ابنة راهبة كرّست قدراتها للتعريف بالإسلام.. تعرف إلى قصة ماريا كلارا المقدسية
جمان أبو عرفة-القدس المحتلة
ولدت ماريا في ولاية شيكاغو بالولايات المتحدة الأميركية، وترعرعت كطفلة مسيحية متقنة للغتها الأم الإسبانية إلى جانب اللغة الإنجليزية، وجاءت إلى فلسطين في عمر التاسعة لا تتقن حرفا من العربية، لكنها اليوم تُعلّم القرآن لغير الناطقين بالعربية وأحكام تجويده للأطفال الفلسطينيين.
تجلس ماريا متكئة على أحد أعمدة المصلى المرواني الضخمة في الأقصى، تروي قصصا باللغة الإنجليزية لمجموعة من الأطفال تحلقوا حولها بانتباه، وهي تحرك شفتيها ببطء محاولة تعليمهم اللكنة الصحيحة واللفظ الأمثل.
لا تخرج ماريا من بيتها في حي القرمي إلا وبحوزتها منشورات بلغات عدة للتعريف بالإسلام، لتسعفها إن صادفت أحد السيّاح الذين تستضيف من يرغب منهم في بيتها لإكرامه وتعريفه بواقع القدس والأقصى أيضا.
في بيتها زاوية خاصة للمنشورات والكتب التعريفية، تجلس فيها لتعليم القرآن لغير الناطقين بالعربية عبر شبكة الإنترنت. قرب زاويتها استضافتنا ماريا لتحدثنا عن حكايتها قائلة اختارت والدتي إيليدا توريز حين كانت في 14من عمرها أن تصبح راهبة في دير بالأرجنتين، ثم اعتزلت بعد 16 عاما إثر مرض ألمّ بها، وعادت إلى الباراغواي ليلتقي بها والدي الذي سافر للعمل هناك، ثم تزوجا وانتقلا إلى أميركا للعيش وهناك ولدت أنا وأخي الأصغر يوسف.
البدايات في القدس
كان والد ماريا، محمود وزوز، يصطحب عائلته لزيارة أهله في مدينة الخليل جنوب فلسطين، وفي إحدى المرات اصطحب نجله يوسف وحده، وبقيت ماريا وأمها في أميركا. لم تستطع الأم رعاية ابنتها لعودة المرض إليها، فلحقت ماريا بوالدها، وتقول كنت في التاسعة من عمري، أرسلوني وحدي في الطائرة المتجهة إلى فلسطين.
لحقت الأم إيليدا بعائلتها بعد شفائها، لتجد طفليها قد أجادا العربية والتحقوا بمدارس عربية في القدس. تقول ماريا إنها انتظمت في مدرسة النظامية وكانت تصادق الفتيات المسيحيات فيها فقط، وترافق أمها إلى الكنيسة للصلاة.
تضيف كنت أغلق أذني حين أسمع الأذان، وأكتب عبارات إسلامية على الأرض وأدوس عليها لأغيظ زميلاتي المسلمات في المدرسة، حتى إن أبي كان يطلب مني نطق الشهادتين متباهيا أمام أصحابه، فأنطقهما ثم أشيح بوجهي وأبصق مسرعة مشمئزة مما قلت.
الميل للإسلام
ليس هذا فحسب، بل إن ماريا كانت تحرص على مغادرة حصص التربية الإسلامية في مدرستها، وهو ما لاحظته مديرة المدرسة آنذاك عليّة نسيبة فتقربت منها وبدأت تحدثها بشكل تدريجي سلس عن قصة النبي عيسى وأمه العذراء مريم عليهما السلام، لقاءات متعددة أمالت قلب الطالبة ذات الأعوام العشرة إلى الإسلام فعادت لحضور الحصص التي دأبت على مغادرتها.
علمت أم ماريا بأمر ابنتها، فاشترت لها نسخة من القرآن وطلبت من جارتها المسيحية تعليمه لها، لكنها في أحد أيام عمل زوجها في أميركا، اصطحبت أطفالها إلى الباراغواي دون علمه.
تقول ماريا "حين اقتربنا من المطار بدأتُ بالصراخ. لم أكن أريد أن أترك كل شيء وأغادر، لكن دون جدوى. عدنا إلى موطن أمي، وهناك منعتنا عائلتها من التحدث بالعربية، كنت أحاول تذكير أخي ببعض الأذكار التي حفظتها، حينها فصلونا عن بعضنا كي لا أؤثر عليه"، قالت ذلك وخنقتها العَبَرات.
الزواج وإكمال الدراسة
طال تشتت ماريا بين والدتها التي عاودها المرض واستقرت بالمشفى وبين والدها الذي أخذها وأخاها وعاد إلى أميركا لتكمل تعليمها في مدرسة بولاية مينيسوتا وترتدي الحجاب رغم منعه، هناك علّمتها عمتها تعاليم الإسلام وتفاصيله.
استمر تنقل العائلة بين الولايات المتحدة وفلسطين، فتزوّجت ماريا بابن عمها وهي في الرابعة عشرة من العمر، وحملت بطفلتها الأولى، لكنها أكملت دراستها حتى الصف العاشر.
بعد فراق دام ست سنوات التقت ماريا بأمها، وفي عام 1992 استقرت ماريا وزوجها وأطفالها التسعة في القدس رفقة والدتها التي بقيت على دينها مع تقبلها واحترامها الكامل لاختيار ابنتها التي بادلتها التقبل ذاته، فكانت تأخذها لتصلي في أي كنائس القدس شاءت حتى وافتها المنية عام 2006.
في عام 2012 أصيبت ماريا بالسرطان، ولكنها انتصرت عليه، حيث تكلل شفاؤها بتأدية فريضة الحج عام 2014.
التقت ماريا عائلة والدتها في الباراغواي بعد 43 عاما، وهي تحرص على التواصل الدائم معهم وتعريفهم بالإسلام، كما أنها تسافر سنويا إلى أميركا لزيارة بعض أبنائها وعائلتها، وهناك تحرص على حضور مؤتمرات الدعوة إلى الإسلام والتواصل مع الجمعيات ذات العلاقة.
بلغة عربية تشوبها كلمات إنجليزية بلكنة أميركية، تصف ماريا حبها للقدس وتختم "بقدر ما أسافر وأتنقل، القدس بالنسبة لي هي الجنة وأم الدنيا".