أحياء القدس خلف الجدار.. حياة مع وقف التنفيذ

أحياء القدس خلف الجدار.. حياة مع وقف التنفيذ
أقر الكنيست الإسرائيلي فجر أمس بالقراءتين الثانية والثالثة تعديلا جديدا لقانون أساس القدس، وحسب هذا التعديل فإن الحكومة الإسرائيلية الحالية أو أي حكومة مستقبلية لن تتمكن من التخلي عن أي جزء من أجزاء القدس -بشرقها وغربها- إلا بموافقة ثلثي أعضاء الكنيست (ثمانون عضو كنيست من أصل 120). 

هذا التعديل حصل على الكثير من الاهتمام شعبيا واجتماعيا، وذلك ليس فقط بسبب حساسية وضع القدس والحساسية السياسية للتعديل، ولكن أيضا بسبب بند آخر من التعديل شطب في النهاية ولم يمرر.

هذا البند كان يتعلق بإخراج أحياء مقدسية فلسطينية تم ضمها إلى مدينة القدس عام 1967 وتضم اليوم حوالي 140 ألف مقدسي (أكثر من ثلث سكان القدس العرب) إلى خارج حدود بلدية القدس وإنشاء مجلس بلدي مستقل لهذه الأحياء. 

الاهتمام الشعبي بهذه الخطوة جاء بسبب تخوفات عشرات آلاف الفلسطينيين من سكان هذه الأحياء من أن إخراجهم خارج حدود القدس سيعني أنهم سيخسرون حق إقامتهم وكل ما يتعلق بها من حرية للحركة وتأمين صحي وغيرها من الحقوق. 

توسعة حدود بلدية القدس تمت بالأساس حسب اعتبارات ديمغرافية، فالجهات واللجان الإسرائيلية كانت تهدف منذ البداية إلى تعزيز السيطرة في المدينة عن طريق خلق أغلبية يهودية فيها

توسيع القدس
بعد الاحتلال الإسرائيلي للمدينة المقدسة قامت السلطات الإسرائيلية بضم ما يقارب 72 كيلومترا مربعا من أراضي الضفة الغربية وضمتها إلى حدود بلدية القدس وفرضت القانون الإسرائيلي عليها.

ولم تشمل الأراضي التي ضمت المدينة الشرقية بحدودها التي كانت تحت السيطرة الأردنية فقط، وإنما شملت أيضا قرابة 64 كيلومترا إضافية كانت تتبع للقرى والمدن الفلسطينية المحيطة.

توسعة حدود بلدية القدس في ذلك الوقت تمت بالأساس حسب اعتبارات ديمغرافية، فالجهات واللجان الإسرائيلية كانت تهدف منذ البداية إلى تعزيز السيطرة في المدينة عن طريق خلق أغلبية يهودية فيها، فعدد الفلسطينيين في ذلك الوقت لم يتخط الـ67 ألف ساكن. 

الاعتبار الإسرائيلي الرئيسي كان الامتناع عن ضم المناطق المكتظة بالسكان الفلسطينيين إلى حدود القدس، وذلك من أجل ضمان الأغلبية اليهودية في المدينة، ووفقا لذلك وضعت عدة قرى خارج الحدود البلدية للمدينة، في حين ضمت بعض أراضيها لهذه الحدود. 

أحياء خلف الجدار
في العام 2002 وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى قررت الحكومة الإسرائيلية برئاسة أرييل شارون إقامة الجدار الفاصل، لكن هذا الجدار لم يتم بناؤه حسب حدود الـ1967 والخط الأخضر، ولكن تم اقتطاع مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية التابعة لقرى الضفة الغربية. وفي المقابل، تم بناء الجدار داخل القدس الشرقية، حيث تم إخراج أحياء كفر عقب، وسميراميس، ومخيم شعفاط إلى خارج الجدار.

