هكذا استعادت عائلة الخياط المقدسية منزلها من المستوطنين

مصلح ودلال الخياط(الجزيرة نت)
مصلح ودلال من عائلة الخياط أمام المنزل (الجزيرة نت)

أسيل جندي-القدس

بعد أربعة أعوام ونيف من مقارعة المستوطنين في محاكم الاحتلال، تمكّنت عائلة الخياط التي تعيش في حي وادي حلوة ببلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك، من استعادة عقارها من قبضة المستوطنين بعد إثبات ملكيتها له.

بدأت مأساة العائلة يوم 30 سبتمبر/أيلول 2014 عندما استفاق أفرادها بعد منتصف الليل على تمتمات باللغة العبرية ليتفاجؤوا بأن المستوطنين يقتحمون ثلاثة منازل تعود للعائلة وسربّها أحد أفرادها محمد عادل الخياط إلى جمعيات استيطانية.

تم التسريب عن طريق السمسار فريد الحاج يحيى المتورط في تسريب 25 عقارا في بلدة سلوان بادعاء أنه يشتري هذه المنازل القريبة من المسجد الأقصى لاستعمالها نزلا لراحة المصلين الذين يتوافدون إلى المسجد بشكل دائم.

الشراء تم عن طريقه لصالح شركة "كندال فاينانس" التي تم تأسيسها في جمهورية أنغولا، والتي أجّرت بدورها المنازل أو باعتها للجمعيات الاستيطانية، مثل جمعية "العاد" الاستيطانية التي تنشط في شراء العقارات في سلوان بشكل مباشر.

ومن بين هذه العقارات التي سُربت عقار لا يبعد سوى عشرات الأمتار عن المسجد الأقصى ويعود لورثة سعدية وشفيق الخياط وعددهم ثمانية، إذ أقدم محمد عادل -أحد الورثة- على تسريب حصته في العقار للمستوطنين من خلال تعاونه مع السمسار فريد الحاج يحيى، كما تجرأ على اصطحاب شقيقته وفاء -وهي فاقدة للأهلية- إلى المحامين ودفعها للتوقيع على أوراق للتنازل عن منزل العائلة الذي تسكن به بعد وفاة والديهم.

صورة التقطتها الجزيرة نت لمنزل عائلة الخياط عام 2015 بعد تسريبه بثلاثة أشهر حيث وضع عليه العلم الإسرائيلي
صورة التقطتها الجزيرة نت لمنزل عائلة الخياط عام 2015 بعد تسريبه بثلاثة أشهر حيث وضع عليه العلم الإسرائيلي

وبلغ عدد المنازل التي سربت للمستوطنين ثلاثة منازل، يعود اثنان منها -وبمساحة 250 مترا مربعا- لمحمد عادل، والثالث مساحته 60 مترا مربعا للورثة الثمانية، وهذا ما ساعد العائلة على استرداده من المستوطنين بعد معركة قضائية مضنية.

زارت الجزيرة نت العائلة قبل أربعة أعوام بعيد تسريب العقار، وكان أفرادها غير المتورطين في التسريب يعيشون حالة من الصدمة، فبين ليلة وضحاها بات العلم الإسرائيلي يرفرف على مدخل منزل والدهم ووالدتهم، وأصبح قاطنوه الغرباء يعربدون ويتصرفون بحرية وكأنهم أصحاب الحق.

العودة للمنزل
عادت الجزيرة نت لزيارة العائلة بعد يومين من انتزاعها حقها في العقار، وكان الترقب سيد الموقف، خاصة أنهم تسلموا مفاتيح المنزل من مكتب المحاماة الذي يترافع عنهم وكانوا يتوقون لدخوله بعد غياب قسري عنه.

رافقناهم إلى مدخله لكن محاولاتهم لفتح الباب باءت بالفشل بسبب تغيير المستوطنين الأقفال، وبعد نجاحهم بفتح إحدى النوافذ أطالوا النظر بداخله وذهلوا بمدى عبث المستوطنين به، مؤكدين أن أول ما سيقدمون عليه هو ترميم المنزل وتأثيثه لتعود شقيقتهم وفاء للسكن فيه.

فتحية وازدهار وعدلة ووفاء ودلال، بالإضافة لرفيق وطه ومحمد عادل، هم الورثة الثمانية للعقار، وبعد إقدام الأخير على التسريب توجّه البقية للمحامين لرفع قضية ضد المستوطنين بدعوى أن محمد عادل لا يملك العقار وحده ولا يحق له التصرف به.

