واقع جديد تسعى جماعات الهيكل لتكريسه.. ماذا بعد الطقوس التلمودية العلنية بالأقصى؟

المسجد الأقصى القدس المحتلة أغسطس 2015 مجموعة من المتطرفين أثناء اقتحامهم للأقصى وتظهر المرابطات في تصديهن لهم وهم يحاولون أداء طقو⁩.JPG
متطرفون يحاولون أداء صلوات تلمودية بالمسجد الأقصى ومرابطات يتصدين لهم (الجزيرة)

بُعيد وقوع القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، ونتيجة لوقائع تاريخية وقانونية متعددة، اضطر الاحتلال حينها للاعتراف بـ"الوضع القائم" وببقاء المسجد الأقصى على ما كان عليه قبل الحرب؛ وانطلاقا من ذلك حُظر على اليهود الدخول إليه وكانت مهمة الشرطة الإسرائيلية في محيط المسجد الأقصى منع دخولهم إليه.

وبحلول عام 2003، بدأ اقتحام اليهود المتطرفين للمسجد بقرار قضائي، ومنذ ذلك الحين بدؤوا يعولون على تحقيق التقدم بشكل متدرج، فانطلقوا بالاقتحامات الفردية ثم الجماعية عام 2006، حتى وصل الحال الآن إلى تأدية صلوات تلمودية علنية في ساحات المسجد أثناء مسار الاقتحامات.

ونشر المتطرف يهودا جليك على الشبكة العنكبوتية مقطع فيديو أثناء اقتحامه للأقصى قبل أيام، وهو يؤدي صلواته بالعبرية  في الأقصى، كما ظهر في فيديو آخر رئيس مدرسة جبل الهيكل إلياهو ويبر وهو يصلي بالعبرية بشكل علني ويرفع صوته بقراءة جمل من "سِفر العدد" (أحد الأسفار المقدسة في الكتاب المقدس لدى الديانة اليهودية).

وتعمل جماعات الهيكل على تحقيق ذلك منذ نجاحها في خطوة الاقتحامات الجماعية، وطلبت من الحكومة الإسرائيلية آنذاك تمكين المتطرفين من أداء طقوس دينية، لكنها كانت ترد بأن هذا من شأنه أن يهدد الأمن وأن يشعل المنطقة.

المسجد الأقصى المبارك ، مجموعة من المستوطنين يتجولون في ساحات الأقصى بحماية الشرطة الإسرائيلية(صورة أرشيفية للجزيرة نت)⁩.JPG
مجموعة من المستوطنين يتجولون في ساحات الأقصى بحماية الشرطة الإسرائيلية (الجزيرة)

تدرّج في الانتهاكات

يقول الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص إنه في عام 2013، طُرحت أجندة التقسيم الزمني التام، وبحلول 2015 حاولت حكومة بنيامين نتنياهو فرضها بتخصيص الأقصى للمقتحمين وحدهم خلال موسم أعياد رأس السنة العبرية وعيد العُرش، وهو مما أدى إلى انطلاق هبّة القدس، وإلى تراجع نتنياهو بفرض حظر شامل على اقتحامات الشخصيات الرسمية.

وبالتزامن مع عيد العُرش عام 2019، فرضت شرطة الاحتلال على حراس المسجد الأقصى الابتعاد التام عن المقتحمين حتى لا يتمكنوا من تصويرهم، وكان الهدف الواضح من ذلك هو تمكينهم من أداء الطقوس -بحسب ابحيص- وشهد ذلك العيد ترديد صلوات جماعية وأداء طقوس في مختلف أنحاء الأقصى، وإدخال قرابين نباتية تعرف بـ"ثمار العرش".

وبعد إعادة فتح الأقصى عقب فترة الإغلاق بسبب وباء كورونا، كثف المتطرفون محاولاتهم لأداء الطقوس، وباتوا يشجعون الأطفال الذين يصطحبونهم في الاقتحامات على أداء طقس الانبطاح أو ما يعرف بـ"السجود الملحمي"، بحيث يتمكنون من أداء ما تبقى من طقوس أولا من خلال الأطفال، ثم يكملون الطريق.

صورة لجولة اقتحامية في المسجد الأقصى ويظهر بها أحد حراس المسجد الذين يمنعون الآن من الاقتراب من المقتحمين(أرشيف الجزيرة نت)⁩.JPG
اقتحام للمسجد الأقصى ويظهر فيه أحد حراس المسجد الذين يُمنعون الآن من الاقتراب من المقتحمين (الجزيرة نت)

أداء كامل

وفي إجابته عن سؤال: ماذا بعد الصلوات التلمودية العلنية في الأقصى؟ يقول ابحيص إن الهدف هو الوصول إلى أداء كامل الطقوس التعبدية، وهذا ما وعدتهم به صفقة القرن، واليوم هم يرون في خطوة الضم تطبيقا لهذه الصفقة لا بد أن يشمل الأقصى كذلك.

