"حوش النيرسات" في مواجهة كارثة عمرانية تهدد حياة السكان

4-المسنة المقدسية حنان سليمي تشير إلى عمق ضرر منزلها في حوش النيرسات في البلدة القديمة(الجزيرة نت).psd
حنان سليمي تشير إلى عمق ضرر منزلها في حوش النيرسات بالبلدة القديمة (الجزيرة نت)

أسيل جندي-القدس المحتلة

 
لم يشعر سكان "حوش النيرسات" في البلدة القديمة بالقدس بثقل الأيام كتلك التي يعيشونها منذ شهر في حالة من الترقب والخوف من إمكانية انهيار منازلهم فوق رؤوسهم كل لحظة.

كبقية أزقة البلدة القديمة على زوار هذا الحي المرور بعدة أسواق وأزقة ليتمكنوا من الوصول إليه، وأثناء صعودهم أو نزولهم على سلالم باب السلسلة يلاحظون تغير شكل الأرضيات بعد حفريات شركة جيحون الإسرائيلية قبل شهر لتغيير أنابيب المياه أسفل الأرض.

مع انطلاق هذه الحفريات بدأت التصدعات تظهر تدريجيا في الزقاق المؤدي لمنازل "حوش النيرسات" وسرعان ما انتقلت التصدعات لتشمل أسقف وجدران منازل كل من عائلة عابدين والسلايمة والرشق وسليمي وزاهدة وأبو عصب ووزوز، وتأوي هذه المنازل نحو مئة مقدسي.

‪مدخل الحوش في البلدة القديمة‬ (الجزيرة نت) 
‪مدخل الحوش في البلدة القديمة‬ (الجزيرة نت) 

بمجرد دخول الحوش يظهر للعيان حجم الأضرار التي لحقت بالمكان، ويسمع الزائر حديث بعض السكان وهم يفصحون عن سماع أصوات للحفريات أسفل الأرض مؤخرا.

ينهمك آخرون في إطلاع وسائل الإعلام والمهندسين والمؤسسات الحقوقية على ما آلت إليه الأوضاع، معلنين رفضهم إخلاء منازلهم بعد إمهالهم ثلاثين يوما من بلدية الاحتلال التي أكدت في تقريرها الهندسي أن هذه المنازل آيلة للسقوط وتشكل خطرا على سكانها والمجاورين.

ليس هذا فحسب بل تضمن قرار الإخلاء -الذي علقته طواقم البلدية على أبواب المنازل- بندا يشمل دفع مخالفة بقيمة 3600 شيكل (1050 دولارا أميركيا) إذا انتهت المدة التي حددتها البلدية دون أن يخلي السكان منازلهم، بالإضافة لدفع 160 شيكلا (45 دولارا أميركيا) عن كل يوم يمر بعد انتهاء المدة.

‪المنازل مهددة بالانهيار والسكان يرفضون مغادرتها‬ (الجزيرة نت)
‪المنازل مهددة بالانهيار والسكان يرفضون مغادرتها‬ (الجزيرة نت)

صمود رغم الخطر
حتى لو انهارت المنازل فوق رؤوسهم فإن السكان يقولون "نحن قررنا بشكل جماعي أننا لن نخرج منها" وهو ما صرح به المقدسي رشيد زاهدة بانفعال مطلعا الجزيرة نت على أوضاع "حوش النيرسات".

"ولدت في هذا المكان وأعيش فيه منذ عقود وغيري من المسنين يعيشون هنا منذ سبعين عاما. نحن نتهم شركة جيحون لمياه ومجاري القدس لأنها تسببت بهذه الأضرار لنا منذ شهر عندما بدأ بالحفر لترميم أنابيب مياه من بداية طريق السلسلة حتى مدخل المسجد الأقصى".

يغيب زاهدة عن الحي ويعود بعد توجهه للبلدية ويحمل أوامر إجلائه وجيرانه، ويحثهم على الصمود بمنازلهم رغم الخطر.

المسنة حنان سليمي تطل بين الفينة والأخرى على الزقاق من باب منزلها وتطلع الزوار على حاله، وهو أحد أكثر المنازل تضررا، تتحسس جدرانه وتثبت تفاصيل التصدعات في ذاكرتها.

وتقول "أمس لم يكن هذا الشرخ موجودا والمياه التي تسيل بغزارة لم تكن كذلك قبل ساعات.. يقولون إنهم يريدون إخلاءنا ونحن نقول: لن نترك منازلنا لأننا لا نملك المبالغ الطائلة لترميمها ولا نملك منازل أخرى نلجأ إليها حتى ترمم منازلنا.. نحن نتعرض لتهجير جماعي".

