عائلة أبو عصب.. عندما يجبر المقدسي على تسليم بيته للمستوطنين

المقدسي حاتم أبو عصب وزوجته رانيا يقلبان ملفات عدة تتعلق باعتقال ابنهما وإخلائهما من منزلهما في البلدة القديمة بالقدس
حاتم أبو عصب وزوجته رانيا يقلبان ملفات اعتقال ابنهما وإخلاء منزلهما (الجزيرة نت)

أسيل جندي-القدس المحتلة

ما زال المقدسي حاتم أبو عصب يذرف دموعه على منزله الذي أخرج منه بالقوة لصالح الجمعيات الاستيطانية قبل خمسة أشهر حيث طردته هو وأسرته خارج سور القدس التاريخي.

ولد الأربعيني أبو عصب في عقبة الخالدية بالبلدة القديمة في القدس، وترعرع وكبر بين أزقتها ثم تزوج بابنة جيرانه قبل عقدين وأنجبنا ستة من الأبناء.

عاش الزوجان حياة رغيدة قبل استئناف الجمعيات الاستيطانية ضغوطاتها عليهما بهدف إخلاء منزلهما الذي استأجرته عائلة أبو عصب من دائرة "حارس أملاك العدو" الأردنية عام 1952.

وفي المنزل الذي استأجره في حي وادي الجوز بالقدس تحدث للجزيرة نت عن تاريخ العائلة قائلا إن جده لأبيه عاش قبل النكبة في حي البقعة أحد أرقى الأحياء التي وقعت في القدس الغربية بعد عام 1948.

هُجّر الجد وانتقل للعيش في غرفة بجوار مسجد الشيخ لولو في البلدة القديمة بالقدس حتى جاءه الجيش الأردني وأخبره بوجود منزل يمكنه استئجاره بقيمة 18 دينارا أردنيا سنويا في عقبة الخالدية، وهكذا انتقل للعيش هناك في عقار يعود تاريخيا لعائلة نسيبة التي أجّرته لسيدة يهودية لمدة 99 عاما.

‪عقد الإيجار يثبت استئجار العائلة للمنزل في زمن الحكم الأردني لشرقي القدس‬ (الجزيرة نت)
‪عقد الإيجار يثبت استئجار العائلة للمنزل في زمن الحكم الأردني لشرقي القدس‬ (الجزيرة نت)

ذكريات  
تبلغ مساحة المنزل 140 مترا مربعا عاش به الجد والأبناء وبعد وفاتهم عاش به حفيده حاتم مع زوجته وأبنائه وإحدى عماته، لكن أطماع المستوطنين لم تمهلهم طويلا إذ بدؤوا بإرسال تهديدات إليهم منذ تسعينيات القرن الماضي بضرورة إخلاء المنزل لصالح المستوطنين، لكن والد حاتم لم يول أي اهتمام لهم لأنه مُستأجر محمي حسب تعبير نجله.

ازدادت الضغوطات عاما بعد عام واضطر حاتم لخوض معارك قضائية مع المستوطنين بعد تكثيف الضغوطات عليه عام 2012. وادعاءات المستوطنين الذين يتحججون بأن المنزل يعود لسيدة يهودية عاشت به قبل عام 1948، وعندما وصل بحديثه ليوم الإخلاء لم يتمكن من حبس دموعه، ونظر إلى زوجته وقال لها تحدثي عن ذلك اليوم، لا يمكنني الحديث عنه.

بدت زوجته رانيا متماسكة طيلة فترة حديثنا مع حاتم، ولكن عندما تطرقت لتفاصيل يوم الإخلاء انهارت باكية وقالت "أخذوا منزلي.. فيه محتويات ربما لا تعني لأحد شيئا لكنها تعني لي الكثير".

صبيحة يوم 17 فبراير/شباط الماضي طرقت شرطة الاحتلال باب منزل العائلة في عقبة الخالدية في البلدة القديمة فهرعت رانيا لإيقاظ زوجها، متوقعين أن تسلمهما الشرطة إنذارا لإخلاء المنزل لاحقا لكنهما تفاجآ بقرار يجبرهما على إخلائه فورا.

