قلوب تخفق لاسترجاع الأمنيات..

قلوب تخفق لاسترجاع الأمنيات
صغارنا أصابتهم رغما عنا عدوى الحزن، تغادرهم البهجة لتحل مكانها الدهشة الموجعة، أطفالنا تراكمُ الحيرةِ والضجر على أكفنا المفتوحة للخواء، وأطفالنا أبجديّة لغةٍ ابتدعناها فنطقت بما يخيفنا!

ننظر إلى هذا الأفق الممتد فنرى المدى مرايا مهشّمة وصورنا مشوّهة فيها، لا أثر لطفولة ملامحنا، ولا بهجة في عمق العينين ولا أعياد!

نلملم إحساسنا بالانكسار، فتمزّق شظايانا ارتعاش أنفاسنا ونحن نهرب من الأسئلة، صغارنا نار تكوي صبرنا، فنبتلع الألم بصمت! صغارٌ لكنّ أسئلتهم كبيرة! تغرقنا في تيه الكلمات الحائرة، فتمتد أيديهم وتنتشلنا، أيديهم الصغيرة كأفواههم تحمل الكثير! وتزرع دهشتها فينا!

ننظر حولنا بعيون مبلّلة الحواف فتدهشنا أضواء العيد، وضجيج الحياة في الشوارع المفتوحة لضحكات المتجوّلين.. وكأنه جرحنا وحدنا! وكأن المقاومة قدر المنتفضين وحدهم على حدود النار والحريق!

تضحك عواصم العرب مفتعلة البهجة ولا بهجة في أفئدتها.. تحاول جرّ الفرح لأناسها المحنّطين على أبواب الانتظار، تُغريهم بالسهر! وبفوضى المشاعر المشتتة بين ما هو حقيقي ومزيّف! وتترك زهرة المدائن ملتفّة بشالها الدموي وفي عينيها بقايا دعاء ومطر!

تضحك عواصم العرب مفتعلة البهجة ولا بهجة في أفئدتها.. تحاول جرّ الفرح لأناسها المحنّطين على أبواب الانتظار، تُغريهم بالسهر! وبفوضى المشاعر المشتتة بين ما هو حقيقي ومزيّف!

أيها المتجوّلون في الأسواق تبحثون لصغاركم عن جذوة الفرح.. في القدس أسواق محاصرة بالحواجز والتفتيش والإرهاب! لا حلوى تداعب خيال الأطفال في سوريا المحكومة بالعتمة بين القتل والتعذيب والتشريد، وجثث تكفّن جثثا تحت التراب بصواريخ جاءت لتجتثّهم بحجة حمايتهم!

ووجع أبناء أمتنا (المحمّلين بذنب التوحيد في بلاد ترفض الله) جبالٌ من صبر! لا عيد لأطفالهم رغم أنهم صاموا، واعتصروا إرادتهم فكانت صمودا! لا عيد لهم ولا أسواق.. ولا ضحكات تهب فرحها للصغار في العراق المكبّل بالحقد وبالدماء!

أيتام كوسوفا لا يزال جرحهم ينزف! وقد أسرَّهم النخّاسون بضاعة يتاجرون بها في أسواق الرقيق الأبيض حتى عودة يوسف لأبيه، فتقتص من المتآمرين السماء!

وعيون تحدّق بقسوة الفرقة في أرض العرب، تراها تحصدهم شوكا، فتربكها الصور! وتبعثر كل ما استقر في ذاكرتهم عن أنفسهم، لتنتصر الحيرة! وتلقي بظلالها على كل شيء، وتمضي صوب عذاب يصنعونه بأيديهم ويجرّعونه أبناءهم..

مسلمون في كل مكان، مسلمون بلا عيد، بلا فرح! ومسلمون يمزّقون أوراق الذاكرة المخضرّة قبل أن تثمر فيهم!

في فلسطين السنين الجافة حصار يغلّفه الحصار! وجوع يأكله الجوع! زادهم صلاة تضيء عتمة دورهم المغلقة على آخر الأمنيات، وصيامهم عبير الشهداء وهم يمطرون الأرض بالرجاء..

في فلسطين الوجع اليومي رصاص لكل الأجساد! وقنابل وصواريخ تلقي قذائفها لتقتل الجرأة في أعين الصغار، لتحرق عود الذاكرة، وتقتلع من أيدي الأمهات القمح العنيد، وتروّض الكبرياء في أعين الرجال!

في فلسطين الصبر الموشّح بالتكبير همّ يستره الهم، وتكبير ينشق عن تكبير! في أرض الإسراء جوع وقهر ودم يغطي الزهر في حقول الرفض علّه يحمل عطره للقادمين.. أطفال أودعوا أمنياتهم الصغيرة الهوّة العميقة بين ما يرون وما يصفه الآخرون!

وفي كل بيت في غزّة رصاصة عبرت كرْها جسد شهيد، وعلى كل حائط صورة حملت شريطا مغموسا بدم صاحبها! وعلى الموائد الجائعة صبر ودعاء.. شتاء الأعين المفجوعة لا ربيع له! ولا دفء لبرده ولا نهار! وأشجار الحزن الباسقة تكبر بتسارع مجنون! تُلقي بثمارها غضبا أعزل، ولا تبقي للصابرين سوى وجع الانتظار!

بكلمة الحق والمال والأنفس ينجوا الرجال من التهلكة! حين يعظّمون لأنفسهم حرث الآخرة! فألبسوا أطفال مَن كان الوطن لديهم الأعز وأطعموهم!

في الأسواق المفتوحة لبهجة لا تأتي يتحدّث الناس عن آخر الأخبار، يصفون الموت في الشوارع الغاضبة بعروق نافرة، ودمع يغادر المقل بارتعاش مستورٍ لرحيل الشهداء، يحسدونهم! ويكتفون بالدعاء.. ويتركون أبناء المجاهدين الجياع وسط الحصار لرب لو أراد لأطعمهم! ويتركون الجنود القتلة لطفل يقاتل هو وربه بينما هم قاعدون! يُلقون أوزارهم باسم العجز، ويكتفون بمتابعة الأخبار! وينسون أن الشهداء ما تلقّوا الرصاص بصدورهم ليموتوا، بل ليحيا الأقصى مسلم الجدران! وليظلّ التكبير حرّا في أفواه المآذن وعلى صفحات القرآن..

بكلمة الحق والمال والأنفس ينجوا الرجال من التهلكة! حين يعظّمون لأنفسهم حرث الآخرة! فألبسوا أطفال مَن كان الوطن لديهم الأعز، وأطعموهم! مدّوا لهم أيديكم لتكون يد الله فوقها، وهي تودع صدورهم غراس الفرح! في زمن احترقت فيه غابات البهجة وبات رمادها باردا في القلوب! فقلوبهم الصغيرة لا تزال تخفق لاسترجاع الأمنيات، ولضحكات تملأ الكون بصخب من صار الكون حبيس كفّه وعينيه..

ويا كل المسلمين كبّروا! في كل بقاع الأرض كبّروا! كبّروا لانتفاضة الإسلام في عروق مَن عرف الطريق إلى الحياة! وبها (وإن ظلّ وحيدا) قرّر أن يسير.. حنيفا مسلما.. وإلى الله المسير..

المصدر : الجزيرة