ما دام هنالك ثائر واحد فالقدس لنا

مادام هنالك ثائر واحد فالقدس لنا

قل للمرجفين.. ما دام هنالك ثائر واحد فالقدس لنا.

وما دامت قبُلات الأمهات الصابرات تُطبعُ على جبين الشهداء فالنصر لنا.

قل لمن يظنون ظن السَّوء إن الدائرة ستدور عليهم.. فالقدس لها فرسانها في وقت عزّ فيه الفرسان.

والقدس خيط من نور يتمسك به الثوار والأحرار، فتصغي لهمسهم السماء، ويتدفق النصر دافئا في اللحظة التي ينضج فيها اليقين، ويهدأ ارتعاش الشك في الأهداب.

نحن من ينتزع الشهادة انتزاعا، فتحيا الثورة في الصدور.. فسلامٌ على من يصدح بالتكبير ويدعو للنفير، في زمن تَساوَق فيه رجال مع الموج، فابتلعهم وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا.

البعض اعتاد الهزيمة والألم كما اعتاد القُنفُذ أشواكه، فتراه يطفئ النور عن كل فعل مقاوم، ويقلل من جدواه وتأثيره، ويبرر تحالفه مع الأعداء وتضييعه للبوصلة بالواقعية والدبلوماسية.

لكنه يغفُل وهو يصنع تمثال إسرائيل، أن إسرائيل ومنذ سبعين عاما تمسك بتلابيب ثوبنا الفلسطيني والعربي، وقوتها ليست نابعة من ذاتها ومهارتها وتفوقها، بل من سذاجة الضحية، التي لم تكتسب المناعة والتحصين بعد كلِّ صفعة وطعنة.. فمهما تلقحت الضحية فهي تقع في الداء ذاته.

وكأن عقارب الساعة لم تمشِ على معاركنا. فمعاركنا لم تتغير، وعدونا لم يتغير، وطبيعة المعركة ووجهتها هي ذاتها ما كان منها قبل سبعين عاما، وما كان منها قبل شهر أو ساعة. فمعاركنا تتشابه وتتماثل.. تتكرر الحكايات ذاتها وتتغير الملامح فقط.

البعض اعتاد الهزيمة والألم، كما اعتاد القُنفُذ أشواكه، فتراه يطفئ النور عن كل فعل مقاوم، ويقلل من جدواه وتأثيره، ويبرر تحالفه مع الأعداء وتضييعه للبوصلة بالواقعية والدبلوماسية

إذاً المعركة لم تتغير، لذلك فإن أخطر ما نمُرُّ به الآن ليس قرار ترامب وتصفية قضية اللاجئين، وتداعيات آثار أوسلو التي نعيش، ولا انضمام الأعراب لقوافل الرقيق وتطاول الحشرات التي تقتات القاذروات على الأزهار.. أخطر ما نمُرُّ به هو الهزيمة الداخلية واعتياد العَتمة وتأليه الأعداء.. فالنصر الحقيقي هو أن تشعر بالنصر داخل نفسك أولاً.

عدونا الآن يستخدم أسلحة أضعاف ما استخدمه طَوال المدة الماضية من عمر كيان الاحتلال، لأنه يحاول اجتثاث القضية من جذروها، لذلك هو يستخدم أسلحته القديمة والحديثة، وألوانًا شتى من الكيد والمكر، وكل ذلك في ضربة يظنها القاضية، وما عرف أن الفلسطينيين وحدهم القادرون على إيقاظ ذاكرة التراب، ورد طعنة العدو لنحره.

بشارات النصر تملأ الكون، طائرات ورقية تقض مضجع الاحتلال.. وحدات إرباك ليلي.. صمود في الخان الأحمر.. مسيرات العودة.. اقتحام للمستوطنات.. عمليات فردية هنا وهناك. كل ذلك أعلى سقفاً من محدودي النظر الذين لا يرَون أبعد من أنوفهم، ولا يرون إلا بأعينهم، وبِشارات النصر لا تُرى بالعين المجردة، وإنما بالقلب. فاعتنِ بقلبك يا ابن أمّ.. وأصغِ لوعد ربك، فالأشياء العظيمة لا تُرى إلا بقلب يشدك إلى السماء، ويقطع أسبابك من الأرض.

وقد يقول قائل إنني أتمادى في غَيِّي وفي حسن ظني.. ألا ترين الرِّق وقد استفحل.

هذا صحيح، فالرقيق يتسابقون في مضمار الذل والعبودية، وقد انقلبت المفاهيم والمعاني فأضحت العبودية والرق قمة الحرية.

وما نسيت أن الرِّق درجات، وأدناهم الذين يخدمون أكثر من سيد، ويدينون بأكثر من دين، وأما الذين في الدرْك الأسفل فهم الذين ينفخون أبواق الطغاة بالمجان. وهناك صنف آخر يستمرئ الذل، ويتلذذ بقيده، فحتى لو كسر قيده أعاده، وهؤلاء لن يضرَّنا كيدُهم شيئا.. وهؤلاء من عرّاهم الله في وقت تبديل المواقع والثياب، فانكشفت عوراتهم، فتخففنا منهم، وأنّى لهم أن يلحقوا بركب النور والتحرير.

لا بد أن نقول في النهاية بأن التآمر على القضية الفلسطينية لا يكون بالتقليل من شأن المقاومة والمقاومين فقط، بل يكون بنفخ الصَّلصال الصهيوني، ونحتِه كآلهة، فاحذر أن تقع في الشَّرَك، فأثمن ما يملكه الإنسان هو إرادته ونظرته عن ذاته، فإن استخفَّ ذاته كانت القاصمة، وهذا لا يعني بالطبع أن نكون فوق النقد والتحليل وتصحيح المسار، وأن نحوّل التراكمات الإيجابية والانتصارات إلى قفزات كبيرة.

المصدر : الجزيرة