العالم في مدينة

كتاب العالم في مدينة القدس
غلاف كتاب "العالم في مدينة" من إصدارات "القدس كما لم تعرفها من قبل" (الجزيرة)

أسامة المغربي-عمّان

تحت شعار "القدس كما لم تعرفها من قبل" أصدرت وحدة تطوير المحتوى العلمي في "ملتقى القدس الثقافي" في عمان كتاب "العالم في مدينة" وصممته ليكون الأداة الأساسية في إعداد منهاج متخصص في علوم بيت المقدس، يتسم بالسهولة والامتاع، من خلال تزويده بعشرات الصور والرسوم التوضيحية والخرائط.

يستعرض هذا التقرير فصول الكتاب المختلفة المرتبطة بمنظومة من الأهداف، والتي بتحققها يتوقع من القارئ أن يمتلك قاعدة معرفية صحيحة، تنسجم مع الرؤية الإسلامية وتدفعه للعمل لأجل القدس.

‪المؤلف: مجموع من الباحثين‬ 
المؤلف: مجموع من الباحثين
الناشر: ملتقى القدس الثقافي، عمّان
الطبعة الأولى: 2018
عدد الصفحات: 300
‪المؤلف: مجموع من الباحثين‬
المؤلف: مجموع من الباحثين
الناشر: ملتقى القدس الثقافي، عمّان
الطبعة الأولى: 2018
عدد الصفحات: 300

منهجية الكتاب
يصدّر الكتاب نفسه كمنهاج متخصص في علوم بيت المقدس، والتي يعرّفها بأنها أهم الدراسات المتعلقة بالمدينة المقدسة من تاريخ وجغرافيا وواقع واستشراف للمستقبل، وارتباط للعقيدة اليهودية والمسيحية بالمكان.

يتّبع "العالم في مدينة" أسلوب البحث العلمي في نقل المعلومات، مبتعدا عن النقل الحرفي والتّجميع من الكتب والمصادر، فهو نتاج عملية بحث وتحقيق من عدّة مصادر، استمرت على مدار ثمانية أعوام، للخروج بنتيجة واحدة. ويتميز الكتاب بمنهج يحترم العقل ويحفز التفكير والتحليل، بالإضافة إلى مراكمة المعلومات وتكاملها.

يستعرض الكتاب أبرز معالم المسجد التي يصل عددها إلى مئتي معلم، ويعدد أحكام وفضائل الصلاة والمكوث فيه والإقامة بجواره، ويفسر معاني الآيات القرآنية التي اشتملت على ذكره

ومصطلح "بيت المقدس" هو الاسم الإسلامي الذي أطلق على القدس وشاع استخدامه في السنة النبوية وكتب التراث الإسلامي، ويقصد به المسجد الأقصى المبارك أو مدينة القدس، أو كامل إقليم الأرض المقدسة، إلا أن الكتاب يستخدمه عند التطرق للنصوص الدينية الإسلامية التي قد تشير إلى حدود تتجاوز المدينة.

ويتخذ كتاب "العالم في مدينة" شعار "المسجد أولا ثم المدينة" ويتبنى الرؤية الإسلامية لمدينة القدس، كما يركز على خصوصية القدس من بين المدن الإسلامية الأخرى، اعتمادا على حقائق القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وما توصلت إليه الدراسات الأثرية والتاريخية المحكمة، والاستعانة ببعض نصوص التوراة التي لا تتعارض مع ما سبق من المصادر، وتم التطرق لها بسبب عدم كفاية المصادر الأخرى للخروج برواية تاريخية متماسكة ومتكاملة.

ويتألف الكتاب من ثلاثمئة صفحة، وتتوزع وحداته الثماني على أربعة محاور: المنظور والتاريخ والعقائد والواقع، وتتحقق الفائدة للقارئ بالمرور على محاور الكتاب على التوالي لتتبع العلاقة التي تربطهم ببعضهم البعض، أو بالاستفادة من كل محور على حدة.

المنظور والمفاهيم
يستفتح متن الكتاب بتعريف المسجد الأقصى المبارك، بأنه كامل المساحة المسورة بشكل شبه مستطيل والبالغة 144 دونما، ويقع في الجهة الجنوبية الشرقية من البلدة القديمة في القدس.

ويستعرض أبرز معالم المسجد التي يصل عددها إلى مئتي معلم، ويعدد أحكام وفضائل الصلاة والمكوث فيه والإقامة بجواره، ويفسر معاني الآيات القرآنية التي اشتملت على ذكر المسجد الأقصى، ويذكر الأحاديث النبوية الواردة فيه، مع التركيز على تفاصيل معجزة رحلة الإسراء والمعراج، ليؤكد أيضا أن المسجد الأقصى مقدس إسلامي حصري مرتبط بعقدية كل مسلم.

