خط الدفاع الأخير… شاهد ما فعله مقدسيون لمنع تقدم جرافات الاحتلال في أراضيهم بسلوان

شادي سمرين يواجه جرافة الاحتلال بجسده لمنعها من تجريف أرضه (مواقع التواصل)

لم يملك شادي سمرين (43 عاما) إلا أن يستلقي أمام جرافة الاحتلال، ليمنعها من تجريف أرض عائلته في وادي الربابة في سلوان جنوب المسجد الأقصى صباح اليوم الأحد، فارتدى كمامته ووضع يديه خلف رأسه وساقه فوق الأخرى غير مبالٍ بمعول الجرافة الذي تأرجح فوق جسده.

"لم أشعر بالخوف من الموت، الخوف الحقيقي كان من ذهاب أرض آبائي وأجدادي في القدس، كنت مستعدا لأموت فداء لها، هددني الاحتلال بالاعتقال فأخبرتهم أنني أقوم بواجبي تجاه أرضي، وأنني حفرت قبري فيها"، هكذا بدأ سمرين حديثه للجزيرة نت، الذي انضم إليه مجموعة من الشبان المقدسيين محاولين منع تقدم الجرافة، لكن قوات الاحتلال فرقتهم بالقوة، واعتدت عليهم بقنابل المطاط والغاز.

كما اعتقلت 5 شبان آخرين تصدوا لقوات الشرطة والجيش وطواقم البلدية وسلطة الآثار والحدائق، بعد أن اعتدت عليهم بشكل وحشي أمام كبار السن والنساء والأطفال الذين جاؤوا منذ الصباح الباكر لتناول الإفطار في أرضهم والحيلولة دون تجاوزها.

عمر سمرين يرقب جرافة الاحتلال تجرف أرضه تمهيدا لمصادرتها (الجزيرة نت)

مماطلة قضائية واستغلال للحجر الصحي
بعد طرده من أرضه، توجه سمرين وأفراد من عائلته إلى محكمة الصلح الإسرائيلية في القدس أمام قاضي "الطوارئ"، لاستصدار قرار بوقف أعمال التجريف في أرضه، وهو الطلب الذي قدمه محامي العائلة مهند جبارة منذ 6 أشهر، ولم يصدر القرار حتى اليوم، فاستغلت جرافة الاحتلال التأخير والإغلاق المشدد الحالي في القدس بحجة جائحة كورونا، وجرفت بعض أشجار الزيتون والحمضيات والأشتال التي زرعتها العائلة.

ولم يستطع إلا بضعة مقدسيين ممن يسكنون وادي الربابة الحضور إلى المكان، في ظل غياب عدسات الإعلام بسبب منع التنقل.

يجلس عمر سمرين (60 عاما) في وادي الربابة تحت أشعة الشمس وهو يرقب الجرافة تجرف أرض عائلته، ويتابع هاتفيا قرار المحكمة مع ابن عمه شادي، ويقول للجزيرة نت "لمن نشكو والقاضي غريمنا؟ لا نثق بقرارات محاكم الاحتلال ولكننا مضطرون، نأتي إلى الأرض كل يوم صباحا، ونزرع العدس البصل والثوم".

يسعى الاحتلال منذ اجتياحه للقدس عام 1967 للاستيلاء على وادي الربابة كاملا من خلال عدة مشاريع (الجزيرة نت)

وثائق ملكية قبل قيام الاحتلال
تبلغ مساحة أرض عائلة سمرين نحو 10 دونمات، وهي جزء من أراضي وادي الربابة التي تعود لعائلات مقدسية في بلدة سلوان، مثل عائلة العباسي والأشقر والزغل وأبوسنينة، والتي تسعى سلطة الطبيعة والحدائق الإسرائيلية منذ سنوات إلى تجريفها ومصادرتها لتحويلها إلى ما يسمى "حديقة توراتية" ضمن "الحوض المقدس" المحيط بالمسجد الأقصى.

يقول عمر سمرين إن عائلته تمتلك وثائق ملكية لأرضهم في وادي الربابة تعود إلى العهد العثماني قبل قيام دولة إسرائيل، وإن العائلة استصدرت وثائق عام 2004 من دائرة أراضي إسرائيل ودائرة المحاكم الإسرائيلية تصادق على ملكية عائلة سمرين للأرض، لكن سلطة الطبيعة والحدائق تضرب بكل ذلك عرض الحائط.

عبد الكريم أبو سنينة: الاحتلال يتذرع بحجة التنظيف والبستنة للأرض، ليتمكن من مصادرتها (الجزيرة نت)

حجج واهية بأهداف استيطانية
يؤكد رئيس لجنة حي وادي الربابة عبد الكريم أبو سنينة للجزيرة نت أن الاحتلال يتذرع بحجة التنظيف والبستنة للأرض، ليتمكن من مصادرتها وإقامة مشاريع استيطانية عليها لاحقا، مضيفا أن تبريرات مثل "إقامة حديقة ومتنزه"، "وتحسين معالم المدينة" تفضي في النهاية إلى أهداف استيطانية، كما حصل مع العديد من الأراضي شرق القدس المحتلة.

ويقول أبو سنينة إن الاحتلال يمنع الأهالي من حرث أرضهم واستصلاحها حتى بأبسط الوسائل، الأمر الذي يضطرهم لزراعتها وعنايتها خفية. ويعود إلى الوراء قائلا "عائلتي تسكن وادي الربابة منذ 1958 قبل احتلال شرق القدس عام 1967، وبعد احتلالها بدأ الاحتلال ومستوطنوه عمليات اعتداء وسرقة وتخويف لسكان الوادي، واستأنفوا قبل سنوات عمليات تجريف لأراضي عائلة العباسي والأشقر والدجاني في الوادي، وما نشهده اليوم هو خط الدفاع الأخير".

صورة عامة لوادي الربابة الذي يحتل موقعا مهما قريبا من المسجد الأقصى والبلدة القديمة (الجزيرة نت)

اعتداءات قديمة حديثة
يقع وادي الربابة على مساحة نحو 300 دونم من مرتفعات بلدة سلوان الغربية التي تعتبر الواجهة الجنوبية للمسجد الأقصى، حيث يقترب الوادي كثيرا من باب الخليل أحد أبواب سور القدس.

ونظرا للأهمية التي يحتلها الوادي، فقد استهدفته مخططات الاحتلال قديما وحديثا، والتي تمثلت بجرف الأراضي ومصادرتها، وإقامة 3 بؤر استيطانية قرب حي وادي الربابة الذي يسكنه 800 نسمة، والذي تعرضت بعض بيوته للهدم بحجة عدم الترخيص.

كما نصب قبل نحو 10 سنوات 935 قبرا إسرائيليا وهميا في الوادي ضمن ما تسمى "مقبرة سمبوسكي"، بالإضافة إلى حفر أساسات جسر معلق عام 2018 يمر بالوادي ابتداء من حي الثوري ووصولا إلى منطقة وقف آل الدجاني جنوب غرب المسجد الأقصى.

المصدر : الجزيرة