الرازم.. فنان مقدسي متعدد المواهب

أسيل جندي-القدس

على سطح منزله في حي باب حطة المطل على المسجد الأقصى، وبين التحف الفنية التي أنتجتها أنامله، يجلس المقدسي عبد الجليل الرازم وقد شارف على إنهاء العقد الخامس من عمره متأملا أعماله، التي يعتبرها مصدر الإلهام لابتكار مزيد من اللوحات التشكيلية والقطع الفنية البلاستيكية.

وُلدت أولى إبداعات الرزام عندما كان في الصف الرابع الابتدائي بالمدرسة العمرية في القدس القديمة، وقرر حينها رسم حصان خلال حصة الرياضيات، لكن تأمله في الرسمة المتقنة لم يدم طويلا بعدما سحب منه معلمه الدفتر وطلب منه الخروج من الصف حتى تنتهي الحصة.

ظن عبد الجليل حينها أن معلّمه سيعاقبه ويحوله لإدارة المدرسة لاتخاذ إجراء عقابي بحقه بسبب انشغاله بالرسم خلال حصة أساسية مهمة، لكن فرحته كانت عارمة عندما اصطحبه أستاذ الرياضيات لمعلم الفن وقال له إن هذا الطفل موهوب ومبدع.

تعزيز مبكر
عزز أساتذة الرازم ثقته في موهبته وفنه، ومع انتقاله للمرحلة الإعدادية وُلد شغفه بالخط العربي ولاحظ معلموه ذلك أيضا فأشركوه في معارض المدرسة وعيّنوه مسؤولا عن كتابة حكمة اليوم والقصائد والشعارات التربوية
.

‪أغطية عبوات معطر الغسيل يصنع منها الرازم أوعية زراعية يزين بها سطح منزله في حي باب حطة بالقدس‬ (الجزيرة)
‪أغطية عبوات معطر الغسيل يصنع منها الرازم أوعية زراعية يزين بها سطح منزله في حي باب حطة بالقدس‬ (الجزيرة)

هكذا نضج الرازم مقتنعا بضرورة الالتحاق بإحدى كليات الفنون الجميلة، وبعد إنهائه الثانوية العامة توجّه للمملكة الأردنية والتحق هناك بمعهد الفنون الجميلة، وتتلمذ على يد فنانين تشكيليين أردنيين، ومنذ عودته للقدس عام 1981 وهو يعمل مدرسا لمادة الفن بمدرسة شعفاط الإعدادية للبنات، بالإضافة لمشروعه القائم على إعادة استعمال الأدوات البلاستيكية وإنتاج قطع فنية منها.

تربعت القدس القديمة بسورها وحواريها ومساجدها وكنائسها وعبق حجارتها على عشرات اللوحات التشكيلية التي رسمها الفنان المقدسي، ليس هذا فحسب، وإنما انتقل شغف الرسم لابنه أحمد المصاب بمتلازمة داون، الذي بات رفيقه خلال عمله في الرسم والمجسمات البلاستيكية.

وخلال استقباله مراسلة الجزيرة نت في منزل العائلة بحي باب حطة، قال أحمد الرازم إنه يحب الرسم كثيرا ويساعد والده بمناولته قطع البلاستيك ليصنع مجسمات كبيرة يزين بها المنزل والحي أحيانا.

وعن انطلاقه بالعمل في مشروع إعادة استعمال الأدوات البلاستيكية، قال عبد الجليل الرازم إنه تلقى دورات مكثفة عام 2006 تحت عنوان "المحافظة على جودة البيئة"، وفكر حينها بضرورة استغلال هذه الخبرة في عمله معلما ونقلها للطالبات في رسالة تربوية.

وأضاف "نحن شعب مثقف كبقية الشعوب المتحضرة.. زرعتُ هذه الفكرة بأذهان طالباتي وبدأتُ معهن بفعاليات نستخدم خلالها كل الأواني البلاستيكية الملقاة في سلة المهملات، وهكذا تمكنا من إنتاج قطع إبداعية ذُهلت الطالبات ببساطة إمكانياتها المادية، كما ذُهلن بأهمية إعادة استعمال وتدوير النفايات".

أُصص (أوعية) الزرع والثريات وأشكال الزينة المختلفة تحف فنية يزين بها عبد الجليل منزله، كما زين بها على مدار سنوات أزقة باب حطة خلال شهر رمضان الكريم، إذ كانت عائلة الرازم أول من أسس فكرة إنارة البلدة القديمة بطريقة روحانية إبداعية في رمضان وكان ذلك عام 1996، عندما طلب منه والده تثبيت المصابيح الملونة أمام المنزل لإنارة طريق المصلين القادمين للمسجد الأقصى لأداء صلاة العشاء والتراويح.

‪الرازم يضع اللمسات الأخيرة على ثريا صنعها من عبوات المياه البلاستيكية المستعملة‬ (الجزيرة)
‪الرازم يضع اللمسات الأخيرة على ثريا صنعها من عبوات المياه البلاستيكية المستعملة‬ (الجزيرة)

توجه للنشيد
وبعد عامين ارتأى عبد الجليل الرازم وأشقاؤه ضرورة إنشاء فرقة مقدسية للأناشيد الدينية والزفات الشعبية، وانطلقوا حينها بفرقة تحمل اسم العائلة وتنشط خلال شهر رمضان بإقامة أمسيات للمدائح النبوية في باب حطة بعيد صلاة التراويح كل خميس
.

ويعد عبد الجليل مدرب الفرقة التي تضم أبناءه وأشقاءه وأبناءهم ويستخدمون فيها الآلات الإيقاعية الشرقية كالدف والرق وغيرها.

وتحرص العائلة أيضا على تقديم الواجب لضيوف المسجد الأقصى المبارك، فبالإضافة لتحمّلها مهمة إعداد القهوة العربية وتوزيعها على المصلين الخارجين من المسجد بعد صلاة الجمعة على مدار العام، يتناوب الأبناء خلال شهر رمضان على تقديم الماء البارد والقهوة يوميا لكل المصلين الخارجين من الأقصى بعد صلاة التراويح من طريق باب حطة.

المصدر : الجزيرة