يا نساء القدس لستن ككل النساء

يا نساءَ القدس لستُنَّ كأحد من النساء

لطالما أيقنت أن الكلمات التي أودعتها أوراقي ستغدو يوما أرواحا تقاتل وتمسح صدأ السنين، وتضيء للقدس الطريق، نرسم في دفاترنا بذورا ستتفتح يوما لتغتسل ببحر يافا وتترنم بأذان الأقصى.

ولأن للكلمة روحا، ولأنهم يدركون أن القلم رصاص ولهب، وأنه يفتح بوابة النصر؛ حاولوا ليّ عنقها وكسر قلمها ونثر حبرها.. إنها لمى خاطر.

فعلى امتداد العمل الثوري الفلسطيني كانت تتم عمليات التصفية للكتاب والروائيين وأصحاب الفكر والرسامين، وهذا ليس غريبا على احتلال غاشم، لكن الجديد في القصة أن الاحتلال أصبح احتلالين!

لمى خاطر اشتبكت مع الاحتلال الصهيوني، ليس هذا فحسب بل أصبحت السلطة الفلسطينية دوما في مرمى قلمها، السلطة التي صادرت الحريات ولاحقت أصحاب الرأي والأقلام والمقاومين!

كثيرا ما تساءلت عن قدرة الكلمات على التخلق والطيران، وكانت تأتيني الإجابة فورا

ولأن كلماتها تحيل الخطوط في الخريطة إلى عروق نابضة، وتكشف توغـل السامري فينا، حاولوا خنق هذه الكلمات.

ولأنهم كيان كرتوني أرهقتهم امرأة تحمل قلما ويقينا!

ولأن الاحتلال يريد أن يضمن جبهة داخلية آمنة وهادئة ومستقرة، ويريد ألا يدفع ثمن احتلاله للأرض والتاريخ والمستقبل، كما ضمن حدودا خارجية آمنة، فإنه يلاحق أصحاب الأقلام.

كثيرا ما تساءلت عن قدرة الكلمات على التخلق والطيران، وكانت تأتيني الإجابة فورا على صورة طفل يمثل دور الشهيد فيصبح المشهد حقيقيا بعد أسابيع!

أو تأتي على صورة فتى لا يتجاوز السابعة عشرة، يقتحم مغتصبة (مستوطنة) ليلقن العدو درسا عجزت الجيوش العربية مدججة عن فعله!

أو قد تأتي الإجابة على هيئة امرأة مطمئنة صابرة تتلقى خبر استشهاد زوجها وهي في الميدان تسعف الجرحى، وتزفه شهيدا وتتوعد بالمزيد.

فيا من يرى الكلمات مجرد حبر على ورق، آن لك أن تراها جذوة على الطريق وشخوصا تتخلق ثورة.

فلا بد من خطوة أولى نحو التغيير، والخطوة الأولى تبدأ بالقلم دوما.

لمى خاطر ليست وحدها في الميدان، هي فعل متجذر يتكرر كل يوم

لمى خاطر لم تخن قلمها كالكثيرين من المشتغلين بالأدب والثقافة والفنون والذين جعلوا عشق الوطن إثما وكبيرة والتحرير إرهابا!

لمى خاطر ليست وحدها في الميدان، هي فعل متجذر يتكرر كل يوم وكل ساعة وفي أشكال شتى. فقد تكون المرأة مثقفة مشتبكة مع الاحتلال، وقد تحمل كاميرا تلاحق بها الحقيقة وقد ترتدي رداء أبيض، وقد تدفع ابنا أو زوجا للمواجهة.

فالمرأة في حضرة القدس والمسرى تغدو الأقوى، كيف لا وهي تمشي على تراب سار عليه الأنبياء، لا تستسلم ولا تلين، فقد فتحت من مدينتها أبواب السماء وسكن ترابها الأطهار.

تعرف أن الطريق وعرة وأن جياد العرب مكبلة، ولكنها توقن أن الله اختارها جوادا لا يكبو!

يا نساء القدس، يا نساء فلسطين، لستُنَّ كأي من النساء، فإرادة المقاومة تتدفق في عروقكن وتنتصر على ضعفكن وأمومتكن.

وحدكِ أيتها الفلسطينية من تمسكين بخيوط الحكاية، وتعرفين أن عروقك الغاضبة العطشى هي امتداد لعروق "امرأة عمران" التي تمنت أن يرزقها الله ولدا ذكرا تهبه لخدمة بيت الله وتحريره (المسجد الأقصى).

لكن المفاجأة كانت عندما وضعَتها أنثى (سيدتنا مريم)، وكأن الله يريد أن يخبرنا برسالة مفادُها أنّ النصر قد يأتي مزهوَّا على يد امرأة تخرج وتترك خلفها صغارَا يتعلقون بذيل الثوب، ترش الوطن بماء الورد وترش الأعداء بالنار إن اقتربوا من خِدْرها.

المصدر : الجزيرة