حي "وادي ياصول" المقدسي يعيش كابوس الهدم والتهجير القسري الوشيك
في الأيام الأخيرة، رفضت المحكمة المركزية الإسرائيلية بالقدس، الاستئناف المقدم من الأهالي الذي طالب بتجميد قرارات الهدم الصادرة بحق 84 بناية في وادي ياصول، منها 56 تواجه خطر الهدم الوشيك.

القدس المحتلة- تسكن المقدسية أم موسى عواد و58 فردا من عائلتها في بناية شُيدت منذ 3 عقود في حي "وادي ياصول" ببلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى المبارك، وتُصنّف ضمن المباني الواقعة تحت التهديد الإسرائيلي بالهدم قريبا.
وعلى وقع الخوف من فقدان مأواها وذكريات عائلتها، تقول أم موسى "لا شيء يخفف عني الرعب الذي أعيشه. كلما سمعتُ صوت سيارة أمام المنزل أقفز من مكاني وأراقبها خوفا من قدوم الجرافات لهدم بنايتنا".

والحي الذي تعيش فيه أم موسى واحد من أحياء بلدة سلوان، وفيه يسمع الزائر فصلا من فصول القهر والخوف التي يعيشها نحو 7500 مقدسي موزعين على 6 أحياء مهددة بالتهجير القسري، إما عبر هدم منازلهم بحجة البناء دون ترخيص، أو بطردهم وإخلائها لصالح الجمعيات الاستيطانية الإسرائيلية.
وفي الأيام الأخيرة، رفضت المحكمة المركزية الإسرائيلية بالقدس الاستئناف المقدم من أهالي "وادي ياصول"، والذي طالب بتجميد قرارات الهدم الصادرة بحق 84 بناية، منها 56 تواجه خطر الهدم الفوري.
وعلى خلفية ادعاء الاحتلال "البناء دون ترخيص"، دفعت عائلة عواد في حي ياصول وحدها ما قيمته 95 ألف دولار أميركي مخالفات طوال 3 عقود من التهديد، لكن هذه الخسائر لم تدرأ خطر الهدم عن منازلها.

ثمن الرباط في القدس
وليس بعيدا عن منزل أم موسى عواد، يعيش المقدسي أكرم شويكي الذي شيّد والده أول منازل الحي وسكن فيه عام 1972.
يقول هذا الرجل للجزيرة نت إن البلدية بدأت ملاحقتهم منذ عام 1993، بتغريمهم بسبب البناء غير المرخص وتهديدهم بهدم منازلهم بشكل مستمر، وهو ما حوّل حياة السكان في الحي إلى جحيم.
ويرفض الشويكي مغادرة وادي ياصول والبحث عن سكن في مكان آخر، قائلا "أعيش بجوار المسجد الأقصى منذ عقود، وأعلم أن للرباط ثمنا يجب أن أدفعه، لكنني أرفض أن أقتلع نفسي بنفسي من القدس لتقام المشاريع الاستيطانية مكاني".
خلال تجوّل الجزيرة نت في وادي ياصول، التقت الفتاة كندا خالد (15 عاما) التي تحدثت عن طفولتها المسلوبة، وقالت إنها لم تسمع عن الحي الذي تسكنه سوى قصص الهدم والتشريد التي تخشى أن تطالها وأسرتها قريبا.
وأضافت "فكرتُ قبل أشهر بتجميع أغلى ما نملكه في حقيبة لأحملها بمجرد وصول جرافات الاحتلال، لكنني تراجعت لأنني شعرت أن ذلك سيكون بمثابة استسلام لأمر الهدم".