إسرائيل لم تقم فقط ببناء الجدار داخل حدود "عاصمتها" ومحاربة البناء الفلسطيني بكل الوسائل داخل حدود الجدار، لكنها سمحت به خارج الجدار بدون حسيب أو رقيب

وهنا تجدر الإشارة إلى نقطة مهمة وهي السلطات الإسرائيلية كانت دائما تعلل بناء الجدار في مناطق مختلفة بتوفير الأمن لسكان إسرائيل، إلا أنه وفي حالة بناء الجدار داخل حدود البلدية لمدينة القدس وفصل بعض الأحياء قالت الجهات المعنية بتحديد مسار الجدار إن اختيار المسار جاء "للحفاظ على أمن سكان إسرائيل وللحفاظ على المصالح الإسرائيلية بالقدس!"، مما يدل على موضوع فصل أحياء من القدس كان موجودا بتفكير السلطات الإسرائيلية منذ أكثر من 15 عاما قبل إقامته.   

إسرائيل لم تقم فقط ببناء الجدار داخل حدود "عاصمتها" ومحاربة البناء الفلسطيني بكل الوسائل داخل حدود الجدار، لكنها سمحت به خارج الجدار بدون حسيب أو رقيب، لا بل وشجعته ودفعت عشرات آلاف المقدسيين إلى السكن في ناطحات السحاب التي بنيت بدون أي فحوصات هندسية وبانعدام بنية تحتية مناسبة.

ودفعت الأزمة السكنية الخانقة في القدس عشرات آلاف السكان لأن يروا بالبنايات الضخمة في أحياء خلف الجدار حلا مرحليا لمشكلتهم، فمن جهة سيحصلون على شقة سكنية بسعر مناسب، وأيضا سيتمكنون من استمرار العيش ضمن حدود بلدية القدس، مما سيسمح لهم بالحفاظ على بطاقات هويتهم المقدسية والحفاظ على تأمينهم الصحي، وهذا ما كان.

الزيادة الكبيرة في أعداد سكان أحياء خلف الجدار رافقها إهمال كامل من كافة السلطات الإسرائيلية، خاصة من بلدية القدس التي تجاهلت بشكل شبه كامل تحسين البنى التحتية في تلك الأحياء، وشيئا فشيئا ومع ازدياد أعداد السكان وانعدام الخدمات تحولت أحياء خلف الجدار إلى منطقة منكوبة، فلا خدمات ولا أمن ولا بنى تحتية.

يكفي لكل متابع أن يفحص ميزانية بلدية القدس لأحياء خلف الجدار ليعرف مستوى الإهمال فيها، فالبلدية تستثمر في أحياء خلف الجدار تقريبا 1% من مجمل ميزانية النظافة

في المقابل، السكان لم يملكوا حلا إلا استمرار العيش في تلك الأحياء، ويكفي لكل متابع أن يفحص ميزانية بلدية القدس لأحياء خلف الجدار ليعرف مستوى الإهمال فيها، فالبلدية تستثمر في أحياء خلف الجدار تقريبا 1% من مجمل ميزانية النظافة، وتقريبا 0.01% فقط من ميزانية البنى التحتية.

مع كل ما ذكر من مشاكل بأحياء خلف الجدار فإن مشكلتين رئيسيتين تسببان للسكان معاناة غير محتملة: الأولى تتمحور بانعدام وجود أي نوع من الأمن في هذه الأحياء بسبب عدم وجود مراكز للشرطة وعدم قدرة الأجهزة الأمنية الفلسطينية على العمل في هذه الأحياء كونها تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة.

كذلك هناك مشكلة الأزمة المرورية الخانقة التي يتسبب بها الحاجز العسكري الإسرائيلي وسوء البنية التحتية بالمنطقة، فيكفي للقارئ أن يعرف أن قطع خمسمئة متر في هذه الأحياء يستغرق في كثير من الأوقات أكثر من ساعة كاملة في ساعات غير ساعات الذروة.  

