تُقلق التجار وتكبلهم.. مشاريع تنظيمية إسرائيلية جديدة في شوارع حيوية عربية بالقدس

قبل أيام بدأ التجار المقدسيون في شارع صلاح الدين الأيوبي يومهم الاعتيادي -الذي يبدأ وينتهي منذ شهور بدون أي حركة تجارية تذكر جراء كورونا- على وقع إجراء إسرائيلي جديد تمثل بتثبيت لافتات تفيد بأن اللجنة اللوائية الإسرائيلية بالقدس أودعت مخططا هيكليا لمشروع "مركز مصالح رئيسي شرق"، وأمهلتهم شهرين للاعتراض عليه.
ووفقا للافتات التي ثبتت، فإن المشروع يهدف لتطوير وتنظيم التخطيط وحقوق البناء لمركز المصالح التجارية شرقي المدينة، وتوجيهات لتعليمات البناء للمناطق المختلفة في حدود المشروع وتطوير الفضاء العام.
وضمن تفاصيل هذا المشروع -الذي سيتضمن تغييرات جذرية في عدة شوارع بالمدينة- سيتم تحويل شارع صلاح الدين الأيوبي التاريخي لشارع للمشاة فقط.
شعر تجار الشارع بأن اللافتات تحمل معلومات فضفاضة تفتقد لإجابات شافية عن أسئلتهم المتكررة عن مصير محالهم التجارية، والتخصصات التي يعملون بها في حال تم تغيير معالم الشارع بشكل جذري.
التاجر المقدسي رامي قرّش قال إن سلبيات المشروع ستفوق إيجابياته بالتأكيد؛ لأن المقدسيين اعتادوا ركن سياراتهم في أول ومنتصف وآخر الشارع لقضاء حاجياتهم بشكل سريع، لكن مع تحويل الشارع للمشاة فقط سيعزف الكثير عن التوجه للتسوق من الشارع، الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة بسبب الركود الاقتصادي.
وأضاف "لا يوجد مواقف سيارات كافية في القدس، ولن تتسع لنا كتجار عندما نحرم من إدخال سياراتنا للشارع مستقبلا، فكيف ستكون المواقف كافية لنا وللمتسوقين؟".

نسف هوية الشارع الحالية
قلق آخر يراود التجار في شارع صلاح الدين الأيوبي، وفقا لقرّش، إذ يعتقد الكثيرون أنهم سيضطرون لتغيير تخصصات حوانيتهم تماشيا مع أجواء الشارع الجديد، الذي سيكون بعيدا عن الطقوس العربية التقليدية المتبعة منذ عقود طويلة، وسيجدون أنفسهم مضطرين لمواكبة مواصفات الشارع الجديد.
هذا القلق يؤكده رئيس لجنة تجار القدس حجازي الرشق، الذي قال إن التجار لا يملكون أي معلومات عما تنوي البلدية تنفيذه في الشوارع رغم أنهم أصحاب الشأن، وكان لا بد من إطلاعهم على أدق التفاصيل.
"لذلك تواصلنا مع جهات قانونية بهدف إطلاعنا على تفاصيل المخطط، وفي حال كان المشروع يتعارض مع مصالح التجار أو سيغير معالم الشارع، فسنلجأ للاعتراض بشكل قانوني للبلدية".
وأضاف الرشق في حديثه للجزيرة نت أنه يجدر بالبلدية والأذرع الأخرى وقف ممارساتها التعسفية اليومية بحق تجار القدس قبل إيداع مخططات هيكلية لتطوير الأسواق وادعاء أنها لصالح التجار.
"طواقم من 6 مؤسسات إسرائيلية تداهم المحال التجارية في القدس يوميا، وتحرر المخالفات التعسفية، ويدعون أنهم يريدون مصلحتنا من خلال تطوير الشوارع، إذا كان الأمر كذلك، فليخففوا القيود والضرائب المفروضة علينا، ولا نريد منهم شيئا بعد ذلك".
ويرى الرشق أن الانتعاش الاقتصادي في القدس يمكن أن يتحقق مجددا من خلال فتح الحواجز العسكرية أمام أهالي الضفة الغربية للتسوق في القدس كما كان الوضع قبل إقامة الجدار العازل.
"لدينا آراء كثيرة في كيفية إنعاش الحركة التجارية؛ لكنهم مصممون على إصابة أسواقنا في مقتل، خاصة في ظل تخوف الكثير من المقدسيين وأهالي الداخل المحتل من الوصول للبلدة القديمة والمسجد الأقصى، بسبب الرعب الذي تسببه الشرطة الإسرائيلية للمصلين خلال اقتحام المستوطنين للأقصى".
وأوضح أن الضرر من المشروع الجديد سيلحق بـ175 تاجرا مقدسيا في شارع صلاح الدين الأيوبي، وأكثر من 80 مكتبا للخدمات، و4 فنادق ستتضرر بشكل كبير عند تخصيص الشارع للمشاة؛ بسبب عدم تمكن الحافلات من إنزال وتحميل الأفواج السياحية وأمتعتها.

رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية العربية في القدس، كمال عبيدات، قال للجزيرة نت إن الغرفة ترفض العبث في الشوارع التاريخية للبلدة القديمة والقدس بشكل عام، وإن هذا المشروع يأتي بدون التشاور مع التجار، ويندرج ضمن سياسة أحادية الجانب تهدف لتغيير ملامح المدينة، والقضاء على أسواق القدس التاريخية.
وأكد أن الغرفة ومنذ تثبيت اللافتات في شارع صلاح الدين الأيوبي تعقد اجتماعات بهدف الإسراع في تقديم اعتراضات على المشروع لدى البلدية.
بدوره، قال الباحث الاقتصادي المقدسي محمد قرّش إن البلدية تسعى لتغيير ملامح شارع صلاح الدين الأيوبي منذ 20 عاما قبل رحيل فيصل الحسيني؛ لكن انتهى النقاش حينها بسبب الاعتراض على المشروع.
ويرى قرّش أن الأهداف الأساسية من المشروع هي محو الهوية العربية، وتحويل طابع الشارع من شرقي إلى غربي، وإعادة هندسة المدينة بحيث تتلاءم مع ما يريده الإسرائيليون كما هو الوضع في القدس الغربية.
"القدس مدينة كل ما فيها ينطق باللغة العربية حتى الآن، وهذا ما يريدون طمسه للأبد عبر تغيير ملامح الشوارع الرئيسية، التي يعمرها ويقصدها الفلسطينيون، وهذا خطير ليس لأنهم يريدون تحويل أحد الشوارع لممر للمشاة فقط؛ بل لأننا يجب أن نربط بين هذا المشروع ومشروع وادي السيليكون في وادي الجوز، لندرك أن كل ما حولنا لن يكون كما كنا نعرفه منذ عقود طويلة".
أما المحامي مهند جبارة، فقال إن البلدية طرحت مشروع أشمل تحت مسمى "مركز المدينة شرقي القدس"، ويشمل عدة شوارع بدءا من المصرارة إلى شارع رقم واحد مرورا بشوارع السلطان سليمان وصلاح الدين الأيوبي والزهراء والأصفهاني والرشيد وشارع عثمان بن عفان في حي وادي الجوز، وصولا إلى منطقة الشيخ جراح والشارع الفاصل بين شطري المدينة الشرقي والغربي.

إحكام القبضة
وفي هذا المشروع يوضح جبارة أن البلدية تطرح رؤيتها لكل أرض في هذا المربع حتى عام 2050، وبالتالي تحديد الشكل التنظيمي لمركز المدينة لـ30 سنة قادمة، وهذا يعني أن كل شخص يتقدم بمقترح لمشروع معين ضمن هذا المربع لا يتوافق مع الرؤيا، التي وضعتها البلدية، سيتم رفضه.
وأضاف أن البلدية والمؤسسات المختلفة تُحكم بالمشاريع الجديدة قبضتها تنظيميا على العقارات في القدس عبر تقييد إمكانيات البناء في بعض المناطق الحساسة، التي من الممكن أن تُحدث تأثيرا معينا على رؤيتهم النهائية للوضع السياسي في القدس.
وفي تعليقه القانوني على هذه المشاريع قال جبارة إن ما يحدث في القدس مناقض للمواثيق الدولية، وعلى رأسها معاهدة جنيف الرابعة التي تنص بشكل واضح على أنه يمنع على المحتل إحداث تغييرات جذرية في الأراضي المحتلة، وهو ما لم تتوقف عنه إسرائيل منذ احتلال شرقي القدس عام 1967.