"القدس مكتبتي".. تعزيز الصمود بالمعرفة والقراءة

أسيل جندي-القدس المحتلة
"القدس هي حياتي وعمري، هي وطني، وعلى جدار القدس تمنينا.. المجد لنا"، بهذه الكلمات استهل الطفل المقدسي عيسى صلاح (12 عاما) قصته التي ألفها خلال فعالية "قصة وملتينة" ضمن مشروع "القدس مكتبتي" الذي تنفذه مؤسسة خزائن.
أطلق عيسى على قصته اسم "بلدي فلسطين"، وقال للجزيرة نت إنه سيبحر في فصولها بالكتابة عن مشاعره تجاه وطنه المحتل والطريقة التي احتل بها، وعن الجدار العازل الذي يفصله عن مدينته المقدسة ويمنعه من الوصول إليها دون الانتظار على الحاجز العسكري، كونه يسكن في بلدة كفر عقب.
على غلاف قصته رسم عيسى علم فلسطين، وعلى صدر الصفحة الأولى رسم علامة النصر، وبجواره يجلس زميله وائل شحادة الذي كتب قصته تحت عنوان "يوم الأرض 1976" وفي سطورها سرد ألم أم تلقت نبأ استشهاد نجلها ذي الستة عشر ربيعا خلال مشاركته في مظاهرات يوم الأرض.
وائل بدا أكثر الطلبة هدوءا وإصغاء خلال الورشة، وما إن طُلب منه ومن زملائه الشروع برسم صورة غلاف القصة حتى سارع في رسم امرأة تخرج من جذع شجرة ورجل غريب يقف بجوار الشجرة ويستعد لاقتلاعها.

طفولة قاسية
"أحب الرسم وتأليف القصص والقراءة.. دمجت كل هواياتي في هذه الفعالية التي نحتاج لتفريغ طاقتنا وأفكارنا من خلالها، لكنني أتمنى لو كنتُ أعيش طفولة هادئة مثل بقية أطفال العالم لأكتب قصة أكثر تفاؤلا"، يقول وائل للجزيرة نت.
ويضيف أنه استمتع بالتعرف إلى تفاصيل عمل مؤسسة خزائن المهتمة بجمع القصاصات وأرشفتها، وبالتعرف إلى مشروع "القدس مكتبتي" الذي حفزه على التعرف إلى مكتبات القدس وزيارتها.
"الحرية، يوم الأرض 1976، بلدي فلسطين، القدس المحتلة، سفينة يافا، الفهد في البراري، الصاروخ السريع، السكن في جهنم الحمراء، قطار القدس يافا بيروت دمشق عمان" هي عناوين أبرز القصص التي كتبها الأطفال بعدما طلب منهم مرشدهم الفني حمادة مدّاح الاسترخاء والإبحار في عالم الخيال لاختيار مواضيع قصصهم.
مدّاح الذي يعمل في مجال الورشات الفنية منذ سنوات طويلة، وصف مشروع "القدس مكتبتي" بالاستثنائي، وتمنى أن يحظى كل طفل مقدسي بفرصة التعرف إليه، واصفا المشروع بأنه "يضيف حالة معرفية جديدة لهذا الجيل الصغير.. ففيه نكتب ونقرأ ونرسم ونوصل المعلومات بطرق غير تلقينية تساعد المتلقين في تفريغ طاقاتهم السلبية".

ألوان قاتمة
أكد مدّاح أن تفاصيل الحياة اليومية وقسوتها تبدو جلية في رسومات أطفال القدس وخيالهم وقصصهم التي ألفوها خلال المشروع، فلم تخل ورشة من استخدام الأطفال كلمة احتلال أو من رسم جندي وسلاح.
كما لاحظ ميول أطفال القدس لاستخدام الألوان القاتمة في لوحاتهم، وقلما يلجؤون لاستخدام الألوان الزاهية، "الأطفال الذين التقيتهم اليوم مثلا قادمون من حي يقع خلف الجدار العازل، فلا يوجد حولهم أشجار وبساتين بل الجدار والمباني المكتظة والمتلاصقة، فاستخدم معظمهم اللون الأسود والرماديات في لوحاتهم".
وأكد مداح أهمية هذه الفعاليات للأطفال المقدسيين لإسهامها في تأسيس جيل قادر على بناء المجتمع من خلال الثقافة والإبداع والفن، إذ "نزرع في عقول هؤلاء الأطفال أنهم شركاء أساسيون في تكوين الهوية الثقافية الفلسطينية بعفويتهم".

زيارة المكتبات
منسقة المشروع التربوي "القدس مكتبتي" في مؤسسة خزائن إيمان عليان قالت إن المشروع يستهدف ألفي طفل مقدسي في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، وإنه بالإضافة للفعاليات الفنية التي تُنفذ مع حمادة مدّاح، يتوجه الطلبة لزيارة مكتبات القدس الست بهدف تعريفهم وربطهم بها من خلال ألعاب مختلفة مثل البحث عن الكنز أو الكتاب.
ويضاف لذلك "باحثو المستقبل"، وهو مشروع يستهدف طلبة المرحلة الثانوية، ويعرفهم بالمكتبات ثم قرى القدس المهجرة والمنازل الفلسطينية المسلوبة غربي القدس، لكتابة أبحاث علمية بعد تعليمهم آليات كتابتها.

تنشيط البحث
ويتسلم كل طالب ينضم لفعاليات المشروع حقيبة قماشية توجد بداخلها معلومات عن مكتبات القدس وكراسة تحتوي على مجموعة من القصص المقترحة وفعاليات ثقافية.
ويهدف هذا المشروع لتعزيز الصمود من خلال المعرفة والقراءة، وتسعى مؤسسة خزائن عبره لتنشيط الحراك الثقافي والبحثي في القدس وفلسطين، ولإبقاء المكتبة الفلسطينية كما كانت دوما ركيزة للعلم والمعرفة.
ويغطي "القدس مكتبتي" ثلاثة قطاعات رئيسة هي رصد احتياجات المكتبات وتوفيرها في سعي لخلق بيئة مكتبية مريحة للزائرين، وبناء منهج تربوي لتعريف الطلبة الفلسطينيين بالمكتبات المقدسية واستضافتهم بها، بالإضافة لتأسيس موقع إلكتروني يوفر قاعدة بيانات حول مصادر الكتب والمعلومات الموجودة في المكتبات الشريكة بالمشروع.
يذكر أن المشروع يأتي بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من خلال برنامج دعم صمود وتنمية المجتمع في المناطق المصنفة "ج" والقدس الشرقية.