حفريات متواصلة تهدد المقبرة اليوسفية بالقدس

يرتاد طريق المقبرة اليوسفية آلاف المصلين المتوجهين للمسجد الأقصى نظرا لقربها منه-تصوير جمان أبوعرفة
الاحتلال منع الدفن في أجزاء من مقبرة اليوسفية وجرف قبورا إسلامية (الجزيرة)
جمان أبو عرفة-القدس

لم تعد الطريق الأقرب التي تصل بابي القدس: الساهرة والأسباط متاحة أمام المقدسيين، حيث تغلقها بلدية الاحتلال الإسرائيلي من بُعيد شهر رمضان الماضي حتى يومنا هذا بحجة أعمال الحفر والصيانة.

وتعد الطريق الملاصقة لسور القدس الشرقي من أملاك المقبرة اليوسفية الإسلامية التي تمتد من منطقة برج اللقلق شمالا حتى باب الأسباط (أحد أبواب سور القدس) جنوبا، على مساحة 14 دونما.

وفضلا عن إغلاق طريق المقبرة في وجه المقدسيين، قامت بلدية الاحتلال بإجراء حفريات عميقة وصلت إلى مداميك أثرية قريبة من عتبة باب الأسباط، بالإضافة إلى بركة رومانية ظلت تستعمل حتى العهد العثماني. كما قامت جرافات الاحتلال بهدم سور المقبرة اليوسفية الملاصق لباب الأسباط وإزالة درجها الأثري أيضا.

تهويد وحظر الدفن
ويؤكد مدير مركز المخطوطات في المسجد الأقصى رضوان عمرو -للجزيرة نت- أن أعمال الحفر لمقبرة اليوسفية تأتي تنفيذا لمجموعة مخططات إسرائيلية متداخلة، خُطط لها منذ فترة طويلة وتندرج ضمنها مشاريع ثانوية أخرى.

الاحتلال جرّف سور المقبرة اليوسفية ودرجها الأثري حتى وصل إلى مداميك أثرية وبركة رومانية (الجزيرة)
الاحتلال جرّف سور المقبرة اليوسفية ودرجها الأثري حتى وصل إلى مداميك أثرية وبركة رومانية (الجزيرة)

وذكر من أبرز هذه المخططات مشروع 2020 الذي يستهدف ما أسماه الاحتلال بمنطقة الحوض المقدس (كيلومتر واحد حول سور القدس) إلى جانب مخطط "زاموش" الذي يطال السور الشرقي للقدس والمسجد الأقصى، ويهدف بالأساس إلى وقف تمدد مقبرتي باب الرحمة واليوسفية ووقف الدفن فيهما لاستعمال أراضيهما في المشاريع التهويدية.

وأضاف عمرو أن أكثر المخططات خطورة هو "كيدم يورشاليم" الذي يتضمن قطارا هوائيا يبدأ بجبل المشارف شرقا حتى جبل الزيتون وزاوية المصلى المرواني مرورا بالجنوب، ويستمر حتى جبل صهيون ومقبرة مأمن الله غربا.

وتعد المقبرة اليوسفية من أهم المقابر الإسلامية في القدس إلى جانب مقبرتي باب الرحمة ومأمن الله اللتين واجهتا -وما زالتا تواجهان- العديد من الانتهاكات وجرف القبور ومصادرة أراضيهما ومنع الدفن فيهما.

ولم تسلم اليوسفية من هذه الانتهاكات أيضا، حيث قام الاحتلال عام 2014 بمنع الدفن في جزئها الشمالي وإزالة عشرين قبرا تعود إلى جنود أردنيين استشهدوا عام 1967 فيما يعرف بمقبرة الشهداء ونصب الجندي المجهول، وهي امتداد للمقبرة اليوسفية بمساحة أربعة دونمات على ما تعرف بأرض المظفر.

يؤكد رضوان عمرو أن ما يحصل في المقبرة اليوسفية يندرج ضمن عدة مشاريع تهويدية تستهدف محيط الأقصى وسور القدس (الجزيرة)
يؤكد رضوان عمرو أن ما يحصل في المقبرة اليوسفية يندرج ضمن عدة مشاريع تهويدية تستهدف محيط الأقصى وسور القدس (الجزيرة)

كما باتت المقبرة اليوم مكتظة بعد منع الدفن في شمالها وحصرها في السور والشارع العام في شرقها وجنوبها، أما قسمها الغربي الملاصق للسور فيتعرض اليوم للمصادرة والجرف بدءا من منطقة "سوق الجمعة/الحلال" التي يستعملها الاحتلال مكبا للنفايات حتى باب الأسباط.

تدّعي بلدية الاحتلال أن الحفريات القائمة في المقبرة اليوسفية تطويرية بحتة، لكن رئيس لجنة رعاية المقابر الإسلامية بالقدس مصطفى أبو زهرة يؤكد –للجزيرة نت- أن ما يسمى بالتطوير يجري في أراضٍ إسلامية وقفية مما يشكل اعتداء صارخا عليها، خصوصا أن لجنة المقابر الإسلامية طالبت سابقا بترميم طريق المقبرة، لكن الاحتلال رفض ذلك.

ويضيف أبو زهرة أن الخطر يتمثل في بناء مدرج تهويدي للسياحة في منطقة سوق الجمعة، الأمر الذي يمكن أن ينفذ في ظل التدخل الضعيف للأوقاف الإسلامية مالكة المقبرة والأرض.

طريق المقبرة اليوسفية قبل جرفه وقد أغلق أمام المقدسيين في هبّة باب الأسباط (الجزيرة)
طريق المقبرة اليوسفية قبل جرفه وقد أغلق أمام المقدسيين في هبّة باب الأسباط (الجزيرة)

مخططات كبيرة
وبحسب رضوان عمرو، فإن ما يحدث حاليا في المقبرة اليوسفية هو حلقة صغيرة ضمن مخططات كبيرة ومعلنة تستهدف تطويق الأقصى من كل النواحي بمشاريع تهويدية على حساب رفات المقدسيين وأجدادهم وأعلامهم.

وذكر أن فرص تنفيذ تلك المخططات باتت أعلى بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب القدس عاصمة لإسرائيل، وبعد هبّة باب الأسباط التي صنعت ردة فعل أمنية، حيث حاول الاحتلال تفكيك عناصر قوة المقدسيين، ومن ضمنها المقبرة اليوسفية التي كانت تمتص المتظاهرين وتُخفيهم، وكانت حلقة وصل بين الشمال والجنوب، حيث يسعى أيضا لزرع المنطقة بالكاميرات وتهيئتها لمرور عرباته من خلالها بصفتها طريقا مختصرة وسريعة.

يُذكر أن المقبرة اليوسفية تقع شمال مقبرة باب الرحمة التي كانت تعد امتدادا لها بمحاذاة سور القدس الشرقي ويفصلهما باب الأسباط، حيث قام كافل المملكة الشامية الأمير قانصوه اليحياوي بتعميرها وتوسعتها قبل نحو 600 عام.

المصدر : الجزيرة