مقدسيون يروون تاريخ أرض تبتلعها مستوطنة "سفوح أرنونا"

محمد دبش ومحمد جاد الله ومسن ثالث يشيرون إلى منطقة المستوطنة الجديدة على أراضي بلدتهم صور باهر
مقدسيون من صور باهر يشيرون للمنطقة التي ستقام عليها المستوطنة الجديدة على أراضي قريتهم (الجزيرة)

 
أسيل جندي-القدس المحتلة

على أراضي قرية صور باهر جنوب القدس المحتلة -وبمحاذاة السفارة الأميركية التي انتقلت إلى هناك قبل نحو عامين- بدأت آليات الاحتلال العمل على تأسيس البنية التحتية لمستوطنة "سفوح أرنونا" الجديدة التي ستضم 1800 وحدة سكنية.   

وإلى هناك انطلقت الجزيرة نت بحثا عن أصحاب الأرض الأصليين، ووجدت أن منهم من يحتفظ بوثائق تاريخية تثبت ملكيته لجزء من الأرض التي تبلغ مساحتها 250 دونما غرب القرية.

استقبلنا الستيني المقدسي محمد دبش في منزل عائلته الذي نزحت إليه بعد نسف العصابات الصهيونية عام 1948 منزلهم الواقع بالأرض التي ستبنى عليها المستوطنة الجديدة.

يقول "نمتلك دونما و86 مترا مربعا في الموقع الذي ستبنى عليه المستوطنة الجديدة، بُني عليها منزل مكون من غرفتين ومطبخ وبيت خلاء خارجي، أجره والدي لشخص وخاض معركة قضائية استمرت خمسة أعوام من أجل إخلائه ونجح في ذلك عام 1942، وعاش بها مع أشقائي وأمي حتى عام 1948 عندما فجرت العصابات الصهيونية منزلنا الواقع داخل الخط الأخضر وبتنا نسمى لاجئين داخل قريتنا حتى يومنا هذا".

رغم قدمها واهتراء أجزاء منها يرفض دبش التفريط في الوثائق العثمانية والأردنية وعقد الإيجار التاريخي، وهي ما يثبت حقه في أرض والده الواقعة غربي البلدة على تلة خضراء مطلة زرعها أهالي صور باهر على مدار عقود.

‪دبش يحمل الوثائق التي تثبت ملكية عائلته للأرض‬ (الجزيرة)
‪دبش يحمل الوثائق التي تثبت ملكية عائلته للأرض‬ (الجزيرة)

تاريخ
حسب الوثائق التي يمتلكها دبش، كانت هذه الأراضي مشاعا بالفترة العثمانية، وعمل أهالي صور باهر على زراعتها وخصص جزء من محصولها للمسجد الأقصى، وبعد هزيمة الدولة العثمانية بالحرب العالمية الأولى تملك كل شخص القطعة التي كان يزرعها، ولاحقا وقعت داخل الخط الأخضر، في حين وقعت بقية الأرض بالمنطقة الحرام الفاصلة بين حدود عامي 1948 و1967.

قبل عام ونصف العام وعندما سمع دبش أن مستوطنة ستبنى على تلك الأرض، توجه مع بضعة أشخاص إليها، لكن الشرطة الإسرائيلية طردتهم منها، وأجبرتهم على التوقيع على تعهد بعدم الاقتراب منها مستقبلا.

لم يدخر دبش جهدا في محاولة الحفاظ على أرضه، فتوجه إلى محافظة القدس وعدة محامين فأبلغ أن قطعة الأرض التي تملكها عائلته بالتحديد تقع ضمن حدود عام 1948، ويسري عليها ما يسري من قوانين على مدينة حيفا وعكا وكافة مناطق الداخل المحتل، وأن لا فائدة من محاولة استعادتها.

ما يعزي دبش أن أيا من الوحدات الاستيطانية الجديدة لن تبنى على أنقاض منزل عائلته حسب الخرائط التي يمتلكها، لأن ما تسمى "سلطة الآثار الإسرائيلية" أحاطت منزلهم بالسياج واعتبرته منطقة أثرية.

