هكذا تصرّ هدى على إعادة منزلها المغتصب بالقدس

منرل فريد الإمام غرب القدس
منزل عائلة الإمام بني في حي البقعة غربي القدس عام 1942 وطرد أصحابه منه وحول لعائلات يهودية (الجزيرة)
هبة أصلان-القدس

في الصورة أدناه بلاط منزل عائلة الإمام -المهجرة عام 1948 من حي البقعة في القدس الغربية- الذي رصف أرضية المنزل المبني عام 1942. إذن هو أكبر من عمر دولة الاحتلال الحديثة النشأة، وقد استعادته ابنتهم "هدى" واستخدمته في منزلهم الحالي بحي الشيخ جراح وسط القدس المحتلة.

أراد فريد الإمام -الذي كان يعمل مرشدا سياحيا- أن يكرم والدته عائشة عويضة، بأن يبني لها منزلا شبيها بمنزل عائلتها في حي البقعة ويجاوره، ففعل، لكن فرحة الأم والابن بالمنزل الجديد لم تدم أكثر من ست سنوات، فقد خرج منه مجبرا حاملا القرآن بيمينه وأمه بيساره.

لا تنسى هدى فريد الإمام حسرة والدها على منزله، وظلت فكرة استرداده من حارس أملاك الغائبين تراودها، لكن قوانين الاحتلال وضعت لتخدمه، وهي ذاتها لا تطبق عندما يكون الفلسطيني طرفا في القضية.

وكان الكنيست الإسرائيلي سن قانون "أملاك الغائبين" عام 1950، وبموجبه توضع أراضي الفلسطينيين الذين هُجروا عام 1948 وممتلكاتهم تحت تصرف ما يعرف بـ"حارس أملاك الغائبين" الذي له الصلاحية الكاملة بالتصرف بها.

بلاط منزل عائلة الإمام المهجرة عام 1948 استعادته هدى الإمام ورصفت به منزلهم الحالي (الجزيرة)
بلاط منزل عائلة الإمام المهجرة عام 1948 استعادته هدى الإمام ورصفت به منزلهم الحالي (الجزيرة)

المنزل للبيع
في عام 1998، كانت هدى -الحاصلة على الماجستير في الاقتصاد من مدرسة لندن للاقتصاد- في طريقها لعملها ضمن مشروع بيت لحم 2000، فاستوقفتها لوحة كبيرة علقت على شرفة أحد المنازل في حي البقعة الذي يقع على الطريق الواصل بين القدس وبيت لحم، كتب عليها "المنزل للبيع
".

المنزل المعروض للبيع هو منزل والدها فريد، وهو ما لم تستوعبه ابنة المهجر، وقد علمت لاحقا أن حكومة الاحتلال قررت أن تستفيد ماليا من العقارات التي وضعت تحت يد حارس أملاك الغائبين من خلال خصخصتها، وهو ما استغله رجل الأعمال الإسرائيلي "أودي كبلان" الذي اشترى منزل عائلة الإمام.

اشترى "أودي" المنزل وشرع بترميمه، فألقى أبوابه ونوافذه وبلاط الأرضيات خارجا، وعلمت هدى أنه قرر أن يبني طابقا إضافيا، ويعيد بيع المبنى لأربع عائلات إسرائيلية.

ولتخفف على نفسها من وطأة الألم والحسرة، راحت هدى -رغم أنها لم تولد في المنزل- تأخذ ما تستطيع من بلاط وأبواب خشبية، "أخبرني المقاول الموكل بترميم المنزل أن والدي أنفق عليه الكثير وأن جهده واضح، لذلك شعرت أني أعيد حقي وحق باقي اللاجئين".

لم تكتف هدى -الحريصة على المشاركة بالمظاهرات السلمية التي تخرج كل عام في ذكرى النكبة– باستعادة بلاط ونوافذ المنزل، بل حاولت أيضا استرجاع المنزل نفسه، وكانت العملية معقدة خاصة أن ملكية المنزل انتقلت إلى عدة جهات منذ وضع اليد عليه.

وتصطدم محاولة هدى والفلسطينيين الذين تبلغ ممتلكاتهم في غربي القدس حوالي 30%، بقانون أملاك الغائبين.

هدى الإمام تؤمن أن مهمتها في استرجاع منزل والدها لم تنته (الجزيرة)
هدى الإمام تؤمن أن مهمتها في استرجاع منزل والدها لم تنته (الجزيرة)

ووفق مدير دائرة الخرائط في مؤسسة الدراسات العربية خليل التفكجي، فقد نجحت الكنائس المسيحية في استعادة ممتلكاتها البالغة نسبتها 40%، مشيرا إلى أن اليهود كانوا يمتلكون 20% فقط من غربي القدس وأن 10% كانت أملاكا للدولة العثمانية.

مهمة مستمرة
يطلعنا المحامي أسامة حلبي -الذي حاول الترافع في عدد من قضايا الاسترجاع هذه- كيف أن قانون أملاك الغائبين هو قانون سياسي بالأساس، ففي الوقت الذي اعتبرت فيه الحكومة الأردنية أملاك اليهود في القدس الشرقية "أملاك عدو" وحافظت عليها وأعادتها، فإن إسرائيل لم تفعل ذلك
.

وقامت إسرائيل -بحسب المحامي- باستعادة أملاك اليهود من الأردن وحولتها ليد ما أسمته "الحارس العام" الذي نجح في سن قانون خاص يسمح  باسترجاعها، وهذا ما حصل قبل أن توزع على أصحابها الذين طردوا الفلسطينيين منها لاحقا، وما زالوا.

تؤمن هدى الإمام أن مهمتها في استرجاع منزل والدها لم تنته، وما زالت تشعر أنه لا يليق بسكانه الغرباء، فهي تذهب كل جمعة لزيارته، ولتشم رائحة أشجار الليمون والرمان وزهرة الياسمين التي زرعتها في حديقة منزلها الحالي، تذهب إلى هناك وقلبها يخفق، وكأنها على موعد مع الحبيب.

المصدر : الجزيرة