ثلاث ساعات ونصف ماطل خلالها الزوجان في الخروج من المنزل وبدأت الزوجة بتفريغ خزائن الملابس بأمر من أحد الضباط، ثم توجهت لغرفة الجلوس وهناك أعطى أحد الضباط أمرا للقوات الخاصة باقتحام المنزل والهجوم على صاحبه بشكل وحشي.

يقول الزوج "استمر ضربي لمدة 25 دقيقة وتركز الضرب على رأسي.. لكنني لم أستسلم ودافعت عن نفسي بقوة ثم أخرجوني مكبل اليدين وأنا أترنح من الضرب المبرح الذي تلقيته في كافة أنحاء جسدي" يقول حاتم أبو عصب.

‪إطلالة منزل حاتم أبو عصب على المسجد الأقصى المبارك‬ (مواقع التواصل)
‪إطلالة منزل حاتم أبو عصب على المسجد الأقصى المبارك‬ (مواقع التواصل)

مشاهد لاتمحى
مشاهد الاعتداء على زوجها لا تمحى من ذاكرة رانيا التي تستذكر أنها صرخت بأعلى صوتها خوفا على حاتم فكانت النتيجة دفعها بقوة خارج المنزل على يد مجندة أخرجتها بالقوة، صمتت للحظات ثم انفجرت باكية "تلك كانت أقسى لحظات حياتي.. عرفت أنني لن أرى منزلي مجددا".

وعند سؤال الزوج عن حياته والتغيرات التي طرأت عليها خلال الأشهر الخمسة الأخيرة قال "ورثت من أبي وجدي بسطة صغيرة في باب العامود أبيع عليها أجهزة تحكم للتلفاز وغيرها، وهذا يجعلني أتوجه يوميا للبلدة القديمة فأمرُّ بجوار المنزل".

ويتابع "قبل يومين مررت ورأيت أنهم يرممون غرفة النوم الخاصة بي شعرت أنهم يدقون صدري بالمطارق وليس الجدران.. غرفتي تحتوي على ثماني نوافذ، ثلاث منها تطل على المسجد الأقصى وثلاث أخرى على كنيسة القيامة ونافذتان على زقاق عقبة الخالدية.. الآن سيستمتع المستوطنون بهذه الإطلالات الاستثنائية، أهناك أعمق من هذا الألم؟".

وكما يواظب حاتم على المرور من أمام منزله المسروق تحرص رانيا على المرور من هناك أيضا وتقول "قلبي يحترق عندما أرى العلم الإسرائيلي يتدلى من نافذة منزلي، ليتني أتنقل بين غرفه مجددا، ليتني أعود لقضاء روحانيات شهر رمضان في الأزقة العتيقة.. الآن أمر كالغريبة وهم أهل البيت.. أبكي بصمت وحرقة وأمضي".

بدأ الزوجان تأسيس حياتهما من الصفر، ومع بداية شهر رمضان استأجرا منزلا تبلغ تكلفة إيجاره الشهرية 850 دولارا، وبالإضافة لألم فقد المنزل يفتقدان ابنهما مهدي ذو الستة عشر ربيعا الذي اعتقلته قوات الاحتلال منتصف أبريل/نيسان الماضي ووجهت له تهمة محاولة إحراق المنزل المسروق بإلقاء الألعاب النارية عليه.

ومن المتوقع أن يحكم على الطفل بالسجن لمدة عشرة أشهر، وحتى ذلك الحين يواسي الزوجان نفسيهما بقراءة رسالة أرسلها مهدي من زنزانته في سجن الدامون ليطمئنهما عليه، وبرؤيته في جلسات محاكمته وإن كانت الأصفاد تكبل يديه وقدميه لكن رانيا تقول إنها لم تُكبل يوما ابتسامته "ابني جدع ولا أخشى عليه".

المصدر : الجزيرة