رفض الهدم الذاتي
وعن الواقع الذي يعيشه الحي، قال عضو لجنة الدفاع عن أراضي وعقارات بلدة سلوان خالد شويكي -وهو أيضا من سكان الحي- إن خطر التهجير القسري الجماعي ينسحب على كل السكان هنا، والبالغ عددهم 750 مقدسيا بينهم 450 طفلا، مؤكدا أن الجميع اتخذوا قرارا برفض هدم منازلهم ذاتيا (سياسة إسرائيلية تجبر المقدسيين على هدم منازلهم بأيديهم).
أما زياد قعوار محامي عائلات حي وادي ياصول، فتحدث عن الملف الذي بدأ بمتابعته قضائيا عام 2004، وقال إن السلطات الإسرائيلية بدأت منذ احتلال شرقي القدس عام 1967 بتحضير مخططات للبناء، وفي 1977 تمت المصادقة على مشروع "للتخطيط والبناء الإسرائيلي"، وقد تحولت أغلب أراضي شرقي المدينة بموجبه إلى أراضٍ خضراء يُمنع البناء عليها، وخاصة أراضي سلوان، لقربها من المسجد الأقصى والبلدة القديمة للقدس.
أهداف استيطانية
يقول المحامي قعوار للجزيرة نت إن مخططات البناء الإسرائيلية المتبعة، أهدافها استيطانية ديمغرافية وليست تنظيمية مهنية بالأساس، وعليه تم إقصاء أحياء بأكملها من المخططات، مما جعل أهالي المدينة أمام خطر التهجير القسري الجماعي.
وأخذ سكان حي وادي ياصول في سلوان على عاتقهم تقديم مشاريع لتنظيم البناء في الحي بعد إقصائه من مخططات بلدية الاحتلال. وفي عام 2004، قدموا مشروعا يقول قعوار إنه لاقى آنذاك قبولا وحصل على موافقات أولية وتحول لما يعرف "باللجنة اللوائية للتنظيم والبناء".
وتلقى السكان والمحامي وعودا بالمصادقة على المشروع وتحويل تصنيف الأرض من منطقة خضراء إلى سكنية، لكن في عام 2009 رفضت اللجان المختصة ببلدية الاحتلال المشروع، بادعاء أنه يتعارض مع الخارطة الهيكلية الجديدة لمدينة القدس.
ولم يستسلم الأهالي، وقدموا استئنافا للمحكمة الإسرائيلية التي ضغط أحد قضاتها على السكان ولجان التنظيم الحكومية (تابعة للاحتلال) ليتوصّلوا معا إلى اتفاق، وهو ما تم بالفعل وفقا لقعوار، وبناءً عليه تقدم أهالي الحي بمشروع جديد يحل احتياجاتهم ويراعي الموقع الحساس للحي لقربه من البلدة القديمة والمسجد الأقصى.
وتضمن الاتفاق أن يتقدم المشروع الجديد باسم أهالي الحي والبلدية، لكن أعضاء البلدية اليمينيين المتطرفين رفضوا أن يكون المشروع باسمها لأسباب سياسية، "فقدمناه باسم السكان وحدهم، لكن لجان التنظيم وضعت العراقيل مجددا ورفضت المصادقة عليه"، كما قال المحامي.

"غابة السلام"
وتخطط بلدية الاحتلال لتحويل حي وادي ياصول إلى غابة باسم "غابة السلام"، لكن بعد التمحيص اكتشف المحامي أن أراضي الحي تم إخراجها من حدود هذا المشروع الاستيطاني، فتقدم هو والسكان -مرة أخرى- بمشروع جديد لتثبيت البناء في الحي، لكن اللجان الإسرائيلية المختصة رفضته أيضا.
وطوال الأعوام الأخيرة، كان المحامي يتقدم بطلبات لتجميد أوامر هدم المنازل التي بُني بعضها عام 1977، أو تأجيله، حتى رفضت محكمة الشؤون المحلية التابعة لبلدية الاحتلال طلبات تمديد أوامر الهدم.
وفي الأيام الأخيرة، رفضت المحكمة المركزية الإسرائيلية الاستئناف لوقف الهدم، بحجة أن الأرض مصنفة خضراء، وأن جميع المحاولات لتحويلها إلى أرض سكنية باءت بالفشل.
وعن إمكانية التوجه للمحكمة الإسرائيلية العليا، أكد قعوار أن 95% من الاستئنافات التي تقدم بها يتم رفضها، وفي حال وصلتها القضية ورفضتها فذلك سيكون سابقة قانونية تهدد آلاف المباني "غير المرخصة من الاحتلال" في شرقي القدس، بالهدم الفوري.