نوايا التخلي
منذ فترة كان واضحا وجود نوايا حكومية إسرائيلية للتخلي عن أحياء خلف الجدار، فبناء الجدار داخل حدود المدينة المقدسة وتصريحات السياسيين الإسرائيليين وفي أكثر من مناسبة كانت تؤكد هذا، ففي أكثر من مناسبة أكد رئيس بلدية القدس نير بركات أن حدود بلديته هي الجدار، وأنه غير مسؤول عن الأحياء المقدسية الواقعة خلفه، وفي مناسبة أخرى ظهرت تعليقات لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيته سحب هويات سكان أحياء خلف الجدار الإسرائيلية بادعاء مشاركة أحد سكان هذه الأحياء في عمليات ضد إسرائيل.

لم ولن تتوقف الخطة الإسرائيلية بفصل الأحياء بإلغاء بند إخراجها من تعديل القانون، وهي متعلقة بطول نفس الوزير الكين وبدعم رئيس حكومته له

وهنا نعود إلى تعديل قانون أساس القدس، فأحد أبرز بنوده نص كما ذكرنا سابقا على إخراج أحياء خلف الجدار إلى خارج حدود القدس، وكانت هذه هي المحاولة الأولى لتقليل مساحة بلدية القدس منذ أن توسعت بعد حرب الأيام الستة عام 1967، وقد كان المخطط يقضي بأن يتم تأسيس مجلس بلدي استثنائي لن يكون سكانه من المواطنين الإسرائيليين، بل من فلسطينيين حاملين درجة الإقامة الدائمة.

هذا البند لم يمر في النهاية بالكنيست ربما لأن حزب البيت اليهودي لم يرغب بأن يكون هو من قرر إخراج أحياء من القدس خارجها وتقليل مساحة القدس، فصاحب فكرة إخراج هذه الأحياء هو وزير شؤون القدس من الليكود زئيف الكين، والبيت اليهودي يريد أن يقدم الليكود مشروع قرار منفصل يتحمل الليكود تبعياته.

مجلس بلدي منفصل
 لم ولن تتوقف الخطة الإسرائيلية بفصل الأحياء بإلغاء بند إخراجها من تعديل القانون، وهي متعلقة بطول نفس الوزير الكين وبدعم رئيس حكومته له، وأعتقد أن الخطة ستخرج وستنفذ وسيتم إخراج الأحياء عاجلا أم آجلا وتأسيس هذا المجلس البلدي المنفصل.

سكان أحياء خلف الجدار يعانون أكثر من غيرهم من إهمال السلطات الإسرائيلية، فلا خدمات ولا أمن ولا أمان، أما الأزمات المرورية الخانقة فحدث ولا حرج

إشكالية تأسيس المجلس البلدي الجديد للسكان الفلسطينيين ستكون أولا تخوفهم من أن هذه الخطوة ستكون فقط البداية لفصلهم نهائيا عن القدس ولسحب إقاماتهم، مما سيؤثر على كل مناحي حياتهم وحياة عائلاتهم.

إضافة إلى ذلك، فإن المجلس البلدي سيحصل على ميزانيات قليلة جدا -إن حصل أصلا- ولن يكون بإمكانه تقديم خدمات لسكان هذه الأحياء التي تعاني أصلا من تدهور شديد في وضعها.

الخلاصة أن المعركة الديمغرافية بالقدس بدأت منذ عام 67 ولم تتوقف أبدا منذ ذلك التاريخ، وكل خطوة سياسية وتنفيذية تقوم بها حكومة إسرائيل أو إحدى أذرعها فإن هدفها الأول يكون التأثير على ديمغرافيا القدس بشكل مباشر أو غير مباشر، وما بناء الجدار داخل حدود بلدية القدس والأزمة الإسكانية الكبيرة المفتعلة في القدس الشرقية إلا دليل بسيط على هذا.

سكان أحياء خلف الجدار يعانون أكثر من غيرهم من إهمال السلطات الإسرائيلية، فلا خدمات ولا أمن ولا أمان، أما الأزمات المرورية الخانقة فحدث ولا حرج.

إسرائيل تسعى بقوانينها إلى فرض واقع غير قابل للتغير على ديمغرافيا القدس، كما سبق أن فرضته على أرض القدس، لكن رد الفعل العربي والفلسطيني الرسمي محدود جدا إن وجد أصلا، ولا يبقى للقدس إلا أهلها الصامدون فيها.   

المصدر : الجزيرة