السعودية بين صفقة القرن ونزع الوصاية الأردنية عن الأقصى

السعودية بين صفقة القرن ونزع الوصاية الاردنية
صرّح الملك سلمان بن عبد العزيز خلال كلمته أمام مؤتمر القمة العربية الـ29 المنعقدة يوم الأحد الماضي في مدينة الظهران السعودية، بتسمية القمة بـ"قمة القدس" وتبرعه بقيمة 150 مليون دولار للأوقاف الإسلامية في القدس، بالإضافة إلى 50 مليون دولار لوكالة الأونروا.

وشدد الملك على مركزية القضية الفلسطينية عند العرب، كما صرح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عقب انتهاء القمة الأخيرة بأن الدعم السعودي الشهري للحكومة الفلسطينية رُفع من 7.5 ملايين إلى 20 مليون دولار، وأن المملكة تقدّم 70 مليون دولار إلى صندوق "القدس" و"الأقصى".

التصريحات السعودية السياسية المالية تأتي ضمن حملة رد فعل -كما يبدو- لامتصاص تأثير تصريحات ولي العهد السعودي عن حق اليهود في فلسطين، وكذلك استمرارا للنزاع السعودي الأردني التاريخي القديم في موضوع الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى، ولتبديد الأنظار عن موافقة السعودية ومشاركتها في الخطة الأميركية "صفقة القرن" لتصفية القضية الفلسطينية وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

لم يخف ولي العهد السعودي العلاقات التي تربط بين السعودية وإسرائيل، وإن كان لم يُفصّلها لكنه أيضا لم يخفها

تصريحات علنية
خلال مقابلة مع مجلة "ذي أتلانتيك" الشهرية الأميركية، قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إنّه يعترف بحق الشعب اليهودي في "أرضه الخاصة" وبضرورة وجود دولة قوية لليهود في فلسطين. ولم يخف ولي العهد السعودي العلاقات التي تربط بين السعودية وإسرائيل، وإن كان لم يُفصّلها لكنه أيضا لم يخفها.

التصريحات المدوّية لأول مرة علنا والصادرة عن أعلى هرم سياسي في المملكة السعودية في حق اليهود التاريخي والديني في فلسطين، هي التي دفعت الملك سلمان لإصدار بيان صحفي لامتصاص ردود الفعل الغاضبة من خلال تأكيده على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وعاصمتها القدس.

لم يعد موضوع العلاقات والاتصالات بين إسرائيل ودول الخليج وخاصة الإمارات والسعودية محل تكهنات في المدة الأخيرة، بل بدأت تخرج إلى العلن من خلال التسريبات الصحفية والتصريحات المختلفة وخاصة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أشار فيها إلى العلاقات الإستراتيجية التي تربط إسرائيل مع الدول العربية السنية المعتدلة، وكذلك الدعوات الإسرائيلية لشخصيات سياسية بضرورة تقوية العلاقات مع السعودية في مواجهة إيران والإرهاب الإسلامي.

وقد تصدرت تصريحات ولي العهد السعودي عن حق اليهود في فلسطين أغلب عناوين الصحف العبرية التي وصفت تصريحاته بوعد بلفور الثاني. ويبدو أن ولي العهد السعودي على خطى صديقه محمد بن زايد يدرك أنه لا يمكن مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة إلا من خلال التحالف والتعاون مع إسرائيل عسكريا وأمنيا، والاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية التي تجمعهم معها الإستراتيجية المشتركة المعادية للوجود الإيراني في المنطقة وعدم قدرة الإمارات والسعودية وحدهما على مواجهة إيران وحلفائها في المنطقة خاصة في سوريا واليمن، حيث أنفقت دول الخليج مليارات الدولارات دون تحقيق أي إنجاز عسكري أو سياسي في مواجهة إيران وحلفائها.

يلاحظ أن السعودية لديها نوايا دفينة في نزع الوصاية الهاشمية عن المسجد الأقصى لتحقيق مكاسب سياسية في إستراتيجيتها بتوثيق العلاقات مع إسرائيل

الوصاية الهامشية
بالإضافة إلى ما سبق ذكره، فإنّ التحركات السعودية الأخيرة فيما يتعلق بالوصاية الهاشمية الأردنية على الأقصى تأتي بخلفية صراع تاريخي وخصومة قديمة تعود إلى عام 1924 عندما بويع الشريف حسين وصياً على المقدسات الإسلامية في القدس بعد هزيمته وطرده من الجزيرة العربية.