‪المقدسي جاد الله يتحدث عن ذكرياته في سرايا الجهاد‬ (الجزيرة)
‪المقدسي جاد الله يتحدث عن ذكرياته في سرايا الجهاد‬ (الجزيرة)

ذكريات الجهاد
وعند أقرب تلة مطلة على الأرض التي ستختفي ملامحها الخضراء قريبا بعد تشييد المستوطنة الجديدة، بدأ دبش -والمعمر محمد جاد الله (99 عاما) ومسن ثالث من صور باهر- الحديث عن مواقف نضالية تاريخية شهدوا عليها في تلال ووديان قريتهم الوادعة.

كان جاد الله برتبة ملازم أول في الفوج الثالث بالسرية الرابعة بالجهاد المقدس، فأخذ يتحدث عن الأرض والمعارك التي دارت عليها قائلا "إن ثلاثة منازل شيدت على تلك الأرض أحدها لصالح دبش والآخر لأحمد علياء والثالث بيت شعر لشخص كان يملك حصانا ويربطه بوتد خيمته، في حين زرعت بقية الدونمات بمزروعات مختلفة تاريخيا".

ويتابع "صور باهر في الخطوط الأمامية كانت تحيط بها خمس مستعمرات، ولحماية أهالي البلدة كلفنا ضابط أردني رفيع المستوى بزرع المنطقة المحاذية لهذه الأرض بالألغام، لحماية أهالي البلدة من هجوم العصابات الصهيونية".

عام 1948 وبعيد تفجير منزل عائلة دبش استحكمت العصابات الصهيونية في المنزل الآخر، وحسب جاد الله فإن اجتماعا عقد للقيادة العليا بالجهاد المقدس صدر عنه قرار زراعة ألغام وتفجير المنزل لأن العصابات استخدمته مقرا لقناصتها وقتلت عددا من أهالي البلدة.

‪السفارة الأميركية بمحاذاة المستوطنة الجديدة وعلى يمينها فندق الدبلومات‬ (الجزيرة)
‪السفارة الأميركية بمحاذاة المستوطنة الجديدة وعلى يمينها فندق الدبلومات‬ (الجزيرة)

المخطط
أجمع الثلاثة على اسم تلك المنطقة الذي ما زال يتداوله مسنو صور باهر حتى يومنا هذا وهو "الرُجُم" نسبة إلى تلة كبيرة من الحجارة جمعها أصحاب الأراضي لتنظيف أراضيهم واستغلالها للزراعة قديما.

أما الأكاديمي فؤاد أبو حامد (أحد أبناء صور باهر) فيقول إن مصممي المستوطنة الجديدة أبقوا على الرُجُم وعلى قناة مياه رومانية بالمكان لتعميق الغصة في قلوب أهالي البلدة.

ويضيف للجزيرة نت "المستوطنة الجديدة تقع بالكامل خارج الخط الأخضر وستحوي 1800 وحدة سكنية على مساحة 250 دونما إلى الغرب من صور باهر، والبناء سيكون متنوعا بين أبراج تصل إلى 21 طابقا وبنايات حتى تسعة طوابق وفلل أيضا".

كما أشار إلى أن المستوطنة الجديدة تقع بمحاذاة السفارة الأميركية، معتبرا أن ذلك كان سببا في تأجيل التنفيذ لعدة أشهر لحين الحصول على الموافقة الأميركية.

وأشار أبو حامد إلى أنه مقابل هذه المستوطنة على الجهة الأخرى من الشارع، قررت إسرائيل بناء أربعمئة وحدة سكنية للفلسطينيين عام 1994، وذلك بعد الانتقادات التي وجهت لتل أبيب حينها عند بناء مستوطنة "هار حوما" بأن إسرائيل تبني فقط لليهود بالقدس، وهذا المشروع تقلص الآن إلى 220 وحدة سكنية، ولا يلوح تنفيذه بالأفق حتى الآن.

المصدر : الجزيرة