غزة تكمل انتفاضة الأقصى على طريقتها

شهداء وإصابات في مسيرات العودة كل جمعة على حدود غزة دون تراجع أهالي غزة عن مسيرتهم (الجزيرة)
مسيرات العودة كل جمعة على حدود غزة تُذكّر بالانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى (الجزيرة)
أيمن الجرجاوي-غزة

حجارة وزجاجات حارقة وإطارات مطاطية مشتعلة، أدوات مقاومة شعبية بدائية كانت وما زالت خيار الفلسطينيين في مقارعة الاحتلال الإسرائيلي، وهي قديمة استُخدمت في الانتفاضات السابقة، وتُستعمل اليوم في مسيرة العودة وكسر الحصار في قطاع غزة، لكن مع اختلاف الجغرافيا.

قبل 18 عامًا كانت تلك الأدوات تترجم غضب الفلسطينيين على اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون المسجد الأقصى، أمام حواجز الاحتلال التي كانت تُقطّع أوصال القطاع، لكنها اليوم تُمطر الجنود على حدود غزة رفضًا للحصار، ومخطط تصفية قضيتهم، ولاسيما ملف القدس واللاجئين.

تشهد حدود غزة كل جمعة مسيرات العودة وكسر الحصار 
تشهد حدود غزة كل جمعة مسيرات العودة وكسر الحصار 

المشاركة الشعبية
شهدت انتفاضة الأقصى -التي استمرت نحو خمس سنوات (2000-2005)- زخمًا شعبيًا واسعًا، وبعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005، انحسرت المقاومة الشعبية كثيرًا، وبرزت إلى الواجهة المقاومة المسلحة.

لكن مسيرات العودة -التي انطلقت بغزة في 30 مارس/آذار الماضي أعادت الزخم الشعبي للمقاومة، إذ يواظب الآلاف على التظاهر يوم الجمعة من كل أسبوع قرب الحدود الشرقية مع إسرائيل، ويخوضون مواجهات بأدواتهم البدائية، وقد استحدثوا مؤخرًا فعاليات جديدة قرب الحدود البحرية يوم الاثنين، وقرب حاجز بيت حانون (إيريز) يوم الأربعاء، بالإضافة لفعاليات ليلية يومية قرب الحدود لإرباك جنود الاحتلال.

وفي نظر الكاتب مصطفى الصواف فإن الفلسطينيين بغزة في حالة "انتفاض سلمي" حتى وإن سُمي حراكهم مسيرات العودة، وهي تأكيد منهم على عدم استسلامهم، ومُضيّهم في زيادة الزخم الشعبي رفضًا للاحتلال والحصار.

وبينما يُذكّر الصواف بتحوّل انتفاضة الأقصى لانتفاضة مُسلحة، يتساءل عن الوقت الذي ستبقى فيه الأدوات السلمية هي المستخدمة فقط في المسيرة، ولاسيما أن الاحتلال يقابلها "بكل أنواع البطش". وهو سؤال على "الجميع" الإجابة عنه قبل الفلسطينيين أنفسهم، وفق حديث الكاتب للجزيرة نت.

ويضيف الصوّاف أنه في حال لم يستطع الفلسطينيون الوصول لأهدافهم بكسر الحصار فإن ذلك "سيضعهم في الزاوية، وسينفجرون في وجه كل المحاصِرين، وربما يتعدى ذلك إلى الإقليم".

حرائق واسعة بأراضي المستوطنات قرب غزة بفعل الطائرات الورقية الحارقة التي يطلقها الفلسطينيون
حرائق واسعة بأراضي المستوطنات قرب غزة بفعل الطائرات الورقية الحارقة التي يطلقها الفلسطينيون

قمع وعسْكَرة
واجه الاحتلال انتفاضة الأقصى بالرصاص، فكانت الحصيلة 4412 شهيدًا، وهو ما اضطر الفلسطينيين لانتهاج المقاومة المُسلحة ردًا على ذلك، فنظّموا العمل العسكري، ونفّذوا عمليات فدائية، وأطلقوا أول صاروخ محلي الصنع من غزة عام 2001 على مستوطنة "سديروت" بمدى لا يتجاوز خمسة كيلومترات، ولا يزالون يُطوّرون صواريخهم حتى بعد قصفهم "تل أبيب" و"حيفا" (160 كيلومترًا) قبل أربع سنوات.

