"أبو حسين".. حكاية بنّاء يهوى ترميم مساجد القدس

"بحب أسوي المسجد أحسن من بيتي، لأنه بيت الله".. هذه عبارة محمد أبو الهوى "أبو حسين" (77 عاما) التي قالها للجزيرة نت بلهجته الفلسطينية المحلية، وهو يسير معنا نحو مساجد بادر إلى ترميمها وتحسينها في البلدة القديمة بالقدس المحتلة.

يُقلّب "أبو حسين" (77 عاما) هاتفه مشيرا إلى صور المساجد قبل الترميم، ثم يفتح باب المسجد ويدخل برجله اليمنى، ثم يرحّب مفتخرا "هذا هو مسجد ولي الله المحارب.. هكذا رممتُ مئذنة المسجد العمري.. وهكذا أصبح مسجد السيوفي".

بدأ أبو حسين رحلة ترميم المساجد منذ ست سنوات، حيث بنى عام 2014 مسجد "النمر" اللصيقَ ببيته في قرية الطور شرق المسجد الأقصى، وعام 2019 رمم 5 مساجد داخل البلدة القديمة.

صاحبة الفكرة وشريكة المبادرة كانت ابنته أنيسة أبو الهوى (43 عاما) التي قررت أن تشغل والدها بعد تقاعده بعمل صالح وصدقة جارية، فبدآ بمسجد "النمر" وتبعاه بمسجد "جورة الشمعة" في مدينة بيت لحم، ثم انصب تركيزهما حول البلدة القديمة بالقدس التي تحوي 43 مسجدا.

فلسطين-القدس-مدخل مسجد ولي الله المحارب في حارة الشرف ويحيط به محال لتجار مقدسيين-تصوير جمان أبوعرفة-الجزيرة نت
مدخل مسجد ولي الله المحارب في حارة الشرف وتحيط به محلات تجار مقدسيين (الجزيرة)

تقول أنيسة للجزيرة نت إنها ووالدها تنبها لحال بعض مساجد البلدة القديمة التي تعاني الإهمال والتردي، خصوصا التي تقع في حارة الشرف التي احتلها الاحتلال وهدم بيوتها وأسماها "حارة اليهود".

وتضيف "كان والدي يزور المسجد ويعاين احتياجاته ثم يلتقط له صورا ومقاطع مرئية بهاتفه المحمول ويرسلها لي، فأقوم أنا بتعميمها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبين معارفي لجمع التبرعات وتنفيذ الترميم".

فلسطين-القدس مئذنة المسجد العمري الكبير في حارة الشرف وبجانبه كنيس الخراب اليهودي حيث يتعرض الأول للتهويد ويمنع الأذان فيه-تصوير جمان أبوعرفة-الجزيرة نت (الجزيرة)
مئذنة المسجد العمري الكبير بحارة الشرف والذي يتعرض للتهويد ويمنع الأذان فيه، وبجانبه كنيس الخراب اليهودي (الجزيرة)

يقوم أبو حسين بدوره بالتواصل مع معارفه وتجار القدس وجمع التبرعات، ثم يأخذ الإذن بالترميم من دائرة الأوقاف الإسلامية المسؤولة عن تلك المساجد، ويحضر عمالا مختصين للتنفيذ تحت إشرافه الكامل.

ويؤكد أنه يصوّر مراحل الترميم خطوة بخطوة ويرسلها إلى المتبرعين ليطمئنوا إلى مآل تبرعاتهم التي تكون على شكل نقود أو مستلزمات مادية للمسجد.

مساجد مهددة

بعد احتلال حارة الشرف عام 1967، سعى الاحتلال جاهدا لطمس معالمها العربية والإسلامية، فهدم بيوتها وطرد  سكانها إلا قلة صمدت منهم، كما هدم جزءا من مساجدها، وما تبقى منها عانى الإغلاق والإهمال ومُنع رفع الأذان والصلاة فيه سنوات طويلة.

يتفحص أبو حسين صورا لمئذنة المسجد العمري الكبير، كيف كانت ممتلئة بفضلات الطيور المتراكمة ثم نُظفت ورممت حتى غدت بيضاء ناصعة، ويستذكر كيف بُلطت وطليت جدران مسجد الديسي بعد أن كانت مهترئة يكسوها العفن والرطوبة، وكيف فُرشت أرض المسجد بالسجاد بعد أن آلم الحصير ركب المصلين.

فلسطين-القدس-محمد أبو الهوى يصلي في مسجد الديسي يعد ترميمه-تصوير جمان أبوعرفة-الجزبرة نت (الجزيرة)
محمد أبو الهوى يصلي في مسجد الديسي بعد ترميمه (الجزيرة)

ويشمل الترميم تزويد المساجد بمكانس كهربائية جديدة ورفوف خشبية للمصاحف والكتيبات النافعة، إضافة إلى تحسين نظام التهوية لمحاربة الرطوبة، وتبديل بلاط ومتوضأ بعضها وتزويدها بما يلزم المصلين.

قُلِب حال تلك المساجد بمعنى الكلمة، ورغم استمرار منع الأذان فيها بالمكبرات الخارجية، فإن الأذان قائم اليوم داخلها، والمارة من المصلين وتجار البلدة القديمة مداومون على الصلاة فيها، خاصة بعد تحسن حالها.

بركة وحياة

استفاد أبو حسين من عمل الصيانة الذي تعلمه في صباه من عمه متعهد البناء، وهو ما ساعده في تسيير مبادرة ترميم المساجد التي يقول إنها أضفت بركة ومعنى لحياته.

فلسطين-القدس-حال مسجد الديسي قبل الترميم في حارة الشرف بالبلدة القديمة-من أرشيف محمد أبوالهوى-مع الإذن بالنشر. (الجزيرة)
هكذا بدا حال مسجد الديسي قبل الترميم في حارة الشرف بالبلدة القديمة (الجزيرة)

يقول "كنت في البداية أوزع الخبز وأساهم في عمليات جراحية لمرضى محتاجين، وفي اليوم الذي أنفق فيه مالا كان يأتيني أضعافه في اليوم التالي".

ورغم تقدمه في السن واشتعال رأسه شيبا، فإنه يجد راحته في المشي الطويل بين البلدة القديمة ومساجدها، ويجد شغفه في تصوير حال المساجد قبل وبعد ترميمها، ولا تنسيه فرحة الإنجاز أن يتابع حال المساجد المرممة لتبقى بأبهى حُلّة.

أنهينا جولتنا مع أبي حسين بزيارة لمسجد الشوربجي عند مفترق سوق خان الزيت بالبلدة القديمة، الذي عاينه وصوّره بهاتفه، ثم قال "يحتاج إلى طلاء جديد ومكنسة جديدة"، ثم بدأ اتصالاته لترميم جديد في المدينة المقدسة.

المصدر : الجزيرة