بالكاوشوك أيضا ستنتصر القدس

مدونات - الكوشوك

هذه الأمّة لن تموت ما دام فيها قِلّة قليلة تحوّل الأشياء البدائية إلى سلاح مُرعب يقودها لتحرير القدس ولو بعد حين، المهم أنها تبدع في المقاومة والصمود فعلا لا قولا كما اعتاد العرب "الكلمنجيّة" فخسروا أوطانهم وهم يعيشون فيها ولم يستطيعوا أن يحرقوا ورقة وفاتهم قبل كتابتها وليس "كاوشوكاً" يتمردون فيه على الأعداء وسط ذهول ودهشة العالم.

ما زلت حتى الآن تسأل كل الأنظمة العربية وأقصد رجالاتها الطاعنين في الملذات: كيف ستحررون القدس ما دمتم تؤمنون بأنها لنا وأنها حقنا الأبدي غير القابل للنقاش؟ الأكثر حياء فيهم يضع ساقا على ساق وهو يدفع ما بقعر الكأس بفمه الخَرِب دفعة واحدة ويقول لك بعينين زائغتين: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم.. ثم ينادي على أحدهم ليقول له وهو يمد إليه بالكأس الفارغة "عبّيها" أي املأها.

القدس يا سادة طريقها واحد، وقد صفعكم "أصحاب الكوشوك"، أعطوكم فرصة كي تراجعوا حساباتكم تجاه فلسطين بقدسها غير المُبدلة بمكان آخر، صفعوكم جميعا حينما غطّوكم بدخان كاوشوكهم

تحاول أن تفهم من هذه الأنظمة ما الإعداد والقوة؟ هل هي هدر السنوات في التفكير بالبقاء على العروش؟ هل هي التخطيط لزجّ كل أشكال المعارضة في السجون والتنكيل بهم وبعائلاتهم؟ هل هي هزيمة المعلم أمام تلميذه وإيصاله لمرحلة طلب الإذن من التلميذ ليتكلّم؟ هل هي زيادة رقعة الجوع والتفنن بالطوابير لجعلها طوابير حضارية؟ هل هي سرقة البوصلات من جيوب الجماهير وتغيير تجاهها من القدس إلى الركض خلف فاتورة العلاج واللهاث خلف رغيف الخبز وإعطاء الإحداثيات الدقيقة للذهاب لأوكار المخدرات وتحويل الوطن العربي إلى "غُرَز" للغياب عن مترين من الواقع الذي أمامه؟ أم هي الدخول في الحمّام الأميركي والإسرائيلي الذي ليس منه خروج ولا حتى فيه مياه؟

القدس يا سادة طريقها واحد، وقد صفعكم "أصحاب الكوشوك" أعطوكم فرصة كي تراجعوا حساباتكم تجاه فلسطين بقدسها غير المُبدلة بمكان آخر، صفعوكم جميعا حينما غطّوكم بدخان كاوشوكهم لكيلا يراكم التابعون لهم وتتخذوا قرارا يعيد إليكم بعضا من رجولتكم المفقودة، ليتيحوا لكم مراجعة شريط عاركم وصفقات قرونكم التي تطول من جانبي رؤوسكم لعلكم تخلعون، ولكنّ الطبع غلب التطبع فغلبكم صغار العرب بدخان أسود من قلوبكم بعد أن غلبوكم بالحجر والمقلاع والسكين.

ذات حماسة كنتُ أتابع شخصية مشهورة ومتمردة ومقاومة تدعو إلى تحرير الأرض والانسان معا، كانت خطبه الحماسية ومحاضراته النارية تُدْخِلُ فيك هوس اللحظة، بل لو كان معك سلاح وطريق لهجمت على الصهاينة بالتو واللحظة ولما أجّلتَ قرارك للفجر، كان –يخزي العين عنه- يكرر عبارة مظفر النواب الشهيرة "بوصلة لا تشير إلى القدس مشبوهة"، كنتُ أترصده ليساعدني في ملء خزيني باللغة الثورية والفكر الثوري، كنتُ أراه أحد الذين سيرفعون العلم الفلسطيني على أعالي القدس ومن الذين سيطيّرون الحمام برومانسية من على قباب الأقصى، كنتُ أظن، نعم كنتُ أظنّ حتى رأيته يتحدث بلا وجل ولا حياء ولا رفّة جفن عن "إستراتيجية تحرير فلسطين بالتفاوض"، سألته: والقدس؟ أشاح عنّي وأكمل حديثه عن الإستراتيجية فأعليتُ صوتي: القدس والبوصلة يا سيدي ماذا عنهما؟ فقال قولته التي ما زالت تطعن ذاكرتي فتحييها بالجراح "إذا كانت الناس تراجع ثباتها من الله نفسه أفلا أراجع موقفي من إستراتيجية التحرير؟" بعدها بشهور صار مسؤولا كبيرا، وصار يحرض الحكومة على من يعتصمون من أجل القدس، وصار يطعن من يطرح أفكاره الثورية الأولى بالغباء والجمود الأيديولوجي، ولو حككته اليوم لوجدته من القابلين باستبدال القدس ليس بـ"أبو ديس" بل بـ"حلايب" فضاً للنزاع بين مصر والسودان.

الذين تذرعوا بتلوث البيئة والاحتباس الحراري لم يروا تلوث فلسطين كلّها بقدسها وناسها وبيئتها من فعل أعداء الشجر والحجر الصهاينة؛ ولم يروا احتباس أنفاس المقدسيين وعذاباتهم اليومية

ما أكبر الفكرة حين تراها آفاقا لا تتوقف عند حدود، وما أصغرها حين يلتفّ المرجفون حولها لقتلها أو محاصرتها، فالذين سخروا من فكرة "الكاوشوك" ولم يروا فيه فعلا مقاوما ومن الممكن أن يصبّ في طريق تحرير القدس، هم أغلبهم من يصفقون للأنظمة التي يحسبونها تطعم وتكسو وتحيي وتميت، أغلبهم يذهب لأقرب زجاجة "أسيد" ليذيب الفكرة فيها ويمحوها عن ظهر الوجود، فالذين تذرعوا بتلوث البيئة والاحتباس الحراري لم يروا تلوث فلسطين كلها بقدسها وناسها وبيئتها من فعل أعداء الشجر والحجر الصهاينة، ولم يروا احتباس أنفاس المقدسيين وعذاباتهم اليومية عند كل حاجز أو عندما يتعلق الأمر بالصلاة بالمسجد الأقصى.

هؤلاء الذين يخافون على ثقب الأوزون الذي لم نره ولا نعرفه إلا بالاسم، أكثر من خوفهم على الفلسطيني الذي ملؤوه بالثقوب ويرونه كل يوم بالعيون العمياء حتى هؤلاء لا يمكن أن يكون صوتهم مؤثرا عند بياض الفكرة وطهارتها، لأن أغلبهم يتبع جوقة تؤدي اللحن النشاز بأصوات كريهة ترى في دمنا شرابا لملذاتهم وترى دم الغاصبين قتلا للحضارة والبيئة.

فلسطين بقدسها ستتحرر، بالحجر بالإبر بالمقلاع بالكوشوك ستتحرر. وسيسير أبناؤها اليوم أو غدا أو بعده في طريق النار، وسيشعلونها أرضا ومزارع وكاوشوكاً حتى يخرجوا المحتل منها ويعيدوا الملح إلى الأرض ويعيدوا معه الكرامة للأرض والعزة والشموخ للقدس ولقباب الأقصى ابتسامات الحمام.

المصدر : الجزيرة