خزائن.. تنقب في أرشيفك عن فلسطين
أسيل جندي–القدس
هُجّر أجداد يافا المصري من مدينة يافا عام 1948، ومن هناك انتقلوا للعيش في مخيمات اللجوء في لبنان، وبعد أن أنهى والدها دراسته الجامعية قرر الانتقال للعيش في ليبيا، والعمل بها مدرسا، وهناك أنجب أبناءه الخمسة، وبعد عقدين من الزمن قرروا العودة للعيش بلبنان، ومن هناك هاجروا إلى كندا.
مئات الوثائق والأوراق من فلسطين ولبنان وليبيا وكندا تحتفظ بها أسرة يافا اللاجئة، وقررت مؤخرا حفظها في خزائن لتوثيق الحياة اليومية التي عاشتها العائلة، وتخللتها أحداث كثيرة.
قبل انطلاق مؤسسة خزائن، التي تتخذ من مدينة القدس مقرا صغيرا لها، لم تجد يافا -وغيرها كثيرون- مكانا للاحتفاظ بأرشيف عائلاتهم، أو بتفاصيل الأحداث اليومية في البلدان التي يعيشون بها، ومن هنا قال مؤسس ومدير أرشيف خزائن فادي عاصلة إن فكرة إطلاق المؤسسة عام 2016 جاءت بسبب الحاجة الملحة لإطار يحوي كل الإرث العربي، خاصة المنشورات اليومية العادية المعرضة لخطر الاندثار، مشيرا إلى أن خزائن تهتم بكل المواد التي خُطت باللغة العربية.
جمع القصاصات المبعثرة
وتهتم خزائن -وهي التجربة العربية الأولى- بجمع "الأفيميرا"، وهي مواد قصيرة كالمطويات والإعلانات التجارية والثقافية ومنشورات المؤسسات والجمعيات والأحزاب ودعوات الأفراح، وكل ما لا يقع ضمن اهتمام الأرشيفات الرسمية.
ويتحدث عاصلة عن أهمية أرشفة المواد اليومية الفلسطينية قائلا "معظم الإرث الفلسطيني إما أنه مندثر أو مبعثر ضمن أرشيفات خاصة بالعائلات، وهي غير متاحة لأحد، أو مسروق في الأرشيفات الإسرائيلية، ونعمل الآن على جمع الأرشيفات الخاصة بأسماء أصحابها في خزائن خاصة بهم، وسنطلق موقعنا الإلكتروني نهاية العام، وسيضم حكاية ألف قصاصة، على أن يصل عدد المواد المنشورة على الموقع خلال خمس سنوات إلى مئة ألف مادة".
ووصل لخزائن الكثير من المواد التي لم يتوقعوا أن تحتوي على معلومات قيمة، كأحد عقود الزواج في ثلاثينيات القرن الماضي، والذي اكتشفت خزائن أن الشيخ عز الدين القسام هو المأذون الشرعي لهذا العقد، ولمعظم عقود الزواج آنذاك، وتمكنت خزائن أيضا من معرفة الكثير عن الصناعات في فلسطين قبل النكبة من خلال وثائق شركة السكب الفلسطينية في يافا.
وقال عاصلة "كل ورقة عبارة عن طرف خيط لإكمال قصة معينة لمكان أو شخص أو حقبة زمنية، فالمواد التي نجمعها الآن ستكون كنوزا للأجيال القادمة ليعرفوا التجارب التي عشناها والظروف التي كانت أمامنا وكيف تعاملنا معها".
ويطمح فادي إلى الانتقال من الغرفة الصغيرة التي يحتفظون بالأرشيفات فيها بشارع الزهراء إلى مقر أكبر بالقدس، يضم مكتبة توفر الجو الهادئ للباحثين في الخزائن، وأن تنتقل المواد المؤرشفة من الكراتين إلى خزانة خاصة بكل عائلة.
وتحتفظ خزائن بثلاث نسخ أرشيفية لكل مادة في كل من القدس وعمان وبيروت؛ بهدف حماية هذه المواد قدر المستطاع، ويعمل مع المؤسسة 26 متطوعا ومتطوعة في عدة بلدان، أبرزها الأردن ولبنان وسوريا والمغرب والجزائر وقطر والكويت، بالإضافة إلى متطوعي فلسطين.
بث روح التطوع
ميار الشبتيني (28 عاما) فلسطينية تعيش في قطر تتطوع في جمع الأرشيف لخزائن منذ تأسيسها، وتهتم بالمواد المتعلقة بأنشطة طلبة الجامعات والفعاليات الشبابية والمشاريع الخيرية وغيرها من المواد التي توضح طبيعة الحياة في قطر.
وتحدثت للجزيرة نت عن تجربتها في الأرشفة اليومية قائلة "أصبحت أنظر للمواد كأنها قطع تركيب متناثرة، كل ورقة هي قطعة مهمة، وبها تتضح أكثر صورة البلد التي جاءت منها، كما أدركت مدى جهلنا ليس فقط بماضينا، بل بحاضرنا أيضا. وبمواد "الأفيميرا" الكثير ليقال عن المجتمع بلسان الإنسان وعنه، وفكرة خزائن بالنسبة لي هي الأمان لذاكرة أخشى عليها وأخشى على الأجيال القادمة من نكبات نسيانها".
ومن الجزائر انضمت زينب حلفاوي (26 عاما) لفريق المتطوعين، وتهتم بالشأن الجزائري الداخلي اليومي، وقالت إنها تنبهر باستمرار بالمستوى المهني العالي الذي تتبعه خزائن في الأرشفة، مما حفزها على تأسيس عمل مماثل في الجزائر.
رنا مكي (27 عاما) لاجئة فلسطينية في لبنان انضمت أيضا لمتطوعي خزائن، وتحتفظ بالنسخ الأرشيفية في منزلها، لحين توفير مكان لها. وعن تجربتها مع خزائن قالت "أركزُ على المجتمع الفلسطيني بلبنان، وأنبهرُ يوميا بالأرشيف البطولي للثورة الفلسطينية وأساطيرها، فكل ورقة تكشف أبعادا هائلة للثورة وتفاصيلها المثيرة، وجمع الوثائق والحديث مع الناس عن تجاربهم وذكرياتهم جعلني أدرك عمق التقصير في توثيق تاريخنا الفلسطيني المشرّف والعظيم".