ويتوسع جانب المفاهيم في هذه الوحدة ليشمل تعريف مدينة القدس وأسماءها وتضاريسها وموقعها الجغرافي وأبرز معالمها، كما يوضح مكانة المدينة في الإسلام، وارتباط مسماها بمفهوم القداسة، ويعتبر الكتاب أن قداسة القدس تتجلى وفق الرؤية الإسلامية، وأنها تحتضن ساكنيها كلهم من أتباع الديانات الثلاث عندما تكون القدس تحت سيادة المسلمين.

تاريخ المدينة
في سرد تاريخي ثري يستعرض الكتاب تاريخ مدينة القدس منذ بدء البشرية وحتى عصرنا الحالي، ويكتشف القارئ تلك اللحظة الحاسمة التي انتقل بها الإنسان من حياة التنقل إلى الاستقرار، وبناء القرى ثم المدن والممالك، ويشاهد تشكل الحضارات المتعاقبة حول المسجد بشكل مرتبط برسالة الأنبياء، فيفتتح زمان المدينة ببناء آدم عليه السلام للمسجد، ويعتبر النطوفيون أول ساكنيها، والكنعانيون العرب أول من شيد حضارة فيها.

ويذكر الكتاب كيف مر الأنبياء إبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف بالمدينة المقدسة، وكيف عاش بنو إسرائيل بها واضطهدهم الفراعنة، وتلك اللحظة الفارقة التي تردد بنو إسرائيل بدخولها، ثم ذلك الفتح المبين على يد داود، والملك العظيم الذي آتاه الله لسليمان، ثم انقسام بني اسرائيل على نفسهم، واحتلال الأرض من قبل البابليين ثم الفرس ثم الإغريق ثم الروم، ليفتتح عهد جديد ببعث عيسى، تبعه تمرد يهودي قمع من قبل الحكم الروماني الذي بقي مسيطرا على المدينة حتى العهد الإسلامي.

يوضح الكتاب مساعي الاحتلال لإحداث توازن في معادلة السكان بحرب ديموغرافية مركزة، حيث يسعى في سبيل تحقيق ذلك لجعل أصحابها العرب أقلية هامشية بلا أي وزن، مقابل أغلبية ساحقة لليهود

وعلى الرغم من ارتباط المسلمين بالمدينة منذ اللحظة الأولى لبناء المسجد، واتخاذه قبلة منذ بداية البعثة، فإن الارتباط ازداد وثوقا في رحلة الإسراء والمعراج "لتكون بمثابة تسليم للراية من جميع الأنبياء إلى رسول الله محمد، ممثلا عن أمة الإسلام" ولتبدأ سرايا الجيوش والمعارك الفاصلة المهيئة لفتح بيت المقدس، والتي يعرضها الكتاب بتفاصيلها، مع التركيز على معركة اليرموك التي كان لها الدور الأبرز في الفتح الذي تم على يد عمر بن الخطاب في العام الـ 16 للهجرة، ليتولى المسلمون بعدها السيادة على بيت المقدس.

ويستعرض "العالم في مدينة" الحضارات الإسلامية المتعاقبة على بيت المقدس، ابتداء بعمران الدولة الأموية للمدينة والمسجد، واستكمالا بالدولة العباسية والفاطمية، منقطعا بالحملات الصليبية المتعاقبة على المنطقة التي انتزعت القدس من أيدي المسلمين، قبل تحريرها على يد صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين.

وكان الفتح الصلاحي تتويجا لمشروع بدأته الدولة الزنكية تبعته فيه الدولة الأيوبية، ليستقر الحكم بعدها للدولة المملوكية ثم العثمانية التي استمر حكمها للمنطقة حتى احتلت القدس عام 1917 بانتداب بريطاني مهد الطريق للاحتلال الصهيوني الذي يسيطر على القدس اليوم.

ولا يغفل تاريخ الكتاب توثيق محاولات المقاومة المستمرة حتى هذه اللحظة رغم كل محطات الانتكاس التي مرت بها المدينة في ظل الاحتلال.

القدس بالعقائد الأخرى
"تنفرد القدس عن سائر البقاع التي يقدسها أصحاب الديانات الثلاث، بأنها المدينة الوحيدة التي ترتبط بالمعتقد اليهودي والمسيحي والإسلامي على حد سواء في عالمنا اليوم، فعلى الرغم من أنها إحدى البقاع الثلاث المقدسة في الإسلام، إلا أنه يسمح لأصحاب العقائد الأخرى بسكناها، وتعد هذه الصفة واحدة من خصائصها".

ولتوضيح ذلك يطرح الكتاب بجرأة وموضوعية العلاقة التي تربط اليهود بهذه الأرض، بدءا بتعريف اليهودي واليهودية كديانة وقومية، ويشرح بعض معتقداتهم ومقدساتهم وكتبهم، ثم يتطرق لنشأة الصهيونية وعلاقتها بالعقيدة اليهودية وتقاطعها مع الاستعمار الحديث، ليختم هذا الفصل بتوضيح الروايات المتعلقة بالمعبد.