‪فايزة أبو عصب تحاول عيش حياة طبيعية‬ (الجزيرة نت)
‪فايزة أبو عصب تحاول عيش حياة طبيعية‬ (الجزيرة نت)

فايزة أبو عصب بدت أكثر سكان الحي هدوءا رغم تضرر كافة غرف منزلها، لكنها جلست في مكانها بغرفة الجلوس أمام المدفأة الكهربائية تحضر طعام الغداء رغم يقينها أن التصدعات قد تؤدي لانهيار المنزل فجأة قبل أن تتناول وأسرتها ورق العنب الذي تحضره بكل هدوء.

تصدح حنجرتها بين الحين والآخر بآية قرآنية أو حديث شريف، وتقول لمن حولها إن الصمود هو المطلوب من كل منا "هم يريدون تفريغ البلدة القديمة من المقدسيين لصالح اليهود وهذا ليس جديدا.. صمدنا منذ احتلال القدس حتى الآن وسنصمد حتى تصعد الأرواح إلى بارئها".

غادرت الجزيرة نت منزل أبو عصب الذي تلفه طمأنينة صاحبته ويقينها بأن الله سيختار لهم الأفضل، وبمجرد الوصول لزقاق الحي عاد صخب أصوات السكان والحوانيت المجاورة وارتفاع أصواتهم باتهام الاحتلال الإسرائيلي بكارثتهم.

علق المحامي المقدسي مدحت ديبة على قرار الإخلاء بضرورة أن يعرف السكان أن إخلاء العقار بهدف الترميم لا يمس بحقوق ملكيتهم للعقارات، ونصح السكان بالمسارعة لترميم منازلهم كي يفوتوا على البلدية فرصة التدخل لترميمها.

وأكد أن لجوء أصحاب المنازل لإغلاقها وتركها فترة طويلة قد يعرض هذه العقارات للخطر فـ "أي عقار يتم إفراغه من ساكنيه حتى لو لمدة قصيرة هو في عين الخطر خاصة أن هذه المنازل تقع في البلدة القديمة".

‪بيت عائلة سليمي أحد أكثر المنازل تضررا‬ (الجزيرة نت) 
‪بيت عائلة سليمي أحد أكثر المنازل تضررا‬ (الجزيرة نت) 

اتهام الاحتلال
يُذكر أن شركة جيحون لمياه ومجاري القدس قد بدأت قبل نحو شهر بأعمال حفر في المنطقة لتغيير أنابيب المياه في المكان، ومع انفجار أحد الأنابيب أسفل "حوش النيرسات" وتسرب المياه منها بقوة تحت الأرض، أدى ذلك لتحرك الأتربة والحجارة مما تسبب في هبوط الأرضيات في الحي وتصدع كافة منازله وزقاقه وتضررها بشكل كبير.

ويعود ذلك الضعف لبناء المنازل قديما من الأتربة والحجارة لعدم استخدام الإسمنت والحديد حينها، ومع مباشرة الأعمال الإسرائيلية لتغيير الأنابيب التي لم تغير منذ عام 1978 تضرر هذا الحي بشكل كبير.

الباحث في تاريخ القدس روبين أبو شمسية قال للجزيرة نت إن القاعدة الأساسية للأبنية في "حوش النيرسات" مملوكية، وبني الطابق الثاني منها في الفترة العثمانية المتأخرة في حين توجد تحت الأرض أقبية من الفترة الصليبية.
 
‪رشيد زاهدة يحمل أمر إخلاء منزله‬ (الجزيرة نت)
‪رشيد زاهدة يحمل أمر إخلاء منزله‬ (الجزيرة نت)

وحول سبب تسمية الحي بهذا الاسم، قال إنه أطلق عليه قديما اسم "حوش النشاشيبي" لكن فترة الانتداب البريطاني ولكثرة الثورات حينها اتخذت مجموعة من الممرضات من هذا الحي مقرا لهن لعلاج الجرحى والمرضى، وقيل أيضا إن أول قابلة قانونية في القدس خرجت من هذا الحي فأطلق عليه هذا الاسم.

ونفى أبو شمسية وجود أي نفق إسرائيلي أسفل هذا الحي لكنه أكد وجود حفريات مشتتة حوله، أقربها عليه حفرية أسفل "حوش الشاي" والتي قد تكون وصلت للحوانيت المجاورة لـ "حوش النيرسات" لكن ليس هناك ما يؤكد ذلك حتى الآن.

المصدر : الجزيرة