‪وادي حلوة في سلوان.. الزقاق المؤدي لمنزل عائلة الخياط‬ (الجزيرة نت)
‪وادي حلوة في سلوان.. الزقاق المؤدي لمنزل عائلة الخياط‬ (الجزيرة نت)

مدحت ديبة هو أحد محامي العائلة الذي أطلع الجزيرة نت على المسار القانوني للقضية، قائلا إنه وُكّل فورا بتقديم دعوى ضد المستوطنين الذين اقتحموا منزل وفاء بالقوة وقاموا بتغيير الأقفال بينما كانت تمكث في المستشفى لما تعانيه من اضطرابات نفسية، وقدم بدوره طلبا احترازيا لمحكمة الصلح، وبعد مرور أقل من شهرين على اقتحام المنزل، حصل على قرار احترازي مؤقت يقضي باسترجاعه من المستوطنين وتسليمه لوفاء.

لكن المستوطنين لم يرق لهم ذلك وقدموا أربعة استئنافات على قرار المحكمة، الأمر الذي مدد مكوثهم في المنزل لعامين حتى أخلوه صيف عام 2016، لكن وفاء لم تعد للسكن به بسبب حالتها الصحية من جهة ولإقدام المستوطنين في الطابق العلوي على قطع المياه والكهرباء عن منزلها من جهة أخرى.

نجاح مغلف بالقلق
استمرت المتابعة القانونية للقرار الاحترازي المؤقت حتى حصل محامو العائلة من محكمة الصلح على تثبيت لقرار إخلاء العقار من المستوطنين في التاسع من يناير/كانون الثاني الجاري.

‪منزل عائلة الخياط بعد إخلائه من المستوطنين‬ (الجزيرة نت)
‪منزل عائلة الخياط بعد إخلائه من المستوطنين‬ (الجزيرة نت)

وعن النجاح الذي حققه المحامون في هذا الملف، قال ديبة إنهم عملوا كخلية نحل وبتعاون بين مكتبه ومكتب المحامي محمد دحلة من أجل إنجاح القضية، خاصة وأن المستوطنين مدعومون بأكبر مكاتب المحاماة في إسرائيل الذين كان يحضر ثلاثة منهم في كل جلسة بالإضافة لمستشارين آخرين.

وأضاف "نحن سعيدون بالنتائج لكن من خلال خبرتنا بالمستوطنين، فمن المتوقع أن يقدموا استئنافا على قرار محكمة الصلح في المحكمة المركزية وسيقاتلون للفوز بالعقار حتى الرمق الأخير".

وتطرق ديبة إلى أنه بذل جهده لأن يحضر السمسار فريد الحاج يحيى لإحدى جلسات المحاكم لكنه تهرّب، ورغم حصول المحامي على قرار من القاضي بجلبه إلى المحكمة عن طريق الشرطة، فإن ذلك لم يتم أيضا، وعلق على ذلك بقوله "حكومة إسرائيل بأكملها وقفت إلى جانب فريد الحاج يحيى شريك جمعية العاد في كل كبيرة وصغيرة".

عقار عائلة الخياط وفي الطابق العلوي يقيم مستوطنون إسرائيليون (الجزيرة نت)
عقار عائلة الخياط وفي الطابق العلوي يقيم مستوطنون إسرائيليون (الجزيرة نت)

قبل مغادرة منزل العائلة، استمعنا لتفاصيل كثيرة وكان من بين المتحدثين عم الورثة مصلح الخياط الذي قال إن العائلة ومنذ تسريب عقاراتها لم تعد تتعامل مع محمد عادل الخياط، الذي مُنع من المشاركة في جنازة شقيقه وحضور عزائه، وإنها ستسعى لاسترداد المنزلين اللذين يعودان له ولا تزال عائلتان من المستوطنين تسكنان بهما.

أما دلال وازدهار -اللتان حملتا على عاتقهما مسؤولية مقارعة المستوطنين في المحاكم وتوجهتا برفقة المحامين للجلسات للإدلاء بشهاداتهما عن تركة والدهما لهما ولبقية الورثة- فتحدثتا عن محاولات شقيقهما عرض مبالغ مالية عليهما مقابل التنازل عن حصتيهما في العقار.

وقالت دلال "لن أتنازل يوما عن منزل شهدت على تعب والدي ووالدتي في بناء كل حجر فيه.. هنا ترعرعنا وهنا سنبقى ونتمنى أن ننجح في إخلاء المستوطنين من المنزلين الآخرين".

المصدر : الجزيرة