لذلك هم يسابقون الزمن للوصول إلى فرض كامل الطقوس بما فيها ذبح قربان عيد الفصح في قبة السلسلة، وتقديم قرابين العرش، وإدخال الشمعدان ولفائف التوراة والنفخ بالبوق، بما يمكنهم من أداء شعائر مكتملة الأركان في الأقصى، وكل طقس يؤدونه يعتبرونه تقدما ينتقلون منه نحو ما هو أبعد.

صفقة القرن في الصفحة 16 من نصها الإنجليزي، نصت على الآتي "الناس من كل الديانات يجب أن يسمح لهم بالصلاة في جبل الهيكل/الحرم الشريف، بما يحترم دينهم بشكل تام، آخذين في الاعتبار أوقات الصلاة لكل دين وأيام أعياده".

وفي تعقيبه على ذلك، يقول الباحث المقيم في الأردن "بلغة أخرى تتبنى صفقة القرن التقسيم باعتباره الحل النهائي للمسجد الأقصى، وجماعات الهيكل والحكومة الإسرائيلية يحاولون تطبيق ذلك في فترة يرونها فرصة تاريخية قد لا تتكرر لتصفية القضية الفلسطينية".

نشر فيديوهات

يقول رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى المبارك عكرمة صبري إن نشر المتطرفين لمقاطع فيديو على المنصات الاجتماعية تظهرهم وهم يؤدون الصلوات التلمودية في الأقصى، يدل بشكل واضح على الواقع الجديد الذي يسعون لتكريسه فيه.

ويضيف "يجب ألا نستسلم لمثل هذه الاقتحامات والتجاوزات ونؤكد أن ما يفعله الاحتلال بالقوة لا يعطيه أي حق بالأقصى ولا يحقق له أي مكسب. نرفض ونستنكر هذه الإجراءات التي تستفز مشاعر المسلمين ونحمّل الحكومة الإسرائيلية نتائج ما يترتب على ذلك".

الصلوات التلمودية العلنية لم تكن لتمر قبل تفريغ المسجد الأقصى من خلال اعتقال وإبعاد الحراس والمرابطين والمصلين عنه، وعن ذلك يقول المحامي المقدسي حمزة قطينة إن حملات التصعيد ضد المصلين في الأقصى انطلقت عام 2013، عبر إغلاق المؤسسات الاجتماعية والتعليمية العاملة في المسجد التي اهتمت بإحياء مصاطب العلم والدروس الدينية ونقل المصلين للأقصى، ثم حظر المرابطين والمرابطات واعتقال كل أفراد حلقات العلم بالأقصى واتهامهم بالانتماء لمنظمات غير قانونية.

المسجد الأقصى المبارك مجموعة من المستوطنين تقتحم الأقصى بحماية شرطة الاحتلال(صورة أرشيفية للجزيرة نت)⁩.JPG
متطرفون يهود نشروا مقاطع فيديو أثناء اقتحامهم الأقصى (الجزيرة نت)

الاعتقالات كانت تقتصر في ذلك العام -بحسب قطينة- على من يعترض طريق المستوطنين، وملاحقتهم أثناء اقتحامهم للمسجد، ثم بدأت الشرطة بملاحقة كل من يكبر أو يعترض بأي طريقة على دخول المستوطنين للمسجد، وتوجيه لوائح اتهام ضدهم في المحاكم تحت بند "الإخلال بالنظام العام".

وبعد سلسلة ملاحقات لمن أدرجوا على ما يطلق عليها الاحتلال "القائمة السوداء"، لجأت الشرطة لاعتقال كل من يصلي ويتواجد في المنطقة الشرقية -وبالتحديد في منطقة باب الرحمة- وبشكل تعسفي، بالإضافة لاستهداف حراس المسجد وملاحقتهم بالاعتقال والإبعاد.

وفي تعقيبه على ذلك، يقول المحامي قطينة إن "المتتبع لهذه السلوكيات يرى أن هناك مشروعا كاملا يتم تمريره بشكل تدريجي بهدف ترسيخ وجود المستوطنين في المسجد، والإقدام على نشر الفيديوهات المستفزة لمشاعر المسلمين والتباهي بانتهاك حرمة الأقصى سيجر المنطقة لتصعيد خطير".

ويأتي نشر هذه المقاطع من قبل المتطرفين بعد أيام من توجيه مديرية شرطة الاحتلال كتابا إلى دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، عن إصدار قرار من محكمة إسرائيلية يقضي بإغلاق مصلى باب الرحمة في المسجد الأقصى.

المصدر : الجزيرة