ويلاحظ أن السعودية لديها نوايا دفينة في نزع الوصاية الهاشمية عن المسجد الأقصى لتحقيق مكاسب سياسية في إستراتيجيتها بتوثيق العلاقات مع إسرائيل، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال التحركات التالية:

أولا: الموقف السعودي السياسي الصامت (دون فعل) على إغلاق المسجد الأقصى لأيام عدة خلال شهر يوليو/تموز من العام الماضي، بالإضافة إلى التصريحات العلنية من مشايخ دين وإعلاميين وسياسيين سعوديين بحق اليهود في فلسطين، وعن عدم قدسية المسجد الأقصى وأن الموت في سبيل الأقصى ليس شهادة، وعن الدعوة للتطبيع الفوري مع إسرائيل.

ثانيا: الكشف عن الاتصالات التي أجراها ديوان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع بعض الشخصيات الدينية الإسلامية والمسيحية وبعض الشخصيات السياسية الفلسطينية في القدس لمقابلة ولي العهد السعودي، التي تم إجهاضها من قبل السلطة الفلسطينية والحكومة الأردنية.

ثالثا: اعتراض الوفد السعودي وبشدة على رغبة الوفد الأردني في التحدث عن تأثير الوصاية الهاشمية الأردنية على القدس خلال انعقاد الدورة الـ24 للمؤتمر البرلماني العربي الذي عقد في الرباط نهاية العام الماضي.

الموقف الأردني والفلسطيني في حالة ضعف وتشتت وهو تابع خاصة وأن الحكومة اليمينية الإسرائيلية جعلت الوصاية على المسجد الأقصى شكلية

إذًا هناك مقترحات ومشاريع تتم لنزع الوصاية الهاشمية من المسجد الأقصى. وكانت صحيفة "يسرائيل هيوم" الإسرائيلية قد كشفت خلال الشهر الماضي عن وساطة ومقترحات مصرية لجعل الحرم القدسي الشريف منطقة دولية، وذلك لتسهيل صفقة القرن الأميركية.

ضعف أردني
هذه المشاريع والصفقات ما زالت محل رفض فلسطيني وأردني وخاصة الموقف الفلسطيني الرافض لنزع الوصاية الهاشمية عن الأماكن الإسلامية والمسيحية في القدس تخوفاً منها بشأن تصفية قضية القدس بعد قرار ترمب اعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال
.

الموقف الأردني والفلسطيني في حالة ضعف وتشتت وهو تابع خاصة وأن الحكومة اليمينية الإسرائيلية جعلت الوصاية على المسجد الأقصى شكلية وتعمل حاليا على تقليص صلاحيات الأوقاف الإسلامية في القدس.

وبالتالي الأردن رسميا لا يستطيع مواجهة السياسة السعودية في المنطقة بسبب أن السعودية من أكبر المستثمرين في الأردن. أما السلطة الفلسطينية فهي لا تملك صلاحيات على المسجد الأقصى وتنازلت عنه للملك عبد الله عام 2013، لذلك الإغراءات المالية الكبيرة في ظل الانقسام والتغول الإسرائيلي والهيمنة الأميركية كفيلة بقبول الدور السعودي الذي ينظر إستراتيجيا لإيران على أنها خطر أكبر على العرب من إسرائيل.

أخيرا التحركات السياسية السعودية خاصة لولي العهد محمد بن سلمان تأتي في سياق تحركات وتغيرات سياسية في المنطقة تقودها الإدارة الأميركية برئاسة ترمب ضمن إستراتيجية شاملة تحت مسمى "صفقة القرن"، التي تهدف إلى إحداث تحولات كبيرة في المنطقة من خلال تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج في كافة المجالات العسكرية والاقتصادية والأمنية والدبلوماسية، وثانيا محاصرة التمدد الإيراني العسكري في المنطقة ومحاربة الإرهاب الإسلامي، وأخيرا القفز عن المسألة الفلسطينية من خلال إدارة الصراع وعدم إيجاد حلول في المرحلة القادمة وترتيب موضوع المقدسات في القدس باعتبارها تقع ضمن عاصمة إسرائيل الأبدية.

المصدر : الجزيرة