعرف أسواق القدس، لكن هدفها لم يكن التجول فحسب، بل انتقاء أجود وأبهج الأقمشة لمشروعها "زرار خشب".

3 سنوات فقط كانت كفيلة بانتشار مشروع مجد وامتلاء بيوت المقدسيين بمنتجاتها الملوّنة ذات الذوق الفريد؛ فقد خاطت منتجات قماشية بيتية لافتة بألوانها وإتقانها، متفوقة على المنتجات الجاهزة المستوردة.

زارت الجزيرة نت مجد في دكانها ببلدة بيت حنينا بالقدس، الذي عرضت فيه الستائر والوسائد والأغطية والتصاميم القماشية البيتية التي خاطتها، مُلبّية حاجات ديكور المنزل من "كيس الأكياس" حتى "مقبض الثلاجة"، ومن المطبخ حتى غرفة النوم والشرفة.

القدس-بيت حنينا- تعلمت مجد الخياطة من جدتها وطورت شغفها بدراسة التصميم والخياطة بالقدس-تصوير جمان أبوعرفة-الجزيرة نت
تعلمت مجد الخياطة من جدّتها وطوّرت شغفها بدراسة التصميم والخياطة في القدس (الجزيرة نت)

تجديد وابتكار

تقول مجد إنها تحرص على تصميم منتج جديد باستمرار، لتتميز وتلبّي ذوق الزبائن البصري، فمرّة ابتكرت كيسا قماشيا كبيرا تُجمع فيه الأكياس وأسمته "كيس الأكياس"، ومرة خاطت مقابض قماشية للثلاجة والفرن وحتى مقود السيارة.

وفضلا عن الاهتمام بتفاصيل المنتج وانسجام ألوانه، تترك مجد بصمتها فيه عبر زر خشبي، تقول إن القطعة لا تكتمل من دونه؛ ليمنحها لمسة وطابعا خاصا بلونه البُنّي الخشبي، ولذلك أسمت مشروعها "زرار خشب".

لم يكن التصميم والخياطة مجال دراسة مجد في الجامعة، فقد تخرجت عام 2011 متخصصة بالعلوم التنموية والتربية الرياضية، وعملت 3 سنوات مرشدة ميدانية للنوادي البيئية المدرسية، لكنها تفرغت بعد ذلك لبيتها وطفليها.

وفي بيتها روت مجد شغفها الذي تعلمته من جدتها الخياطة البارعة، فقد كانت تراقبها وهي تخيط منذ صغرها وتتعلم منها، فقررت لاحقا تنمية موهبتها حتى الاحتراف بدراسة تصميم الأزياء والخياطة في مركز راهبات الوردية بالقدس عام 2016.

"كانت المعلمة في المركز تركز على تصميم وخياطة الملابس، وتتعجب مني لأنني أتوجه نحو تصميم الديكورات البيتية، لكنني كنت أحب ذلك، وأخيط لبيتي وأقربائي وأصدقائي"، قالت مجد ذلك وهي تستذكر أيضا ترددها في البداية في إطلاق مشروع ربحي تبيع فيه منتجاتها.

القدس-بيت حنينا-تحرص مجد على عرض منتجاتها وتصويرها بطريقة احترافية لتجذب الزبون-من أرشيف مجد-الجزيرة نت(5)
تحرص مجد على عرض منتجاتها وتصويرها بطريقة احترافية لتجذب الزبون (الجزيرة نت)

كسر التردد

لكنها بعد عامين، وبالتحديد في ليلة رأس سنة 2018، قررت ألا يطلع الصباح عليها إلا وقد انطلقت بمشروعها الذي ظلّ حبيس التردد طويلا، فجمعت ما لديها من أقمشة وكُلَف، ولم تنم إلا في الساعة السادسة صباحا بعد أن خاطت 12 وسادة، ونشرت صورها عبر صفحة "زرار خشب" على مواقع التواصل الاجتماعي.

عملت مجد من بيتها 10 أشهر بإمكاناتها المحدودة وبآلة خياطة منزلية، وكانت تجذب زبائنها بأفكارها الجديدة وبأقمشتها المميزة التي كانت تشتريها في البداية من سوق الخواجات في البلدة القديمة بالقدس، ومحالّ الأقمشة في مدينة رام الله، ثم أصبحت تسافر شهريا إلى إسطنبول خابرة أسواقها وجالبة أجود أقمشتها.

ازداد إقبال الزبائن على منتجات "زرار خشب"، ولم تعد الآلة المنزلية قادرة على المواكبة، كما لم يعد البيت مناسبا أيضا لفوضى البضاعة واستقبال الزبائن؛ فاستأجرت دكانا في بيت حنينا، واستعانت بوالدتها لإتمام العمل على أكمل وجه.

ولم تكن تكاليف المشروع يسيرة، لكنها قررت خوض المغامرة والبدء؛ فيسّر الله لها 5 آلات خياطة حديثة عبر "لجنة زكاة القدس" التي دعمت مشروعها ورأت فيه الجدية والإتقان.

القدس-بيت حنينا-تستقبل مجد الزبائن في محلها الذين يشرحون لها ما يودون خياطته وتنصحهم بالأفضل-جمان أبو عرفة-الجزيرة نت
مجد وحديث مع إحدى زبوناتها (الجزيرة نت)

تحديات المواءمة

كانت المواءمة بين بيتها وطفليها ومشروعها الوليد صعبة، ومرّت عليها مواقف بكت فيها من التعب والمسؤولية، لكنها لم تسمح للإحباط أن يتسلل إليها، مستعينة بوالدتها التي دعمتها على الصعيدين؛ العملي والعائلي.

واليوم تنتظر مجد أبو الحلاوة طفلها الثالث، وتنتظر زبائنها الذين أحبوا ما تقدمه وتبتكره، وتجلس فخورة تعبث بأزار الخشب التي ملأت الدكان قائلة "ممتنّة جدا اليوم، لم يكن الأمر سهلا، لكنني تجاوزت الأمر بالصبر والإرادة".

وتضيف "سر نجاح (زرار خشب) يكمن في ذوق سهل ممتنع يجمع بين الحداثة والأصالة. لا أقبل خياطة أو تصميم أي شيء يتعارض مع ذوقي وطابعي، وأحرص على عرض المنتجات وتصويرها بشكل احترافيّ ينادي كل من يراها".

 

المصدر : الجزيرة