ثم يتطرق إلى جانب العقيدة المسيحية وعلاقتها بمدينة القدس، فيوضح مفهوم المسيحية والمسيحي، وأركان المعتقد المسيحي كالتثليث والتجسد والصلب والفداء وغيرها، ويشرح أيضا مراتب نظام الكهنوت المسيحي، ويستعرض جميع الطوائف المسيحية وعلاقتها بمدينة القدس وأبرز مقدساتهم فيها.

يصل الكتاب لنتيجة مفادها أن الصراع مستمر ومتصل بسلسلة تاريخ القدس، ليرسم خطا متعرجا، يكاد يتطابق صعودا وهبوطا مع حال الأمة الإسلامية، وكأن الصراع على القدس والمسجد الأقصى يمثل مستقبل الأمة ومسارها الحضاري

القدس اليوم
ينتصف الكتاب بشرح الواقع الصعب الذي تعيشه المدينة المقدسة اليوم، ويعرض أبرز التحديات التي تخوضها وهي ترزح تحت احتلال منذ مئة عام مضت، فعلى مدى هذه الأعوام سعى الاحتلالان المتتاليان (البريطاني والصهيوني) جاهدين لطمس هوية القدس، وفرض حضور يهودي سكاني وثقافي وعمراني فيها، وصولا إلى محاولة إلغاء وجود أهلها المقدسيين، والسيطرة على المسجد الأقصى المبارك، أقدس مقدساتها الإسلامية ومحاولة إحلال معبد يهودي مكانه.

ويوضح مساعي الاحتلال لإحداث توازن في معادلة السكان بحرب ديموغرافية مركزة، حيث يسعى في سبيل تحقيق ذلك لجعل أصحابها العرب أقلية هامشية بلا أي وزن، بمقابل أغلبية ساحقة لليهود.

ويتخذ الاحتلال في سبيل تغيير الواقع أساليب متعددة، يفصّلها الكتاب ويدعمها بخرائط وصور توضيحية تبسط المعلومة للقارئ: من تغيير مستمر لحدود القدس، وطرح مشاريع تهويدية مختلفة كمشروع "القدس الكبرى" ومشروع "القدس كمركز عمراني" ومشروع "جدار الفصل العنصري". ويسعى في هذه الأساليب وغيرها إلى طرد السكان من بيوتهم، ودفع اليهود للاستيطان فيها أو في البؤر الاستيطانية التي تتكاثر بشكل مستمر.

ولا يكتفي الاحتلال باستهداف السكان فقط، بل يحرص على استهداف المقدسات، فيستهدف المسجد نفسه بمشروع التقسيم الزماني والمكاني، ويفتح المجال أمام اقتحامات المتطرفين، ويحاول فرض أمر واقع لنزع الحصرية الإدارية الإسلامية.

كما يسعى لتهويد محيط المسجد بإقامة مشاريع عمرانية تهويدية من مدن سياحية وكنس وحفريات، تنفيذا للمشاريع الكبرى التي أعدها بالتفصيل، فيأتي كتاب "العالم في مدينة" ليشرح بالتفصيل أبرز هذه المعالم، وكيف يتعمد الاحتلال استهداف المقدسيين في قطاعات مختلفة كالوضع القانوني والتعليم والإسكان والصحة والبنية التحتية.

ولم يغفل الكتاب التركيز على فترة الحكم الأردني للقدس الممتدة بين عامي 1948 و1967 والتي أهمل الاهتمام بها في معظم المؤلفات، بسبب التركيز على مجريات الاحتلال وآثاره. إلا أن الدور الأردني لم يقتصر على جانب الإعمار الهاشمي للمسجد الأقصى، بل تعداه إلى الوصاية الأردنية على المسجد وتولي الشؤون الإدارية والمالية فيه، ويستعرض الكتاب أبرز التحديات التي تواجه هذا الدور والسبل الممكنة لحمايته.

وفي الخاتمة فصل يعرض حاضر الصراع على مدينة القدس ومستقبله، مراعيا المسارات المختلفة بين الصراع المسلح ومساريْ التسوية والمقاومة الشعبية، فيشرح محطات مبادرات الاحتلال البريطاني والأمم المتحدة لتسوية الصراع، ويحلل نتائج الصراع على المسجد ومحاولات كسر صمود الشعب الفلسطيني المتكررة ونتائج المواجهات العسكرية المتعاقبة.

ويصل الكتاب لنتيجة مفادها أن الصراع مستمر ومتصل بسلسلة تاريخ القدس، ليرسم خطا متعرجا يكاد يتطابق صعودا وهبوطا مع حال الأمة الإسلامية، وكأن الصراع على القدس والمسجد الأقصى المبارك يمثل مستقبل الأمة ومسارها الحضاري، وما سيؤول إليه آخر المطاف.

المصدر : الجزيرة