فلسطينيون يعاقبون بالإبعاد عن شوارع في القدس

المواطن المقدسي ياسر درويش من قريط العيساوية، شمال شرق القدس المحتلة، إذ انتهت مشاركته في إحدى الوقفات الاحتجاجية التي نظمت الشهر الماضي في شارع صلاح الدين الأيوبي، وسط المدينة المحتلة، بالاعتقال والتحقيق ثم الإبعاد
انتهت مشاركة ياسر درويش في إحدى الوقفات الاحتجاجية بإبعاده عن شارع صلاح الدين بالقدس (الجزيرة)

هبة أصلان-القدس

وسع الاحتلال الإسرائيلي سياسة الإبعاد في القدس المحتلة لتشمل قرى وشوارع معينة، كما حدث مع المواطن المقدسي ياسر درويش من قرية العيساوية شمال شرق القدس المحتلة.

فقد انتهت مشاركة درويش في إحدى الوقفات الاحتجاجية بشارع صلاح الدين الأيوبي وسط المدينة المحتلة؛ بالاعتقال والتحقيق، قبل أن يفرج عنه بشرط الإبعاد عن الشارع ومحيطه لمدة أسبوعين، ثم لمدة شهر، ومنعه من المشاركة في أي فعاليات احتجاجية.

وطالت سياسة الإبعاد كنهج عقابي متبع من قبل الاحتلال نحو ستين مواطنا مقدسيا خلال الأسابيع الأخيرة، معظمهم أبعدوا عن الضفة الغربية، في حين أبعد آخرون عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة ومحيطهما.

ويمعن الاحتلال الإسرائيلي في تعكير صفو حياة الفلسطينيين بالقدس المحتلة، ويلاحقهم بمختلف الأساليب والطرق مثل التحقيق والاعتقال وهدم المنازل وتحرير المخالفات بأشكالها المختلفة، وكثف مؤخرا من سياسة الإبعاد كعقاب يعتبره رادعا.

عقوبة قاسية
وكان اعتقال درويش (37 عاما) والتحقيق معه لاحقا بسبب مشاركته في وقفة احتجاجية ضد اعتقال سلطات الاحتلال لمحافظ المدينة عدنان غيث ومجموعة من كوادر حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، إثر ملاحقة السلطة الوطنية الفلسطينية لمسربي العقارات بالمدينة لصالح المستوطنين.

اعتقال درويش كان من وسط الحشد المقدسي المشارك في الوقفة وبطريقة استفزازية، إذ أشار أحد الضباط بإصبعه إلى ياسر، آمرا جنوده باعتقاله، ليتوجهوا نحوه ويسحبوه بالقوة من بين المشاركين، وقيدوا يديه بالأصفاد الحديدية ودفعوه إلى داخل سيارة الشرطة.

وأثناء التحقيق، تركزت عملية استجواب ياسر التي استمرت أكثر من ثلاث ساعات قبل أن يطلق سراحه؛ على مشاركته في فعاليات ونشاطات حركة فتح، وعن فحوى هذه الفعاليات ومنظميها والمشاركين فيها.

قضاء متحيز
أطلق سراح درويش ورفيقه عاهد الرشق الذي اعتقل معه من نفس الوقفة، بشرط المثول في اليوم التالي أمام القاضي الذي قرر إبعادهما لمدة أسبوعين والتوقيع على كفالة بقيمة 5000 شيكل (نحو 1330 دولارا).

تواصلت الجزيرة نت مع درويش الذي يشغل منصب أمين سر حركة فتح في قرية العيساوية عقب انتهاء مدة الأسبوعين، فأفادنا بتمديد الإبعاد شهرا آخر، وقال إنه يشعر بغصة في القلب "كيف لهم أن يمنعونا من التواجد في الأماكن التي ننتمي إليها.. هذه أرضنا وسنبقى مرابطين فيها وصامدين".

إبعاد درويش -وهو أب لأربعة أطفال- أثر على مجرى حياته اليومية، فشارع صلاح الدين الأيوبي يعتبر مركزا تجاريا في المدينة تتوزع على جانبيه المحال التجارية، ويعتبر أحد الطرق المؤدية إلى البلدة القديمة والمسجد الأقصى.

كذلك، تحتل بعض المؤسسات الفلسطينية مكانا لها بين مباني الشارع، ومنها شركة كهرباء محافظة القدس التي اعتقل درويش من الوقفة التي نظمت أمامها.

يقول ياسر إن إبعاده عن الشارع قيّد وصوله إليه، فقد كان يشتري الكثير من حاجيات أسرته من المحال التجارية هناك، كما لم يعد بإمكانه مراجعة شركة الكهرباء لإجراء المعاملات أو لشحن الكهرباء لمنزله، كما قلل من عدد مرات ارتياده للمسجد الأقصى.

وقد زاد استخدام عقوبة الإبعاد كسياسة لقمع المواطنين المقدسيين منذ الاحتجاجات الفلسطينية في القدس على الاعتراف الأميركي بالمدينة المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال العام الماضي.

إجراء عقابي
والإبعاد كإجراء عقابي له انعكاساته النفسية والاجتماعية، ويشرح المحاضر بجامعة القدس الدكتور سمير شقير كيف يُعتبر أحد أشكال القهر والإذلال، خاصة أنه يبعد الشخص عن أهله والمكان الذي ينتمي إليه، بينما يشكلان معا السكن النفسي للإنسان.

وبحسب شقير فإن أحدا لن يستطيع التنبؤ بردة فعل المعاقب بالإبعاد، ويشير إلى أنها قد تكون عنيفة وباتجاه الجهة المعاقبة أو أي جهة أخرى تتصل بها.

ويوضح كيف يشعر المبعد بالاغتراب النفسي من الإبعاد كعقاب مؤلم يقترن بالظلم، وقد يصل إلى مرحلة يشكك في سلوكه الوطني الذي من أجله أبعد، فيمارس جلد الذات على نفسه خاصة إذا ما تأثرت عائلته من العقاب، فيتولد لديه الإحباط والقلق وربما يبتعد عن ممارسة الفعل المسبب للإبعاد وغيره من الأنشطة.

المصدر : الجزيرة