التعامل بـ "الحديد والنار" أسلوب انتهجه الإسرائيليون أيضًا لقمع مسيرات العودة على حدود القطاع، فقد قتلوا 186 فلسطينيًا في ستة أشهر، وزيادة على ذلك قصفوا مواقع للمقاومة بعد تصاعد المواجهات الشعبية الحدودية، وهو ما دفع المقاومة للرد.

ورغم أن المقاومة المُسلحة قبل 18 عامًا أسهمت بشكل ملحوظ في دفع الإسرائيليين للانسحاب من القطاع عام 2005 -إلى جانب الانتفاضة الشعبية- فإنها تبدو اليوم أكثر قدرة على ترسيخ معادلات تحد من عمليات الجيش الإسرائيلي.

ففي انتفاضة الأقصى اغتالت إسرائيل مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أحمد ياسين، ورئيس الحركة بعده عبد العزيز الرنتيسي، والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي مصطفى، وقائد الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) رائد الكرمي، وعديد القادة السياسيين والعسكريين، كما كانت تتوغل بمناطق سكنية في القطاع للقضاء على المقاومة، لكن يبدو أنها تُدرك اليوم أن أفعالًا كهذه يُمكن أن تتسبب بحرب قد لا تكون لها الغلبة فيها. 

مجموعات الإرباك الليلي ابتدعها الغزيون لإشغال قوات الاحتلال على الحدود
مجموعات الإرباك الليلي ابتدعها الغزيون لإشغال قوات الاحتلال على الحدود

حرص على السلمية
وإن كان الحدثان يشتركان في المبادرة الشعبية لمقاومة الاحتلال، إلاّ أن الفلسطينيين هذه المرة يحرصون على عدم إقحام السلاح في المواجهة "رغم دفع إسرائيل وقوى أخرى بهذا الاتجاه" وفق المحلل السياسي ياسر أبو هين.

ويُعلل أبو هين -الذي كان ناشطًا بانتفاضة الأقصى- ذلك بعدم توفر بيئة إقليمية ودولية مناسبة لخوض معركة عسكرية جديدة، فضلًا عن أن غزة لا تحتمل حربًا بسبب أوضاعها المتردية، وتتجه نحو تنويع أساليب النضال، وهو ما رأى فيه "تطورًا في العمل السياسي".

ولعل أحد الأسباب الأخرى لحرص الفلسطينيين على سلمية المسيرة الانتقاد الدولي لاستخدام السلاح بانتفاضة الأقصى، وما سبّب ضعف التعاطف مع القضية، بينما تواجه إسرائيل اليوم انتقادات لاذعة لجرائمها بحق المتظاهرين العُزل على حدود غزة، وفق ما تحدث به أبو هين للجزيرة نت.

ولاستحضار أجواء انتفاضة الأقصى في مسيرة العودة، وزيادة زخمها الشعبي، أعلن منظمو المسيرة عن إطلاق اسم "جمعة انتفاضة الأقصى" على فعاليات اليوم، في محاولة لربط الحاضر بالماضي، والتأكيد على استمرار النضال الفلسطيني جيلًا بعد جيل.

ورغم أن الانتفاضة والمسيرة انطلقتا لهدف عام مشترك هو تحريك الوضع في ظل انسداد الأفق السياسي، فإن الكاتب فايز أبو شمالة يلفت إلى انحسار مسيرات العودة بالقطاع، ومواجهة جنود الاحتلال خلف الحدود، في وقت كانت فيه شعلة الانتفاضة متّقدة على مساحة الأرض الفلسطينية، وفي مواجهة مباشرة مع الجنود.

ويقول أبو شمالة للجزيرة نت "إن الإسرائيليين تعاملوا مع الفلسطينيين بنفس الطريقة عندما انتهجوا الكفاح المسلح والسلمية، إذ واجهوهم بالقتل والخنق وإغلاق المعابر، وفي حالة مسيرة العودة فإن الاهتمام الدولي لن يكون إلا إذا وصل الإسرائيليون إلى حافة الانفجار".

المصدر : الجزيرة