على خط النار وحدنا!

يا قدس يا أمنا، ما همنا أن يصمت الناس عن جرحنا، لنصير على خط النار وحدنا! فعروقنا بك تنزف، تجعل الدم لأرضك نبضا، وللسماء سلما.. يا قدس ما همنا!
عار يغلفهم! ونار تتشوق لجلودهم وهم يصافحون الذل، ويسارعون للغوص عراة في وحل المهانة! عار يتقطر من أفواههم وهم يتبجحون بالتخلي عن القدس وهي ليست لهم! هم زبد هذا الموج بعوالقهم سيرحلون! وسيبقى حماة القدس سفرا تضاء به الصلوات في الباحات التي ظلت -حين عزت القناديل- صائمة!
يتمنون لو تصمت المآذن التي تدعو للنفير، لو تتهدم الأسوار التي تحيط بالمسجد الأسير، لو تلف ريح الغياب المرابطين والمجاهدين والقابضين على جمر الذاكرة |
يتجاهلون تاريخ أمتهم، يتجاهلون العروق النافرة في شوارعهم، يتجاهلون الأفواه الصغيرة وهي تهتف لحرية المسرى، ويغمضون أعينهم عن جراح الأقصى وقد أوعزوا بالإرهاب لزبانيتهم، يتمنون لو تصمت المآذن التي تدعو للنفير، لو تتهدم الأسوار التي تحيط بالمسجد الأسير، لو تلف ريح الغياب المرابطين والمجاهدين والقابضين على جمر الذاكرة، لو تنطفئ العين التي تحرس القدس وتظل في جنباته ساهرة!
يتمنون لو تغرق الخريطة العنيدة وقد امتدت من الماء إلى الماء، لينعموا بذلهم! وتنمحي من صفحات أعمارهم الأسماء التي تخيفهم، يتمنون الفرار من جلودهم! من إرادة الثوار! من عزم المجاهدين على الانتصار! هم البغاث لا بارك الله بجمعهم، وهم ظل المحتل وقد ألقى بمهماته على أعتاقهم، هم خنجر في خاصرة النهار، أولئك السماسرة الصغار!
يا حادي الركب بلّغ التجار أن الفوز لمن أمسك بناصية النهار، بلغ من فاضت بالعزم يمينه أن القدس باتت قريبة.. هي على بعد قطرة من دماء! يا حادي الركب فادعو للنفير كل الأتقياء! وارسم على جبين الفجر قبلات الحرائر، وهن بماء الورد يغسلن الأقصى، وقد تعطرت أسوار صموده بمسك الشهداء..
سبعون عاما وما غادرت ذاكرتنا الصور، سبعون عاما من الشوق ولا مفر من العشق إلا باللقاء! سبعون عاما من المقاومة والدماء، من الذل والتهجير، من الصبر على حواف الشك والسكاكين، وانتظار من لا توقفه المنايا صرخة حرى، تغادر حرقة القلب تدعو للنفير..
بلغهم أن القدس لن تكون للعابرين سبية، لن تكشف للغزاة عن جيدها، لن يدنس الظلام في العتمة طهرها |
يا حادي الركب بلغ الصابرين على عمق الجراح، بلغ المزروعين بالمسموم من الخناجر، وبلغ الذين ظنوا بالله الظنون، بلغهم أن القدس لن تكون للعابرين سبية، لن تكشف للغزاة عن جيدها، لن يدنس الظلام في العتمة طهرها، وستعيدها سيوف الله حرة في خدرها، لن يلمس الغزاة ذيلا لثوبها، وسيطردون! أذلة صاغرين.. تراقبهم بالعز أفئدة العائدين..
القابضون على جمر المقاومة لم يغادروا السلاح! لم ينسوا أشلاء أحبائهم وقد تدثرت بعهدهم لمواصلة الكفاح! وكل الذين حملوا القاني في عروقهم لا يزالون يحفظون ملامح الأرض ويرسمونها على وهج الشعاع! بينما السلطة الفلسطينية التي فقدت مبرر وجودها تجدّد صكوك البيع بلا خجل! لتعلن هزيمة شعب لا يزال يقاتل! تكمم الأفواه المسكونة بالتكبير، وتغطي بالقمع الأعين التي رأت الفجر يرتعش خجلا من طهر الدماء! تسعى لوأد المقاومة، لتوقف الثائرين وتسكت ذاكرة الأشلاء!
يا رئيس السلطة!
لن نسألك غيمة تمطرنا بالتكبير، لن ننتظر منك أن تزرع الأقصى في راية فلسطين! ولن نسألك كيف صرت القائد ولو مرة!
القدس كانت ولا تزال للبشر ميزان! فألق بكفته الفارغة عمرك يا ابن هذا الفجر لترجح به، ولا تخسر الميزان! |
كل ما نريده منك أن تفعل كعدونا، وتصف لنا من ذبحنا مكاسبنا! كم رائع أنت ووفيّ يا رئيس سلطتنا اللقيطة! حين تبتاع لنا بدمنا ذلنا وعارنا، وتأمر شعبا تساوى لديه الموت والحياة بالركوع للغزاة! على أعين المدينة العتيقة، وعلى مسمع الأجراس والمآذن!
شعب فلسطين ما عادت العروبة الملساء قادرة على تكبيله بالوعود.. ما عاد الجرح الفلسطيني يحفل بضماد من زاده ألما وتقرحا على مر السنين! خدعوه وكبلوه! من ثورة لثورة، ومن دم لدم، والشعب يتمزق لتلتئم أسوار القدس!
في جسد فلسطين الطري تتوالى الطعنات.. من كل الجهات! والرب الأميركي يبالغ في امتهان الراكعين تحت قدميه، يتيه في غرور أحمق، سبقه إليه من صار للناس (بجسده) آية! فليعتبر أولوا الألباب، وليتشبثوا بحبل من له الوعد والغلبة.. القدس كانت ولا تزال للبشر ميزان! فألق بكفته الفارغة عمرك يا ابن هذا الفجر لترجح به، ولا تخسر الميزان!
ولنا في القدس لقاء